رد الفضل والمعرف والإحسان إلى أهله وحفظه لهم. إن هذا الأدب العظيم هو مما تعارف عليه الأولون والآخرون ، ولا يكون هذا المبدأ الإسلامي والأدب العظيم عند منْ أغفل التأمل في حقيقة رسالة الإسلام .
إن الوازع الديني ، والباعث الأخلاقي المبني على امتثال شرائع الإسلام عندما يضعف عند المسلم فإن كثيرا من المبادئ الأخلاقية ستضعف حينها وهذه علاقة مطردة .
موضوع رد الفضل لأهله ، وحفظ المعروف ، وصيانة الجميل لمن فعله ، موضوع تدعوا الحاجة لطرحه في هذا الزمان ، و إن ما ألمسه عند بعض من الناس من غياب هذا الأدب العظيم ، نتيجة للعلاقات النفعية التي انتشرت عند بعض الناس ، وكما في المثل العامي :
" اقطع لي وامسك لك ".
الله سبحان وتعالى أرشدنا لهذا الأدب العظيم في كتابه ، في معرض سياقه لآيات الربوبية التي يسدل بها على توحيد العبادة ( الألوهية ) ، مقرراً أفضاله على الناس لكي يقابلوا هذا التفضٌّل منه سبحانه بحفظ ذلك الفضل والمعروف ،ومقالة المُنْعِم بالشكر ، وذلك بعبادته وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دونه ، وبالاستقامة على دينه ، وتحكيم شرعه .
و الآيات في هذا المجال لا يمكن حصرها في هذا المقام ولكن " حسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق " .
قال الله تعالى : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21) الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فـلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون (22) } البقرة .
ففي هذه الآية يأمر الله عباده بتوحيده ، لأنه : هو الذي خلقهم ورزقهم ولأن من جعل الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل المطر وأخرج به النبات وغيرها من أفعال الربوبية لمستحق لأن يوحَّد في العبادة .ولأن من تفضل بهذه الفضائل دون أحد سواه مستحق لأن يقابل بالشكر على تفضله وذلك بالاستقامة على شرعه.
والله سبحانه وتعالى يذكِّر بني إسرائيل بتفضله عليهم ؛ داعياً لهم إلى شكره وذلك بتوحيده والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم شكرا على هذا التفضل والإنعام منه سبحان فقال : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين } 47 البقرة .
ومن أوضح الآيات قوله تعالى : { وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار } 34 إبراهيم
ففيما سبق تقرير من الله لعباده بتفضله عليهم وأنه من الظلم كفران النعمة وجحد الفضل ، ومن أعظم كفران النعم أن يُنْعِمَ ويُشكر غيره ، ويتفضّل و يُجحد فضله بالتعلق بغيره .
" إن الشرك لظلم عظيم "[1]. وقال: " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم "[2]. وقال " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون "[3]. وقال: " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون "[4].
وقال رسول الله (ص): " إن أهون الخلق على الله، من ولي أمر المسلمين فلم يعدل لهم ". وقال (ص): " جور ساعة في حكم، أشد واعظم عند الله من معاصي تسعين سنة ". وقال (ص): " اتقوا الظلم، فانه ظلمات يوم القيامة " وقال (ص): " من خاف القصاص، كف عن ظلم الناس " وروى: " أنه تعالى أوحى إلى داود: قل للظالمين لا تذكروني، فان حقاً علي أن اذكر من ذكرني، وإن ذكري إياهم أن العنهم ". وقال علي ابن الحسين ـ عليهما السلام ـ لابنه أبي جعفر (ع) حين حضرته الوفاة: " يا بني، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله ". وقال أبو جعفر (ع): " ما من أحد يظلم بمظلمة إلا أخذه الله تعالى بها في نفسه أو ماله ". وقال رجل له (ع): " إني كنت من الولاة، فهل لي من توبة؟ فقال: لا! حتى تؤدي إلى كل ذي حق حقه ". وقال (ع): " الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله تعالى، وظلم لا يغفره الله تعالى، وظلم لا يدعه الله. فاما الظلم الذي لا يغفره الله عز وجل فالشرك، وأما الظلم الذي يغفره الله عز وجل فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله عز وجل، وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد " وقال الصادق (ع) في قوله تعالى:
" إن ربك لبالمرصاد "[5].
" قنطرة على الصراط، لا يجوزا عبد بمظلمة ". وقال (ع) " ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إلا الله تعالى " وقال: " من أكل مال أخيه ظلماً، ولم يرده إليه، أكل جذوة من النار يوم القيامة ". وقال (ع): " إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين: أن ائت هذا الجبار، فقل له: إني لم استعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال، وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين، فاني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً " وقال (ع): " أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم اكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم... ثم قال: " من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به، أما إنه يحصد ابن آدم ما يزرع. وليس يحصد أحد من المر حلواً، ولا من الحلو مراً ". وقال (ع): " من ظلم، سلط الله عليه من يظلمه، أو على عقبه أو على عقب عقبه " قال الراوي: " قلت هو يظلم، فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه؟! قال: فان الله تعالى يقول:
" وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً "[6].
والظاهر أن مؤاخذة الأولاد بظلم آبائهم انما هو في الأولاد الذين كانوا راضين بفعل آبائهم، أو وصل إليهم اثر ظلمهم، أي انتقل إليهم منهم بعض أموال المظلومين. وقال بعض العلماء: الوجه في ذلك: أن الدنيا دار مكافأة وانتقام، وان كان بعض ذلك مما يؤخر إلى الآخرة، وفائدة ذلك اما بالنسبة إلى الظالم فانه يردعه عن الظلم إذا سمع، وأما بالنسبة إلى المظلوم فانه يستبشر بنيل الانتقام في الدنيا مع نيله ثواب الظلم الواقع عليه في الآخرة، فانه ما ظفر أحد بخير مما ظفر به المظلوم، لأنه يأخذ من دين الظالم اكثر مما أخذ الظالم من ماله، كما تقدم. وهذا مما يصحح الانتقام من عقب الظلم أو عقب عقبه، فانه وإن كان في صورة الظلم، لأنه انتقام من غير اهله، مع أنه لا تزر وازرة وزر اخرى، إلا أنه نعمة من الله عليه في المعنى من جهة ثوابه في الدارين، فان ثواب المظلوم في الآخرة اكثر مما جرى عليه من الظلم في الدنيا.
ثم إن معين الظالم، والراضي بفعله، والساعي له في قضاء حوائجه وحصول مقاصده، كالظالم بعينه في الاثم والعقوبة. قال الصادق (ع): " العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم ". وقال (ع): " من عذر ظالماً بظلمه، سلط الله عليه من يظلمه، فان دعا لم يستجب له، ولم يأجره الله على ظلامته ". وقال رسول الله (ص): " شر الناس المثلث؟ "، قيل: وما المثلث قال: " الذي يسعى باخيه إلى السلطان، فيهلك نفسه، ويهلك أخاه، ويهلك السلطان ". وقال (ص): " من مشى مع ظالم فقد أجرم ". وقال (ص): " إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة ومن لاق لهم دواة أو ربط لهم كيسا أو مدهم بمدة قلم؟ فاحشروهم معهم ".
سبحان الله سيماهم في وجوههم
يا من قسمت ظهر الاردنيين بضرائبك ........................
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .