أضف إلى المفضلة
الخميس , 02 أيار/مايو 2024
الخميس , 02 أيار/مايو 2024


الحلقة الخامسة : السياسة الخارجية الاردنية " اهدافها ومستلزمات تحقيقها"

12-08-2014 11:07 AM
كل الاردن -

ينشر كل الاردن الحلقة الخامسة من كتاب السفير قؤاد البطاينه ' السياسة الخارجية الاردنية وتطورها ' وفي هذه الحلقة ننشر الاهداف السياسية الخارجية ومتطلبات تحقيقها ' .

أهداف السياسة الخارجية الأردنيه
(ومستلزماتها ومتطلبات تحقيقها ) كأهداف مُساعِدَه

تحديد الأهداف

انطلاقا من محددات السياسة الخارجية الأردنية التي ذكرناها كأهداف أجنبية ، ومن كون القيادة الهاشمية في الأردن كانت منذ البداية تعرف بأنها مستهدفة بالتغيير من الغرب والصهيونية في حالة عدم انسجامها مع السياسة الغربية في إطار تلك المحددات أو تقاعسها أو عدم توجهها للوجهة التي أرادها المستعمر، فإن الملك عبدالله الأول الذي يعلم بأن الهدف المفترض للسياسة الخارجية لأي دولة هو توجهها لخدمة احتياجات الدولة الداخلية وسكانها وتنميتها وحمايتها وحماية مصالحها ومعالجة قضايايها الوطنية والقومية في إطار الإنطلاق من ثقافة ومعتقدات واهتمامات سكانها ، كان يعلم أيضاً بنفس الوقت أن هذا الهدف الوطني الطبيعي المفترض هو نفسه المستهدف أجنبيا والمحظور اعتماده في الأردن . وواجه لذلك خيارا صعبا وربما وضع نصب عينه هدف النجاة بقيادته وبالدولة معا مراهنا في هذا على الوقت ، مما اضطره إلى أن يعتمد في تعامله مع الحلف البريطاني الصهيوني ممثلا بالوكالة اليهودية أسلوب المزاوجة بين دبلوماسية الصديق وسياسة التنفيذ والمراوغة في حدود مقدرته ضمن الظروف العربية والفلسطينية أنذاك ، بدلا من الرفض والمواجهة أو الشفافية في الموقف . فاختط لنفسه وللدولة منذ البداية سياسة خارجية مرنة ومتقلبه في إطار السياسة الغربية العامة في المنطقة والعالم . وقد استمر الملك حسين على تلك السياسة وما زالت قائمة للآن ، باستثناء التطور الحاصل في التسعينيات من القرن الفائت نتيجة انتهاء القطبية الثنائية . لأن تلك المحددات الأجنبية التي تحدثنا عنها وهذا الإستهداف المشروط تم توارثه وما زال قائما لحين استكمال المخطط البريطاني الصهيوني الذي تخضع وتيرته وتفاصيله للظروف السياسية على أرض الإقليم والمنطقه.
وفهمي أن هذه السياسة الخارجية الأردنية تقوم على تحقيق هدفين رئيسين متلازمين من واقع التحدي الذي تفرضه المحددات الثلاثة . وإن مستلزمات ومتطلبات تحقيق هذين الهدفين خارج الأردن وداخله تصبح أيضا أهدافا للقيادة ولكن في خدمة الهدفين الرئيسيين كما سيلي معنا . وهذان الهدفان الرئيسيان المقصودان والتاليان زائدا المحددات الثلاثة التي تكلمنها عنها يحتمان وجود سلطة مطلقة للملك يمسك بواسطتها زمام الأمور الخارجية والداخلية للدولة دون شريك ودون أي مركز قوة في الداخل وهو ما يعني ضرورة غياب الديمقراطية والمؤسسية كنهج استراتيجي . ويتطلب بالضرورة دستورا يضمن عدم الفصل بين السلطات الثلاث وغياب استقلالية أي سلطة ليبقى الملك مالكها وحده . ولا يحتمل الأمر في هذا أي إخلال بذلك من خلال أي تعديل دستوري يتيح على سبيل المثال هامشا من الحرية والإستقلالية للحكومات أو للقضاء أو دور فعلي لمجلس النواب . وبمعنى الحفاظ على نظام أبوي لا يحتمل غير قانون الأب الشيخ والمرجع .
أما هدفا السياسية الخارجية الأردنية الرئيسين التي بلورتهما القيادة الهاشمية لنفسها وللدولة في إطار المحددات الغربية ومحظوراتها فهما :

الهدف الرئيسي الأول للسياسة الخارجية الأردنية وطبيعته
يتمثل هذا الهدف بالحفاظ على بقاء القيادة االهاشمية في السلطة على رأس الدولة وعدم إعطاء ذريعه للغرب للتخلي عنها أو لتبديلها بصرف النظر عن ماهية هذه الدولة وطبيعتها وبصرف النظر عن إمكانية بروز وفرض الكيان الفلسطيني وادماجه في مرحلة لاحقه . وكذلك تنفيذ كل الشروط والمستلزمات والمتطلبات الداخلية والخارجية اللازمة لتحقيق هذا الهدف ، وذلك كأهداف مساعده ، كما سيلي معنا .

الهدف الرئيسي الثاني: للسياسة الخارجية الأردنيه وطبيعته
يتمثل هذا الهدف في السعي الدؤوب الذي لا يتوقف خارجيا كأولوية قصوى حتى امتد وتغول داخليا دون توقف أيضاً ، لتأمين المال الكافي للقيادة الهاشمية ، ولتغطية احتياجاتها المتزايدة ، الخاصة منها والأخرى اللازمة لتنفيذ سياساتها الداخلية وامتداداتها ومتطلبات تحقيقها بما فيه تمويل سياسة الإرضاءات على الصعيدين المدني والعسكري ، هذا من جهة . ومن جهة أخرى ، لتأمين الاحتياجات المالية الأساسية للدولة وأجهزتها المدنية وتطورها وديمومتها وتأمين احتياجات وخدمات سكانها الأساسية لتأمين القبول والإستقرار الداخلي ، ولتطوير الأجهزة العسكرية والأمنية للحفاظ على وجود وترسيخ النظام وسلطته المطلقه . وذلك في ظل فقر الدولة والحصار المالي المفروض على الأردن ونظامه من التحالف الأمريكي الصهيوني ، وكذلك العربي .
وهنا يجب أن لا يفسر اعتماد مثل تلك الأهداف التي أتصورها ،على أنها أهداف شاذة أو غير طبيعية عند القيادة الهاشمية والساسة وبني البشر ككل . ذلك أن المصلحة الشخصية أوالدافع الشخصي او العائلي للإنسان بحكم الفطرة وطبيعته والجبله التي خلق بها مقدم عنده على ما سواه وهو سيمارس هذه الطبيعه وهذا السلوك مهما كانت الموانع الأدبية أو الدينية ما لم يكن سلوكه العام مقيدا بسد الثغرات دستوريا وبالقانون المهيمن على الجميع وبالمأسسه الراسخه في جو ديمقراطي حقيقي وعلى النمط الغربي والإسرائيلي يمثل الدولة المدنية الحديثة . ليحميه هذا النهج الحضاري من نفسه ويحمي الوطن والشعب وحقوقهم ومصالحهم منه ، وهو الأمر الذي نفتقده في الاردن والدول العربية لأسباب ليس عدونا وسياسته الخارجية بعيدا عنها . ونحن هنا لا نتكلم عن الانسان النبي أو القديسين ولا الإنسان المثالي ولا عن شواذ يسميهم البعض يؤكد سلوكهم السوي إن وجدوا صحة القاعده . كما أننا نتكلم بصرف النظر عن مفهومي الخيانة والوطنية . وأنا على يقين بأن أي حاكم عربي لديه من ثقافة موروثات الأخلاق والوطنية وحب الوطن ما يفوق وطنية أي رئيس أجنبي ، لكن الأخير يعيش في دولة مدنية بمفهومها الحديث ومقيد في قراراته وسلوكه السياسي والإداري وموجه تماما بحكم الدستور والمؤسسية والنظام الديمقراطي .

مستلزما ت ومتطلبات تحقيق هدفي السياسة الخارجية الأردنية
كأهداف بخدمة الهدفين الرئيسين



إن تحقيق الهدف الأول لمتمثل في الحفاظ على بقاء القيادة الهاشمية في السلطه ، يتطلب من النظام وبالضرورة أن يؤمن مستلزمات ثلاثة على الصعيدين الخارجي والداخلي . وتحقيق أي مستلزم منها يفرض على النظام أن يقوم بتأمين متطلباته على كلا الصعيدين وهذه المستلزمات مع متطلبات تحقيقها تصبح بحد ذاتها أهدافا إضافية في خدمة الهدف الرئيسي وهي كالتالي :

مستلزمات ومتطلبات تحقيق الهدف الأول على الصعيدين الخارجي والداخلي

المستلزم الأول ومتطلباته على الصعيد الخارجي:
يتمثل هذا المستلزم بسعي القيادة الهاشمية المستمر كهدف حيوي لاقناع الغرب وزعامته الممثله اليوم بالولايات المتحدة بوجود مبررات حيوية لهم ولحليفتهم اسرائيل باستمرار وجود هذه القيادة على رأس الدولة . واستمرار تحسين صورة النظام بأعين الدول الغربية بشكل عام لكسب رضاها والإبتعاد عما يغضبها أو يغضب إسرائيل الحليف الإستراتيجي لها . إلى جانب نجاح طريقة حكم الملك وقدرته على اكتساب القبول العشائري والشعبي اللازم واستيعاب التناقضات الداخلية الناشئة والتي ستنشأ . وهنا يجب ملاحظة أن القيادة الهاشمية كانت أحيانا تتلكأ في تنفيذ بعض طلبات الغرب أو زعامته من تلك التي تعتبرها أي القيادة تجاوزا لخطوط حمر من حيث تأثيرها على وجودها أو على قبولها عربيا ومحليا ، أو لأسباب ترى في الإعتذار معها مصلحة لها . وهذا ما كان نادرا يحصل على سبيل الحصر قبل تطور السياسة الخارجية الأردنية في بداية التسعينميات ، ومن هذا فقد استطاع الملك حسين مؤخرا أن يفعل الكثير من ذلك بعد أن استطاع أن يفرض نفسه صديقا للغرب لا عميلا بفعل شخصيته وشعوره بمركزه الدولي الكبير وتماسك الجبهة الداخلية معه ومن ذلك موقفه من أزمة عراق صدام حسين مع الغرب .
إن مستلزم عدم إغضاب الغرب والحرص على كسب رضاه هذا ابتدأ أولوية وبقي وما زال حتى لو طال التجريح بالعائلة الهاشمية نفسها . ومثال ذلك فإني لم أجد أدنى مبرر للقيادة الهاشمية بمحاباة مؤلف كتاب أسد الأردن البريطاني اليهودي أفي شلايم وعدم منع الكتاب في الأردن أو الرد على ما جاء به من أقسى العبارات والاتهامات الشخصية والسياسية للهاشميين والطعن في نواياهم وفي الثورة العربية الكبرى سوى مبرر عدم اغضاب الغرب بذريعة حرية الكتابه والتعبير . وربما أن القيادة اعتمدت بهذا على غياب ثقافة القراءة عند شعبنا. وقد سبق وترجمت ملخصا لما جاء به من اتهامات وأفكار جهنمية وهادفه لتشويه صورة العائلة الهاشمية لا كُرهاً بها بل تمهيدا لتسويق فكرة الوطن البديل في المحصلة النهائية . انه كتاب يخاطب كل أردني وكل فلسطيني ويقول له لا تثق بهذه العائلة ولا تأسف على رحيلها إن رُحّلتْ ، فلم تعمل ولم تكن يوما تعمل لصالحك وصالح وطنك . وقد أرسلتة هذا الملخص للديوان والرئاسة والمخابرات لا بصفتي الشخصية بل بصفتي مديرا لمؤسسة بيت الأردن للدراسات والأبحاث . وعندما لم أشعر بأي تجاوب أو رد فقد تبلور في ذهني عندها ما تمخض عن إصدار كتابي (الشمس فوق الأردن الوطن البديل والواقع المر) وكان في ذهني حينها أن كتابا لي بعنوان المشهد الأردني قد منع سابقا من دائرة المطبوعات لغياب الحس السياسي فيها والمزايده والجهل الطبيعي بالسياسة الخارجية الأردنية . واضطررت لطباعته في بيروت رغم أنه يحمل نقدا بناء ولا يحمل تجريحا أو إساءة لأي كان .

أما متطلبات تحقيق هذا المستلزم/ فتبدأ بالضرورة بتحالف النظام إستراتيجيا مع الغرب بسياساته في المنطقه والعالم وهذا التحالف يكون بالضرورة من طرف واحد كما هو عليه الحال . فالأردن يعطي كل ما يطلب منه عمليا على الأرض أو معلوماتيا سياسيا وعسكريا وأمنيا على الأرض الأردنية وفي أنحاء العالم ، ويقدم ما يفترض به تقديمه أو يتحسس ضرورته لمصلحة الغرب على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية دون طلب ، وبما ينعكس سلبا على قضايانا الوطنية والقومية وبالمجان . وكما أن القيادة الهاشمية قد ابتدأت في بداية الإمارة باستغلال مبادئ الدين الإسلامي السمحة اتجاه الأديان لتسهيل هجرة اليهود لفلسطين كما جاء بوثائق كتاب Taking Side الى Stephen Green وبكتاب أفي شلايم - أسد الأردن - الذي يقول ما نصه في الصفحة 9 ... كان الشريف حسين يكن احتراما كبيرا لليهود كأهل كتاب ولم يكن معارضا الى توطينهم في فلسطين بل كان يرحب بذلك على أسس دينية وانسانية . فإنها - أي القيادة - قد انتهت في فترة الملك حسين إلى مواجهة الأحزاب القومية والإشتراكية المناوئة للغرب وللمشروع الصهيوني وأصبح الإنتماء لحزب ما غير حزب الإخوان جريمة سياسية . وكما يتحسس النظام ما يرضي الغرب من اجراءات إدارية واجتماعية وسياسيه داخلية حتى لو لم تكن منطقية وتدخل في صميم السلطان الداخلي وأمتنع عن الأمثله هنا حتى لا تفسر على غير مقصدها من جهات اردنية أكن لها الاحترام .
ان الأردن في هذا لا يأخذ مقابلا سياسيا أو ماديا من الغرب مما يحتاجه سوى الرضا على النظام مع قليل من المساعدات باعتباره يقوم بواجبه وبأن الثمن هو وجوده ، وكأنه لا حول له ولا طول. فأمريكا على سبيل المثال هي التي تقرر تبعا لمصلحتها ما تبلغ به النظام من معلومات أو سياسات وما تحجبه عنه حتى لوكانت تخصه أو حيوية له أو للدولة الاردنية، كمحادثات أوسلو على سبيل المثال التي أخفتها عنه. وهي أيضا التي تقرر إشراكه أو عدم إشراكه في المسار التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي وحجم ونوعية المشاركه رغم مصلحة الأردن بل ارتباطها بكل قضايا التسوية النهائيه كالقدس واللاجئين والحدود والمياه والأمن ، لأن التحالف القائم هو من طرف واحد .

وبالضرورة فإن هذا المستلزم يتطلب أيضا بل يفرض على النظام الاحتفاظ بعلاقات تعاون وتنسيق مع إسرائيل وتفهم احتياجاتها من باب انساني( )، والتعاطي المرن مع متطلباتها وسياسياتها في المنطقة لا سيما الأمنية مع المراوغة التي تقوم على البدائل في تمرير السياسات من تلك التي تفوق قدرة النظام على تحقيقها أو تشكل له خطا أحمر.
ولا شك أن انخراط القيادة الهاشمية في مفاوضات ترقى إلى العلنية مع الوكالة اليهودية مع بداية إنشاء الدولة ومن ثم انخراطها لعشرات السنين في مفاوضات سرية مع الإسرائيليين بعد حرب عام 67 مع بروز المقاومة الفلسطينية والشخصية الفلسطينية السياسية كان في سياق هذه الغاية بعد اهتزازها. ويقول الأرشيف البريطاني ما نصه كما جاء في الصفحة 36 37 من كتاب أسد الأردن الى أفي شلايم ما نصه أقام عبدالله وعائلته خلال الحرب العالمية تحالفا مع بريطانيا وبعدها طور علاقة مع القوة المتصاعدة اقتصاديا وسياسيا في المنطقه وهي الحركة الصهيونية .... انتهى . كما جاء في الصفحة 110 ما نصه ...وفي هذه المرحلة المبكره كان ممكنا اكتشاف بداية تفهم الملك حسين بأن اسرائيل إما ان تكون التهديد الأكبر أو الحليف الأكبر ....فقد كان لدى الملك عبدالله تفهما أو تفاهما مع إسرائيل مبنيا على المصالح المشتركة وكانت علاقته السياسية مع إسرائيل حميمة وأكبر من أي علاقة له مع مع أي حاكم عربي انتهى.
وقد استمر تعزيز هذا التحالف كلما اهتز وتوج ذلك بمعاهدة وادي عربة حيث جاء في الصفحة 546 من كتاب أفي شلايم ما نصه لقد خدمت معاهدة السلام مصالح عائلة الملك حسين حين أعادت التحالف مع القوة العظمى ونشطت التفاهم الاستراتيجي مع -الاسرائيليين ....وببساطه وقع الملك معاهدة السلام لا لكي يعيد الأراضي ومصادر المياه بل لحماية مملكته انتهى . كما جاء في هذا السياق بكتاب أفي شلايم ما نصه في الصفحة 529 تم التوصل الى بضعة تفاهمات غير رسمية في اطار اتفاقية السلام ومنها أن على اسرائيل ان تزود الأردن بمظلة عسكرية وأن تدافع عنه في حالة التعرض لهجوم من طرف ثالث ) انتهى .

المستلزم الثاني لبقاء القيادة الهاشمية في السلطة ومتطلباته:
وهو على الصعيد الداخلي ويشمل الساحتين العسكرية والمدنية .


أما على الساحة العسكرية فيتمثل في تأمين جيش وأمن موالين للملك إلى الدرجة التي ترتبط فيها مصالح أفرادهما الحيوية وبقاؤهم المادي والمعنوي والإعتباري مع بقاء النظام مهما كانت طبيعة سياسته وهدفها . ويكون الملك على رأس القيادة يحدد لهم المهمات والمخصصات والمكتسبات كما يحدد لهم العدو والصديق وهذا الشرط هو أيضا من متطلبات االتحالف الغربي الصهيوني كما هو من متطلبات الملك . وقد اقتضى هذا الأمر في المرحلة المبكره أن يشرف البريطانيون على تأسيس الجيش كضرورة مرحلية مشتركه بين النظام وبريطانيا وأن يكون تأسيسه على أسس انتقائية ومن شرائح اجتماعية وثقافية ومناطقية معينه في شرق الأردن مع إدخال ما أمكن من المكون الفلسطيني، يصار إلى تفصيلها وتثقيفها برغبات المستعمر في غياب الوعي السياسي وتحت وطأة الفقر والحاجة . وللأسف فقد ذهب كلوب مُدخل الكوفية وخرجت بريطانيا واستمرت أو كرست هذه السياسة الانتقائية الاستعمارية في الجيش على مستوى القيادات والمراكز الحساسة دون أي مبرر لها بما فيها من تأثيرات سلبيه على الوطن ومبدأ المواطنه واللحمه الوطنية بل وعلى الانتماء ، حيث استمرت النظرة الجهوية التفريقية في هيكلة وتركيبة قيادات الجيش والأمن ووزارة الداخليه والديوان الملكي لليوم في مشهد غير وطني إطلاقا بمعرفة الملك الذي وبالتأكيد لا يطيب له ذلك ولكنه قلما يتدخل في مجرى سائر بهدوء لا يصيبه مباشرة بصرف النظر عن مصبه. والتغيير الأساسي الوحيد الذي طرأ على صعيد الجيش هو توسيعه أفقيا وعموديا في فترة انتهت فيها الحروب في المنطقة وحلت بدلها اتفاقيات السلام مع اسرائيل ، وليشمل هذا الجيش افقيا كل أو معظم المناطق والعائلات الأردنية ويكون بمثابة حزب الملك المسلح المنخرط في علاقة منفعية متبادلة معه . ولا شك بأن ذلك قد زاد من الأعباء المالية ومن الطلب على المال باعتبار الجيش والأمن هما المؤسستان الحاميتان محليا للنظام الهاشمي والضامنتان لتنفيذ السياستين الخارجية والداخلية ، وإن الإغداق المستمر عليهما وعلى تسليحهما هو بالتأكيد أمر حيوي .

المستلزم الثاني ومتطلباته على الصعيد المدني :
يتمثل هذا المستلزم في تأمين التفاف وولاء غالبية الأردنيين والفلسطينيين الأردنيين المستمر لشخص الملك وضمان حرصهم وقناعتهم الشخصية بضرورة وجوده على رأس السلطة بِجعل ذلك مصلحة شخصية حيوية لهم . بحيث يكون ذلك عندهم فوق كل اعتبار سياسي أو غير سياسي يتعلق بالملك وسياسته . وهو ما تطلب بداية تذويب هوية الاردنيين( الشرق أردنيين ) بهوية الملك كأولوية على ربط فلسطيني الأردن بهويته كونهم سكان ألأرض ألأصليين وتبلورت قوتهم في مؤسسات الجيش والأمن . وربط مصالحهم ومصيرهم بمصيره ومستقبلهم بمستقبله ومقاومة أية خطوة من شأنها أن تؤدي إلى إبراز الهوية السياسية الأردنية المستقلة بذاتها أو عن هوية الملك .
وكذلك الحرص على عدم تبلور هوية سياسية فلسطينية منفصلة عن هوية الملك على الأرض الأردنية ولا ولاء لغيره . ومنع بروز مراكز قوة أو زعامات سياسية أردنية أو فلسطينية موازيه داخل الأردن من خلال حزب أو تجمع وأن لا يكون لها أي قيادة ظل اجتماعية أو سياسية وأن يبقى ولاؤها للنظام فقط . ومن هنا فكما هو من المحظورات أن تتشكل أو تتبلور زعامات أردنية وولاءات لها ، فإنه من المحظورات أيضا أن تتشكل ولاءات لزعامات فلسطينية على أرض الأردن أو أن يتكلم شخص أو منظة باسم الفلسطينيين الأردنيين بمعزل عن النظام . وقد كانت كل مظاهر ومتطلبات اختزال الهويتين الفلسطينية والأردنية المستقلتين اللتين تحدثنا عنها في المحدد الثاني للسياسة الخارجية مواتية للقيادة الهاشمية وتخدمها بنفس الإتجاه ولكن ليس لمجرد الدمج كهدف استعماري بل لربط هوية المكونين بهوية النظام الهاشمي .
ومن هنا جاء تأكيد النظام ايضاً على العشائرية بهوياتها المتنافسة بشكل لا يخلو من الإنتقائية وتعزيز وجودها ماليا وخدماتيا ومعنويا بأنظمة وتعليمات ومكارم لا يعرف المواطن مصدرها ولا بندها في موازنة الدولة ولا السند القانوني لصرفها . وكذلك التدخل في صنع زعامات هذه العشائر وفي تبديلها والتلاعب في بنيتها وبحيث لا تكتسب قوتها أو شرعية مشيختها إلا من دعم النظام . مع الحرص على عدم تسييسها إلا بسياسة الملك .
وهنا فإن الأردنيين أو الشرق أردنيين من واقع عدم تنظيمهم وانعدام هويتهم الوطنية السياسية المستقلة بذاتها من ناحيه والمستقلة عن هوية الملك من ناحية ثانية ، وتغليب انتمائهم للنظام الملكي على انتمائهم للأردن ولعشائرهم نفسها ، لا يريدون من واقع ثقافتهم الموروثة والمكتسبة ووضعهم المعيشسي المتكئ على الوظيفة العامة أن يتفهموا بأن تحالف النظام هذا معهم والذي تكلمنا عنه في المحدد الثاني قد فهم على غير محمله وأنه مُسبباً مرحليا وخال من أي بعد استراتيجي ومن أية مصلحة يعتقدونها ، ولم يدركوا للأن أن عليهم أن يواجهوا التحدي ويؤخروا أولوية الهويات الفرعية المتناقضة أو المتنافسة على هويتهم الوطنية الجامعه ، وأن يبلوروا هوية اجتماعية سياسية واحده خاصة بهم ومنفصله عن شخص الملك يجدون فيها على الأقل أنفسهم اذا ما غاب الملك أو النظام عن الساحة سواء كان هذا الغياب عضويا أو سلطويا
وبالطبع فان إقبال الشعب الأردني على التعليم وانفتاحهم على الإعلام والثقافة العالميتين جعلهم أكثر وعيا وإدراكا للواقع الأردني ولحقوقهم ،لكنهم لن يكونوا قادرين على التغيير الذي لا يتم إلا من خلال تنظيم سياسي وطني توعوي حر ومستقل يسعى لتأمين مصالحهم وحقوقهم وطموحاتهم من خلال دولة القانون الوطنية كبديل عن العشائرية الفئوية، ولكون ذلك من المحذورات عمليا . فيلجأون للاستسلام والتعايش مع الوضع بالإنخراط المباشر في المعادله التي يريدها النظام أو يلجأون للقبيلة والقبلية للحفاظ على مصالحهم المستحقة على الدولة في تهزيء بائن للمؤسسية والقانون المدني .
والمهم المحير هنا أن القيادة الهاشمية مالكة السلطة والسلطات قد سهلت على نفسها هذه المهمة من خلال أسلوب فريد وجوده في العالم الحديث ، وهو إشاعة ثقافة لدى المسئولين ليبقوا في مراكزهم مفادها تصريحهم العلني والمستمر ومع كل خدمة يقدمونها للمواطنين بحكم منصبهم وعملهم ، بأن ما يقدمونه هو بتوجيه من الملك أو مكرمة منه وكأنها ليست حقوقا للمواطنين ولا هي بحكم القانون ، بل وكل عمل خلاق او إداري او خدماتي يقدمه المسؤول بحكم وظيفته ومسؤليته يحُتسب تطبيقاً للرؤى الملكية ،وهو الأمر الذي جعل الأردنيين يفقدون الثقة بالحكومة والقانون والمؤسسة ويتهافتون على أثير الفضائيات في مشهد محزن ومشوه ومخز وهم يستغيثون بشخص الملك ليقدم لهم المعونة والخدمات الأساسية وذلك في إطار سلوك قائم في نظام أبوي أقرب لدولة القبيلة ، يمتلك فيها الشيخ المال والمقدرات ويزوج العزاب ويمنح العيدية للرعية.


أما العشائرية الفلسطينية في الأردن وفي فلسطين فأخذت تتلاشى لصالح الإنتماء لتنظيمات فلسطينية سياسية سائدة وقوية تتبنى قضية مستهم جميعا ووحدتهم نفسيا وسياسيا أمام تحد مشترك بهوية واحدة . ولذلك نرى فلسطيني الأردن قد انسحبوا من الحياة السياسية الأردنية إلا القلة من خلال بعض الأحزاب لأسباب خاصة ولم يعد من اهتماماتهم مناكفة سياسة القيادة الهاشمية بدواعي سابقة مرتبطة بتطورات القضية الفلسطينية ، بل أصبحوا حريصين على عدم إغضابها . وإن الفارق بين الحالتين الأردنية والفلسطينية هو أن الفلسطينيين الذين تخطوا العشائرية بحكم قضيتهم الجامعه وتنظيماتهم السياسية ، ناضلوا مبكرا على كل الأقاليم المتواجدين فيها لإبراز هويتهم الفلسطينية الوطنية المستقلة عن الأردنيين وعن الملك . حيث تمكنوا من تأسيس منظمة التحرير وطالبوا الملك بالاعتراف بها كممثل وحيد للفلسطينيين ، وقبل الملك بذلك تحت وطأة الضغط العربي الرسمي ، ولكنه أبقى الحالة على ما هي عمليا وقانونيا .
ومن واقع فشل القيادة الهاشمية في دمج أو إعادة دمج المكون الفلسطيني مع المكون لأردني من حيث مفردات الإنخراط في أجهزة الدولة الذي تحدثنا عنه من خلال المحدد الثاني للسياسة الخارجية ، فإننا نرى هذه القيادة تحاول قد استطاعتها التعويض عن هذا الفشل بمجرد التصريحات لإرضاء الفلسطينيين الأردنيين وإشعارهم بمواطنيتهم الأردنية . وأفترض بأن هناك تصميما لدى القيادة على إعادة هذا الدمج من خلال اختراق المكون الأردني الرافض وذلك بالإعتماد على نخب أردنية منتقاة ومستعدة لهذه المهمة واستبعاد النخب الفلسطينية المهتمة بالهوية الفلسطينية السياسية والتي لا تفكر إلا بتنفيذ الرغبة الملكية مهما كانت وفي أي اتجاه كان .


المستلزم الثالث : منع تبلور تنظيمات بديله
يتمثل هذا في سعي القيادة الدؤوب لإعاقة ومقاومة ومنع أية بوادر أو مهيئات لتجمع سياسي أو عسكري أو اجتماعي ديني قد يؤدي الى بلورة تنظيم سياسي ناضج وقادر على استقطاب الناس وعلى مقومات وخبرات القدرة على الحكم كبديل عن النظام القائم على الأرض الأردنية . وسواء كان هذا التنظيم متفق مع السياسة الغربية أو معارض لها وسواء كان مواليا للملك أم معارضا لها فالأمر سيان ومحظور عملياً لا نظرياً وكيفما جرى تقنينه . وإذا ما قام مثل هذا الحزب أو التجمع يتم اختراقه في من أجهزة الدولة. وبحيث يفهم من في الخارج ومن في الداخل بأن البديل عن النظام القائم هو الفراغ والعجز والفوضى السياسية والأمنية وقطع ابواب الرزق . وبالطبع فان متطلبات تحقيق هذا المستلزم هي نفسها متطلبات المستلزمين الأولين معا ويحتم أيضا وجود سلطة مطلقة للملك دون شريك ودون أي مركز قوة وهو ما يعني ضرورة غياب الديمقراطية والمؤسسية وتدجين الأحزاب القائنة ومعالجة أمر الذي لا يدجن منها لتبقى ديكورا ديمقراطيا ، والغرب يفهم ذلك ويتفهمه .
إنه مستلزم يتفق أو لا يتعارض أو لا يعيق الهدف الصهيوني المتنفذ والمتوقع تبلوره وتحقيق شروطه وموافقة الغرب عليه في المحصله ، والمتطلع وأعني الغرب الصهيوني إلى صياغة نظام جديد يقوم مبدئيا على إدماج اللاجئين والمكونين الأردني الفلسطيني في الأردن يشرف عليه بنفسه في سياق طوي ملف القضية الفلسطينية على الساحة الأردنية الفلسطينية .وهذا النظام الجديد ليس بالضرورة أن يستثني وجود القيادة الهاشمية بل يستثني بالضرورة سلطتها المطلقه لصالح ديمقراطية الصناديق لجميع المواطنين في إطار تعديلات دستورية تهئ لشكل من أشكال الديمراطية الغربية .

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
12-08-2014 12:28 PM

تشخيص دقيق و علمي يستحق التقدير و الثناء لمراحل من التاريخ السياسي الأردني ووصف يكاد يكون دقيقاً لآلية عمل النظام السياسي في الأردن غاب فيه الدور الفاعل للعامل الوطني الأردني حيث إستكان شخوصه و أنطووا على أنفسهم خوفاً من المغامرة الغير مضمونة النتائج .
و لكنني أضع بين يدي الأخ العزيز فؤاد البطاينة و المهتمين أدوار اللاعبين الجدد على الساحة الأقليمية و العربية الذين حجّموا و قيّدوا أهمية و تأثير و سيطرة من يمسكون بزمام المبادرة و من بيدهم مقاليد الأمور في الحياة السياسية الأردنية و في الأقليم إلى حد كبير :
ما يسمّى بالربيع العربي ؛ سرعة نشر المعلومة الجريئة المنتقدة وبدون رقابة في مواقع التواصل الأجتماعي ؛ تفوق حماس النوعي عسكرياً و إنتكاسة السلطة الفلسطينية وعدم الثقة بها ؛ ظهور التنظيمات الأسلامية داعش و النصرة و غيرها ؛ إهتزاز عروش النفط داخليا و خارجيا ؛ تكاثر فئة الشباب والتململ الأجتماعي لحد التمرد ؛ رسوخ فكرة الأستشهاد عند الشباب المسلم ؛ الوعي و الفهم المتنامي في الغرب لدى أوساط الساسة و المثقفين لما تعانيه شعوب الشرق العربي من تعسف و ظلم و فقر و فساد و إجرام صهيوني ؛ الأقتتال العربي العربي و صعوبة التنبؤ بنتائجه و مخرجاته ؛ إنتكاسة إسرائيل سياسيا و عسكريا ؛ إنهيار الأقتصاد الأمريكي ؛ بروز قيادة سياسية تركية مؤثرة في الأقليم ؛و أخيراً صمت إيران و إنحسار مناوراتها على الساحة

2) تعليق بواسطة :
14-08-2014 12:13 AM

اقدر معلق قادر على مناقشة الموضوع اعلاه والكتاب ككل, هو اخونا المغترب.
نتمنا ان يطرح رايه في ماسبق

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012