أضف إلى المفضلة
الخميس , 02 أيار/مايو 2024
الخميس , 02 أيار/مايو 2024


البروليتاريا الغرائزية

بقلم : ياسر المعادات
25-05-2014 08:14 AM
في عام 1848 قام منظرا الفكر الشيوعي كارل ماركس و فردريك انجلز بنشر كتيب 'بيان الحزب الشيوعي' تنبآ فيه بثورة عارمة تسيطر فيها طبقة البروليتاريا الكادحة على مقاليد السلطة السياسية منفردة بعدها كطبقة وحيدة في المجتمع قاضية على الطبقات البرجوازية بشتى أشكالها،و اتخذ هذا البيان شكل تحريضي للبروليتاريين أكثر منه تنبؤي من أجل الثورة القائمة على الأفكار الشيوعية المتفردة بعيدا عن أي أفكار أخرى دخيلة.
عرفت طبقة البروليتاريا سابقا بأنها طبقة العمال و الكادحين الذين يعانون في المجتمع الرأسمالي الذي لا يقيم لهم أي وزن يذكر و يستخدمهم فيه أصحاب رأس المال من أجل تنمية رأس مالهم عبر عملهم في مختلف مصادر رأس ماله،و كان أمل ماركس و انجلز و غيرهم من الاشتراكيين أو الشيوعيين هو تحرك هذه الطبقة تجاه الأرباب الرأسماليين البرجوازيين و سحقهم عبر ثورة تتخذ من العنف سبيلا للوصول إلى السلطة السياسية و ابادة البرجوازية و إذابتها في المجتمع الاشتراكي الجديد.
بيد أن كل تنظير هؤلاء في ذلك الوقت و تنبؤاتهم حول اندحار الرأسمالية و حلول الاشتراكية مكانها بتزعم من البروليتاريا لم يعدو عن كونه تنظيرا يجافيه واقع اليوم من توسع للرأسمالية و شبه انقراض لاشتراكية ظهرت لفترة محدودة سرعان ما هزمت شر هزيمة أمام وحشية الرأسمالية،و لكن السؤال يبقى أين تقبع البروليتاريا من كل هذا الصراع الطبقي المحتدم و هل فعلا كانت البروليتاريا رأس حربة الاشتراكية في فترة بزوغ نجمها؟!
بالامكان الإجابة عن هذه التساؤلات عبر نظرة ممعنة في واقع البروليتاريا المعاصر حيث بامكاننا أن نرى بوضوح انحدار البروليتاريا الى أسوء مما كانت سابقا فهي قد توسعت بشكل مرعب جعلها تشكل الطبقة السائدة في أغلب المجتمعات و بالذات التابعة منها،إضافة إلى هذا فإن هذه الطبقة وصلت إلى الحضيض في مختلف المستويات الثقافية و الفكرية لتصبح أقرب ما تكون الى بروليتاريا غرائزية تهتم 'كطبقة' بإشباع الغرائز و يقضي أفرادها حياتهم في سباق خلف مستلزمات إشباع هذه الغرائز دونما أي تفكير يذكر في ثورة أو سلطة تسود فيها،و قد تكون هذه نتيجة طبيعية لسيطرة الطبقة الرأسمالية و برجوازييها على السلطة في العالم و توجيه باقي الطبقات و بالذات البروليتاريا لخدمة الرأسمالية من أجل الاستمرار على قيد الحياة في كنف الرأسمالية المسيطرة على كل مناحي حياة البروليتاريا.
مع بزوغ ثورات الربيع العربي استعادة فكرة ثورة البروليتاريا ألقها حيث اعتبر الكثيرون أن تحرك البروليتاريا كان عامل الحسم الأهم في هذه الثورات و ان لم تكن سمة العنف هي المميزة لها في البداية على الأقل،و لكن سرعان ما خبى دور البروليتاريا التي اعتادت على أن تعيش في خوف مستمر من أن يتناقص إشباع الغرائز لديها كونه الغاية الأسمى لهذه الطبقة بغض النظر عن ثورات فردية على واقع الطبقة المتردي،و هو أمر جعل فئة 'الوطنيين' تقاوم وحيدة طلائع الحكم الرجعي في العالم العربي و المدعوم بشكل لا متناهي من الرأسمالية العالمية و بالذات من رأس حربتها الامبريالية الامريكية.
لعل من أبرز ما ميز بيان الحزب الشيوعي في منتصف القرن التاسع عشر احتقاره للقوى غير الشيوعية و محاولة تأليب البروليتاريا عليها على اعتبار أنها ليست إلا قوى رجعية برجوازية متخفية و لا ينبغي العمل معها في أي مشاريع ثورية كونها ليست واقعية و لا تنتمي الى البروليتاريا و بالتالي لن تفيدها،و هنا من الممكن أن نعكس الآية في الواقع المعاصر فالبروليتاريا التي من المفترض أن تقود المشروع الثوري المفترض تقهقرت إلى أسفل الأسفلين و لا يمكنها العيش بعيدا عن كنف الرأسماليين البرجوازيين فهل ينبغي على الوطنيين إقصاء البروليتاريا أم الاندماج مع الواقع الرأسمالي البرجوازي أم الاستمرار في المشروع الثوري دون أي مساعدات من أحد؟!
لا أرى أن إقصاء أي طبقة في المجتمع ممكن عند الحديث عن مشروع للثورة و لكن هذا الأمر لا يعني القبول بواقع انحناء طبقات مثل البروليتاريا لقوى الطغيان الاستبدادية و مجاراتها فيه بل بالعكس ينبغي على القوى الوطنية الثورية انتشال البروليتاريا كونها الطبقة الأكبر من وحل الصبغة الغرائزية و إلحاقها بالصفوف الوطنية الثورية و هو أمر قد يتطلب مجهودا خرافيا و وقتا طويلا قد لا نعيش لنراه مشروعا واقعيا،و أما بغير هذا فسيكون الاستسلام لليأس أمرا حتميا و بالتالي سنعود للرضوخ للحكم الرجعي الاستبدادي الذي رغم كل شيء يوفر للبروليتاريا و غيرها البقاء و لا يهم حينها أي بقاء فالغريزة الأهم قد تحققت.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
25-05-2014 10:13 AM

يطعمك والناس مروحه ياخوي انت كاين نايم معهم في مغارة اهل الكهف

2) تعليق بواسطة :
25-05-2014 11:57 AM

الكاتب المحترم .

القياس على الثوره البلشفيه يختلف في بعض الجوانب عن القياس على الربيع العربي . الثوره البلشفيه كان لها تقسيم اقتصادي طبقي للمجتمع يقوم عليه توزيع ادوار الثائرين ومن يثار عليهم حسب طبقتهم الأقتصاديه . أما في الربيع العربي فقد ضهرت قوى أخرى مثل الرجعيه الدينيه ألتي تريد ارجاع المجتمع لعصور قديمه . وهذا ما قلب الموازين فعلى سبيل المثال قبل جزء كبير من الشعب المصري انقلاب السيسي وكذلك يقبل جزء كبير من الشعب السوري الرئيس بشار والسبب أن البديل هم من الرجعيه الدينيه .

قال لي أحدهم (أنني افضَل السيسي على حكم الأحزاب الدينيه , اسؤاء ما في السيسي هو أن يفشل اقتصاديا ولكنه لن يلاحقك داخل بيتك ليفرض عليك ماذا تلبس وكيف تتصرف ) .

في المحصله نستطيع فهم المشهد بوضوح في سوريا , فقد لعبت النصره وداعش في صف النظام السوري ورفعت شعبيته وهذا ما يفهمه النظام السوري , في مؤتمر جنيف كلنا نتذكر الصحفي الذي ردد سؤالا على وزير الأعلام السوري لأربعه عشر مره (لماذا لا تقصفون مكاتب داعش والنصره في حلب مع أنها معروفه لكم ؟؟) وطبعا لم يستطع الوزير السوري الأجابه .

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012