03-01-2015 03:26 PM
كل الاردن -
سليمان الحراسيس : يحتفل العالم الاسلامي والعربي بذكرى مولد النبي محمد صلي الله عليه وسلم اليوم السبت ، ويختلف المسلمين في أشكال الاحتفال بإختلاف جماعاتهم ،السلف الصالح والسلفية الجهادية يحرمون الاحتفال بمولد النبي ويهاجمون من يقوم بذلك بحجة أن ذلك 'بدعة' ولم يرد عن الصحابة انهم احتفلوا بذكرى مولد النبي عليه السلام، أما الصوفية فيتداعون الى مجالس الذكر يكثر التكبير وترديد الصلاة على النبي لساعات وبعد ذلك يقومون بدعوة فقراء مجتمعاتهم لتناول الغداء.
ما دعى صحيفة 'كل الاردن' لكتابة تقرير اخباري حول جواز الاحتفال بذكرى المولد النبوي هو رصد 'نقاشات حادة' بين الاردنيين بجواز الاحتفال ام لا ، وورود اتصالات للصحيفة بخصوص ذلك .
صحيفة 'كل الاردن' وجهت سؤال لفضيلة الشيخ د. شرف القضاة من دائرة الافتاء الاردنية وكانت اجابة فضيلة الدكتور كالاتي ..
هل الاحتفال بالمولد النبوي بدعة؟
تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام في ظلال ذكرى المولد النبوي الشريف، على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد شاع بين الناس في عصرنا أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة وضلالة، ولا أدعي أنني سأنهي الخلاف في المسألة، ولكنها إضاءات سريعة لمن يريد أن يعرف ذلك وبخاصة لطلبة العلم، وسأتحدث عن الموضوع من خلال النقاط التالية:
1. لا شك أن المسألة خلافية، ولكن الجمهور على أنها ليست بدعة اصطلاحا، أو هي بدعة حسنة، ويعود ذلك إلى تعريف البدعة اصطلاحا.
2. فقد عرفها الشافعي في القرن الثاني الهجري ووافقه جمهور العلماء قديما وحديثا أنها: ما أُحدث يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا.
وعرفها الشاطبي في القرن الثامن أنها: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية (أي تخالفها).
ويمكن أن نستخلص من التعريفين أنها (التعبد بجديد مخالف للإسلام).
فلا بد أن تجتمع في البدعة اصطلاحا ثلاثة أمور حتى تكون محرمة:
• أولها: أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى، فكل ما يتعلق بالعادات لا يدخل في البدعة.
• ثانيها: أن تكون مما أُحدث بعد العصر النبوي.
• ثالثها: أن تكون مخالفة للإسلام.
فإن فقدت أمرا من هذه الأمور الثلاثة فلا تسمى بدعة اصطلاحا.
علما بأن كل بدعة بهذا المعنى فهي محرمة، وليس كل محرم بدعة.
3. ويمكن الاستدلال على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي بأدلة كثيرة أهمها:
• قال تعالى {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} ولا شك أن يوم مولده ص من أيام الله، فلا يصح تجاهله، بل المطلوب التذكير به.
• قال تعالى على لسان عيسى {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} وقال سبحانه في يحيى {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} أفلا يستحق نبينا صلى الله عليه وسلم السلام عليه يوم مولده؟.
• أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما يليق به مطلوب شرعا، قال تعالى {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ومن تعظيمه تعظيم يوم مولده صلى الله عليه وسلم.• (سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ) فقد كان يعطي هذا اليوم اهتماما خاصا لأنه ولد فيه، وقد كان المسلمون السابقون يصومون الإثنين للأسباب نفسها التي كان يصومه لها النبي صلى الله عليه وسلم، أفيكون الاحتفاء بيوم مولده أسبوعيا مشروعا ولا يكون مرة في السنة مشروعا؟.
• استحباب الشكر في أيام النعم، ففي يوم عاشوراء نجى الله موسى من فرعون، فقال صلى الله عليه وسلم (نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوهُ) .
4. فالاحتفال أو (الاحتفاء) بالمولد غير جديد بل له أصل، وهو غير مخالف في الفكرة، أما الأسلوب فبحسب الأسلوب، فقد يكون مشروعا وقد يكون حراما.
5. أما لماذا لم يكن الصحابة يحتفلون بالمولد كاحتفالنا، فالجواب: أن هذا ليس دليلا على التحريم، فالقاعدة الصحيحة هي: (ما فعلوه فهو مشروع، ولكن ليس كل ما لم يفعلوه فهو حرام) ذلك لأن أساليب الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لا تنحصر بأساليب معينة، ويمكن فيها التجديد، وهذا كأساليب حفظ القرآن، جمعا ونسخا ونقطا وشكلا وتقسيما إلى أجزاء وأحزاب، وكجعل التراويح عشرين، وكأذان الجمعة الثاني، وكتأليف الكتب، وإنشاء الجامعات والجمعيات.
6. وفي استحداث الأمور الجديدة يميز الإسلام بين الحسن والسيء (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) وهكذا يحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على أن نأتي بجديد حسن في الإسلام، فيكون لنا أجرنا وأجر من عمل بذلك، وهذا ما سماه جمهور العلماء (البدعة الحسنة) بمعنى: الجديد الحسن، استنادا إلى هذا الحديث.
7. كما أنه لا بأس من تسمية هذه الذكرى عيدا بالمعنى اللغوي، وليس الاصطلاحي، فكلمة الرب تطلق لغة على من سوى الله تعالى، فنقول: رب الأسرة ولا حرج في ذلك، وقد قال سيدنا يوسف عليه السلام لصاحبه في السجن {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} ولا يخطر في بال أحد أن الرب هنا بالمعنى الاصطلاحي، ومعلوم أن أحدا لا يقصد بكلمة (عيد المولد النبوي) أنه كعيد الفطر أو الأضحى من حيث الأحكام الشرعية، وأن فيه صلاة عيد، ويحرم الصوم فيه، ولذلك لا حرج من تسمية: عيد المولد النبوي.