19-12-2010 07:55 PM
كل الاردن -
استمعنا لبيان دولة الرئيس لنيل ثقة مجلس النواب وربما اختلفت مشاعرنا وآراؤنا ونحن نستمع للبيان، إلا أنه هناك أمور يجب أن لا نختلف فيها كونها من البديهيات والمسلمات فالأصل في كل بيانات الثقة أنها تتوجه لإقناع مجالس النواب بعزم الحكومة قبل كل شيء على تحسين أمور المواطنين من كافة النواحي ثم تأتي خطة العمل والسياسات الداخلية والخارجية ومشاريع القوانين.
إلا أننا ولأول مرة نستمع لبيان تصرح فيه الحكومة أنها وقبل كل شيء ستعادي المواطن وستعمل على إيذاءه والإضرار به وتعد بسحقه وإغلاق أبواب العيش الكريم في وجهه. نعم هذا فحوى خطاب دولة الرئيس لنيل الثقة التي لا أخاله إلا سينالها بطريقة أو بأخرى.
شكى دولة الرئيس من المديونية والعجز وهذا أمر معروف وكلنا نعرف أن السبب فيه ليس المواطن وإنما الحكومات ومسؤوليها الذين عاثوا فسادا ونجا منهم من نجا وعوقب منهم من ضبط إلا أن وعد الرئيس بمعالجة العجز والمديونية بإيقاف التعيينات أولا واقتصار الزيادات في رواتب الموظفين على الزيادات السنوية ثانيا لا يجب أن يكون هو الحل الأول الذي تلجأ إليه الحكومة.
فأما بالنسبة لوقف التعيينات فستمضي سنة كاملة يتخرج خلالها آلاف الخريجين الذين سيتوجهون للبحث عن العمل وصحيح أن القطاع الخاص سيستوعب نسبة كبيرة منهم إلا أن القطاع العام لا يجب أن يخلي مسؤوليته وهذا ليس منّة ولا كرما وإنما واجب على القطاع العام فالقطاع الخاص لا يكون عادة قادرا على استيعاب كل الخريجين وطالبي العمل. هل يبدو من الحكمة إغلاق باب التعيينات في وجه الخريجين؟ هل من الحكمة إبقاء الخريجين والباحثين عن العمل يزرعون الشوارع يبحثون عن عمل أو يجلسون في المقاهي وربما يضطر البعض منهم لمخالفة القانون لتدبير لقمة العيش لهم ولأهليهم.
الوعد الثاني لدولة الرئيس بإيقاف الزيادات في الرواتب فهل وعد دولته بإيقاف الإرتفاع الحاد في الأسعار وإرتفاع تكاليف المعيشة؟ هل وعد دولته بعدم زيادة أسعار الخبز والوقود والخضار والإيجارات وغيرها من مستلمزمات المواطن البسيط؟ طبعا لم يعد والنتيجة ماذا ستكون؟؟ ستزيد الأسعار وستبقى الرواتب على حالها وتزداد الشقّة بعدا بين الغني والفقير وستزداد البطالة وستزداد المشاكل الإجتماعية بل وسيزداد معدل الجريمة ومخالفة القانون.
كان الأولى بدولة الرئيس إن كان متوجها لمجلس نواب حقيقي يمثل شعبا انتخبه بديموقراطية صحيحة أن يعد النواب بزيادة التعيينات ومحاربة البطالة وزيادة الرواتب أو على الأقل ربطها في مقياس إرتفاع تكاليف المعيشة. حتى ينال الثقة كان يجب أن يعد النواب الكرام بزيادة الرواتب بنسبة عشرين بل ثلاثين في المئة. أما إن كان يود فعلا الإقلال من المديونية والعجز فعليه أن يتوقف عن التعيينات الإستثنائية برواتب خيالية فتجد الموظف – الواصل والمدعوم – يحال على الإستيداع ليبرم معه عقد في اليوم التالي بعشرة أضعاف الراتب الذي كان يعمل به. كان أولى به أن يتوقف عن تعيين الوزراء وكبار المسؤولين لثلاثة أشهر فقط ليحقق لهم قفزة هائلة في رواتبهم التقاعدية. إحدى الوزيرات اللواتي عينت وتركت الوزارة قبل شهر صرحت في وزارتها وفي بداية عملها أنها قادمة للوزارة فقط لثلاثة أشهر وهذا ما حدث فعلا. ستبقى هذه الوزيرة ولأربعين سنة قادمة أطال الله في عمرها تتقاضى راتبا تقاعديا يتجاوز الألفي دينار شهريا مقابل ثلاثة أشهر فقط عملتها وهذا يسري عليها وعلى المآت من زملائها. وزيرة حديثة جدا استهلت عهدها بمجموعة من السيارات الجديدة وكأن الوزارة التي كانت قبلها بلا سيارات والوزير الذي قبلها بأيام كان يستخدم المواصلات العامة. أعمال تجديد ديكورات المكاتب ستستمر ومنها مكاتب الرئاسة التي تم الإنتقال إليها حديثا وفي غيرها من مكاتب الوزراء والأمناء والمدراء العامون. وسيستمر تعيين السكرتيرات بمسمى مدراء مكتب برواتب خيالية تمثل أضعاف ما يتقاضاه عشرات الموظفين. هذا من أسباب العجز في الموازنة وهذه بعض من أوجه الفساد الإداري وهذا ما يجب التوقف عنه ووعد مجلس النواب بعدم العمل به.
كان يجب على دولة الرئيس أن يعد بزيادة الضرائب على البنوك والشركات الكبيرة التي تحقق الملايين ولا تدفع إلا النذر اليسير كما زيادتها على أصحاب الثروات الكبيرة خاصة الفجائية منها. لا نفهم كيف فلانا أصبح يمتلك الملايين دون أن يكون قد دفع ضرائب على هذا الدخل. لا نفهم كيف يمكن لمجموعة كبيرة من المواطنين أن تشتكي على شخص ما أنه نصب عليها وسرق أموالها بعد أن كان يدفع لها مبالغ كبيرة نتيجة لإستثمار أموالها لديه فهل كانت أقرّت بهذه الدخول والإيرادات قبل أن يهرب المستثمر الذي كان يشغل لهم أموالهم؟ يجب أن تحاسبهم الحكومة على دخولهم التي وردت لجيوبهم على مدى سنوات سابقة دون أن يصرحوا عنها. نظرة بسيطة لسجلات الأراضي لتعرف الحكومة كيف أصبح شخص ما يمتلك الأراضي الكثيرة الواسعة دون أن يبين دخلا معلوما. نائب في البرلمان السابق انتقل فجأة من خانة المعدمين إلى خانة المليونيرية دون أدنى إشارة لنشاط تجاري أو إرث إنتقالي فهل صرح بهذا الدخل وسدد الضرائب عليه؟
كان يجب عدم جعل منطقة البحر الميت منطقة تنموية لتنال الإعفاءات الجمركية وخفض لضريبة الدخل لتصبح في مستوى 5% فقط وتعفى من ضريبة المبيعات بالرغم من أنها تحصلها من كل قط مار من هناك، وتقام مشاريع الفلل والشاليهات لأغنياء الأردن وغير الأردنيين دون أي فائدة تنموية للمنطقة ولا للأردن بأكمله.
الإقلال من المديونية والتخفيف من العجز له طرق كثيرة إلا أن جيب المواطن يجب أن يكون أبعدها استهدافا واستسهالا.
بيان دولة الرئيس كله كان بصيغة المستقبل، سنقوم وسنفعل وكأنها حكومة جاءت فجأة ولم يكن مضى عليها أكثر من سنة في الحكم فأين منجزاتها بالسابق حتى تلقي الوعود؟ ربما كان المقصود بالتعديل الأخير الإيحاء للجمهور أن هؤلاء الوزراء المقالون هم الذين كانوا لا يعملون وهذا غير صحيح.
دولة الرئيس……. قد تنالون ثقة مائة وثلاثين نائبا وليس مائة وعشرين فقط. حتى ثقة سعادة النائب الذي في غيبوبة منذ ما قبل الإنتخابات ولغاية الآن ستنالونها. نعلم ذلك علم اليقين لكن ثقة واحدة وبكل أسف فقد خسرتموها، هي ثقة المواطن المسحوق المكابد المكافح لأجل الفتات مما يلقى من موائدكم العامرة. المواطن هذا يعلم أنكم لستم حكومته وهو ليس من شعبكم.
walidsboul@hotmail.com