أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


ما بَيْنَ الاسْتِقْلالِ وَالاسْتِغْلالِ

بقلم : منتصر بركات الزعبي
25-05-2014 08:08 AM
التاريخُ ليسَ أيامًا مَشْحونَةً بالأحْدَاثِ والمَواقِفِ فقطْ ،وإنَّمَا هوَ حَياةٌ حَافِلةٌ بالدروسِ والعِبَرِ؛لذلِكَ عِنْدَمَا ألَّفَ عالِمُنا الفذُّ ابنُ خلدُون تاريخَهُ المُسمَّى بـ ' العِبَرِ وديوانِ المُبتدأ والخبرِ ' بيَّنَ لنَا أنَّ للتاريخِ فلسفةً لا بدَّ مِنَ التوقفِ عندها ومحاولةِ إدراكِ دلالاتِها.
فتاريخُنا حافلٌ بالدروسِ والعبرِ التِي نحنُ فِي أمسِّ الحاجةِ إليْها الآنَ ،ليسَ للوقوفِ عندَها بالتأمُّلِ والتدبرِ ،ولا للبكاءِ على أطلالِها فِي موقفٍ مشحونٍ بحبِّ الوطنِ ،وإنَّما للاسترشادِ بِها ونحنُ نواجهُ التحدياتِ الماثلةِ والكامنةِ ،خاصةً عندَ الحديثِ عنْ الهويةِ ومستقبلِ الحكمِ .
استقلاليةُ الهويةِ أمرٌ مهمٌ وخطيرٌ ،ينبغِي أنْ نغرِسَها فِي نُفوسِ أبنائِنا وبناتِنا معَ حليبِ أمهاتِهم . بلْ وقبلَ ذلكَ نَغرِسُها فِي نفوسِ الآباءِ والأمهاتِ لينقلوهَا إلى الأبناءِ. إذْ لا يمكنُ المُحَافَظَة علَى استقلاليةِ الهويةِ دُونَ مَعرفةِ هذهِ الهويةِ بالتفصيلِ ،مِنَ أصغرِ سلوكٍ إلى أكبرِ قضيةٍ فِي الأمَّةِ.
الاسْتقلالُ يَعنِي : التحررَ والإنعتاقَ ،وهو ضدُّ التبعيَّةِ والاحتلالِ والخنوعِ ،وهو : مفهومٌ لا يمكنُ وصفُه بأقلّ مِنَ النُبْلِ والكرامةِ ! كمَا أنَّ الاستغلالَ يعنِي : الانتهازيَّةَ والنفعيَّة واستنزافَ وسرقةَ المواردِ البشريَّةِ والماديَّةِ ؛دونَ وازعٍ من ضميرٍ أو مخافةٍ من اللهِ ؛ وتقديمِ صحةِ اللصوصِ والسارقينَ – رهطِ شيلوكَ – علَى صحةِ الوطنِ والمواطنِ ؛وجعلِ حقِّ هؤلاءِ اللصوصِ في الحياةِ مقدَّم على حقِّ الوطنِ والمُوَاطِنِ فِي الحَيَاةِ ! وهمْ مَنْ مارسَ النهبَ والسلبَ والَّلهْطَ بأبشعِ صُوَرِهِ ،فالتهَمُوا لقمةَ عيشِ الفقراءِ وجرعةِ مائهم وطاقةِ طعامِهم ودفئِهم ؛ ولمْ يبقَ لهمْ حسْبَ علمِي إلا القبورَ ،بعدَ أنْ باعُوا الوطنَ بأبخسِ الأثمانِ ؛لِيصْدُقَ فِيهمْ قول القائل :
وَطَنِي مُبْتَلَى بِعُصْبَةِ (دَلَّاِلينَ) لا يَتَّقُونَ فِيْــــهِ اللهَ
فِى ثِيَــــابٍ تُرِيْكَ عِـــزًّا وَلَكِنْ حَشْوُهَا الذُلُّ
والرِيَاءُ شَذَاهَا
وَوجُوهٌ صَفِيَقَةَ لَيسِ تَنْدَى بِجُلُودٍ مَدْبُوغَةٍ تَغْشَاهَا
وصدورٌ كأنّهُنّ قبورٌ مظلماتٌ قلوبُهم موتاها
حُسِبُوا في الرجالِ، هلْ كانتْ الأنعامُ إلا لِمثلِهم أشباها

علَى هذَا المَعْنى الأخيرِ يتَنزَّلُ كلامُنَا ونحـنُ نعيشُ أفراحَ الذِكْرَى أل ' 68' لِاستقلالِ الوطنِ ،الذِيْ يُصادِفُ فِي الخامِسِ والعشرِينَ مِنْ هذا الشَّهرِ ،إذْ ينبغِي لنَا أنْ نتدبَّرَ- مليًا - مَعَانِي الاستقلالِ والاستغلالِ،فالاستقلالُ يَعنِى :الحريَّةَ والكرامَةَ والانعتاقَ والسيادةَ للوطنِ والمواطِنينَ واستقلاليَّةَ السلطَةِ الحاكمةِ للبلدِ - أيّ بلدٍ - وانطلاقَها ورجوعَهَا إلى المَصالِحِ العُليَا للشَّعبِ الذي تَحكمُهُ ؛وتُمَثِّلُهُ مِمَا يُوجِبُ عليْها أنْ تحفظَ للمواطنِ كرامَتَهُ،ولِلوَطَنِ حرْمَتَهُ وثروَتَهُ ،وتَصرفَ مَوارِدَه فِيمَا ينفعُ أهلَهُ وساكنِيْهِ ؛مما يُصْلِحُ الأرضَ ويَصونُ العِرْضَ ويَؤدِّي إلى حياةٍ كريمةٍ بلا أذىً مِنْ معارضٍ ناقمٍ أو طامعٍ شرهٍ ؛ كمَا أنَّ الاستقلالَ يَعنِي أنَّ الجميعَ سَواءٌ أمامَ القانونِ،سواءٌ فِي الغُرْمِ والغُنْمِ وليسَ لِمُجموعَةٍ'استعمَارِيةٍ'مِنَ النُبلاءِ - قديمةٍ كانتْ أو حديثةٍ – فضلٌ على غَيْرِها ؛غيرَ تنفيذِ أحكامِ هذهِ النخبةِ المنفردَةِ بالجاهِ والمَالِ والسلطانِ!

فالقانونُ - وحدَهُ - فِي دولةِ الاستقلالِ - أيّ دولةٍ - هو المرجِعُ والحَكَمُ الفيصلُ ؛فهوَ الذِي ينظِّم حُريَّةَ الفِكرِ والتعبيرِ والتجمْهُرِ والتظاهرِ والتحزُّبِ والتكتلاتِ النقابيَّةِ ؛وغيرِها مِنَ الحريَّاتِ العامَّةِ الأخْرَى .
فِي دَولةِ القانونِ والكرامَةِ والاستقلالِ ؛لا تبخلُ الحكومةُ على مُواطنِيها ،ولا تحتكرُ مفاهيمَ الإصلاحِ والعَدلِ والإحْسانِ ؛ولا تلغِي الانتخابَ الحرِّ والنزيْهَ ،كمَا لا تَمُنُّ علَى ' شَعبِها بانجَازاتٍ بَسيطةٍ - إنْ لمْ تكنْ تافِهةً ! إذْ أنَّها ليْسَتْ مِنْ مَالِها ولا مِنْ مَالِ أبِيها ؛بلْ هي مِنْ مَالِ الشَّعبِ (هباتٌ وضرائبٌ ومواردُ عامةٍ...) رُوِي أنَّ مُعَاوِيَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنه – ]حَبَسَ العَطاءُ] يَوماً ، فقام َإليْه أبو مُسْلِمٍ الخَوْلانِي – رَضِيَ اللهُ عنْهُ - فقالَ لَهُ : يا مُعاويةَ إنَّهُ لَيسَ مِنْ كَدِّكَ ، ولا مِنْ كَدِّ أبيْكَ ، ولا مِنْ كدِّ أمِّكَ ،فَغضِبَ معاويةُ غضباً شديداً ، ونزلَ عَنِ المِنْبَرِ ،وقالَ للناسِ : مَكَانَكُمْ ، وغابَ عَنْ أعينِهم سَاعةً ثمَّ خَرَجَ إليْهِم وقدْ اغتسلَ ؛فقالَ : إنَّ أبا مسلِم كلَّمَنِي بكلام ٍ أغضَبَنِي ، وإنِّي سَمعتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يقولُ : [ الغَضَبُ مِنَ الشيْطانِ ، والشيطانُ خُلِقَ مِنْ نَارٍ ، وإنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بالماءِ ، فإذا غَضِبَ أحدُكُمْ فليغتَسِلْ ، وإنِّي دخلتُ فاغتسلتُ ، وصدَقَ أبو مُسلم ، إنَّهُ ليسَ مِنْ كدِّي، ولا مِنْ كدِّ أبِي ولا مَنْ كدِّ أمِّي فهلمُّوا إلى عطائِكُم ]
المسؤولُونَ إنَّما جَاؤوا - وهذا هوَ المُفْتَرضُ - لِخدمةِ الوَطنِ وأهلِهِ والنهوضِ بِهم ؛لا لِيسومُونَهم سُوءَ العَذابِ ،أوْ يَحِيْفُوا عليْهم فِي الكَيْلِ والمِيزَانِ .
فِي دولةِ الاستقلالِ والحريةِ والكرامةِ ؛ لا يساقُ الناسُ إلى السجونِ زرافاتٍ ووِحْدَانا بسبب جريمةِ المعارضةِ السلميَّةِ المشروعةِ ! إنَّما يحدثُ في دولةِ ' الاستغلالِ والانتهازيَّةِ والبرجماتيَّة الذاتيَّةِ ' ؛ حيثُ تجعلُ الخارجَ أولَى مِنَ الداخِلِ والغريبَ الدخيلَ أولَى مِنَ القريبِ الأصيلِ ؛التِي تجعلُ مِنَ تقسيمِ الثروةِ على أقرباءِ المسؤولِ ومُقَربيهِ وإشراكِ الأصهَارِ والحلفاءِ وأحفادِ النبلاءِ فيها وزجِّ 'الآخرين' فِي السجونِ : [ سُنَّةٌ مَحْمُودَةٌ ] !
مُخطئٌ مَنْ يظنُّ أنَّ الاستقلالَ مجرَّدُ عَلَمٍ رفرافٍ أو حِصَّةٍ دراسية في التربِيةٍ الوَطَنِيَّةٍ أو إعلانِ ولاءٍ وانتماءٍ فِي صَحَيفَةٍ ورَقِيَّةٍ أو جوقةٍ موسيقيةٍ ونشيدٍ 'وطنيٍّ' تتعارضُ كلماتُهُ ومعانيهُ معَ سلوكِ مستمعيهِ وعازفِيهِ .
مخطئٌ مَنْ يظنُّه'بقرةً حلوبًا' يستنزفُ قدُراتِ المُواطنِ البسيطِ ،وتجهزُ علَى قواهُ المتهاويةِ ! نحنُ نتحدثُ عنْ واقعٍ مُرٍّ مثلِ العلقمِ مَليءٍ بالمُنغِصَاتِ ،أهلُه يعيشونَ بينَ لظًى نزَّاعةٍ للشَوى و تصليةِ سقرٍ ؛ و'عليْةُ القومِ' تُنَبِئُهم أنَّهم :'أحسنُ حالاً مِنْ غِيرِهم ' وأنَّهم فِي الطريقِ إلى الفردوسِ الأعلَى! ربَّما يكونُ المُتًنًبِيّ أكثرَ غِلظَةً وانحيازًا للمحتلِّ مِنْ غَيْرِهِ إذْ يقـولُ :
وظلمُ ذَوِي القُربَى أشدُّ مَضَاضَةً علَى المَرْءِ مِنْ وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
ومعَ ذَلِكَ فانَّ تخليدَ ذِكرَى جَلاءِ المحتلِّ ،وخَصخَصةَ مُؤسساتِ البلدِ الحيويَّةِ ،وفتَحَ البَابِ علَى مِصْراعيْهِ أمامَ شركاءِ متخذِي قرارِ الخَصخَصةِ واللصْلَصَةِ مِمَّنْ سُمُّوا بالمستثمِرِين الأجانبِ والشركاءِ الاستراتجِيينَ والذِي كانَ لَهُ أكبرُ الأثرِ فِي إدخالِ البلادِ تحتَ سيطرةِ مَجموعاتِ غسيلِ الأموالِ والمضارباتِ التِي استباحتْ البلادَ والعبادَ ؛وسرَقَتْ مُدَّخراتِ الوطنِ في البورصاتِ الوهميةِ ، والضمانِ الاجتماعِيِّ وسوقِ عمَّانَ المالِيِّ ،فتفاقمَتْ المديونيَّةُ لتقارِبَ (17) مليار دولار؛ كلُّ هذا يطرحُ سؤالاً مهمًّا مَفادَهُ:'ما الغايةُ مِنَ الاستقلالِ عَنْ محتلٍّ واستبدالِهِ بآخرَ ؟! وما الفائدةُ مِنْ بيعِ كلِّ مؤسساتِ الوطنِ للغرباءِ ورجالِ الأعمالِ وإقصاءِ المواطِنين المخلصِين النظيفِين ؟ أليسَ المستولِي على مَا ليسَ لَهُ - مُحتلاً وبغيضًا مهما كانتْ لغتُهُ أو لون نياشينِهِ ؟ أليسِ وطنِي مُبْتَلَى بِعصْبَةِ (دلَالِينَ) لا يتقونَ فِيهِ اللهَ ؟
وأخيرًا الاحتفالُ بِذكَرى الاستقلالِ واجبٌ وطنيٌّ ؛ إذْ أنَّ للأوطانِ في عُنقِ كلِّ حرٍ يدٌ سلفَتْ ودَينٌ مستحقٌّ،حفِظَ اللهُ وطنِيَ الأردنَّ،وجَنَّبَهُ كلَّ مكروهٍ ،وكلُّ عامٍ والوطنُ بخيرٍ

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
25-05-2014 10:31 AM

اشكر الاخ الكاتب على مقاله الرائع والله يا اخي مررت على احد محلات ال dvd التي تبيع اشرطة االاغاني فقلت لحالي بدي لسجل شريط اغاني وطنيه اردنيه في هذه المناسبه واشغلها في المحل يارجل ماقدرت الاقي اكثر من اربع اغاني عفى عليها الزمن والباقي كله مديح وووو والله حتى محمد الوكيل اله اغاني اما الوطن فيا همللالي

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012