14-02-2011 05:26 PM
كل الاردن -
تتكشف يوما بعد يوم الظروف والملابسات والمعالجات الخاطئة لطوفان الثورة الشعبية المصرية وكيفية ادارة الازمة منذ اليوم الاول لانطلاق شرارة الثورة .
وفيما يلي القصة الكاملة للايام الثمانية عشرة كما اوردتها صحيفة الاهرام القاهرية :
فجأة اختفت من شوارع القاهرة لأكثر من ثلاثة أسابيع سيارات كالمرسيدس الشبح , وال بي أم في 750 , والهامر الرباعية الدفع.و اختفاء هذه السيارات لا يعبر عن خوف اصحابها من غضب المتظاهرين الذين يطلبون عدالة اجتماعية فقط وإنما عن حالة تفكير النظام الحاكم, وهي نفس الحالة التي كان عليها في إدارة أزمته مع الثورة منذ25 يناير إلي11 فبراير.كان التقرير الذي وصل إلي الرئيس حسني مبارك قبل الثلاثاء25 يناير من اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية السابق يقلل من قيمة المظاهرة وقدرتها وأنهم مجرد شوية عيال يمكن احتواؤهم.. الموقف تحت السيطرة.. ولن توجد ثمة مشكلة.
لم يكن هذا هو رأي بقية أجهزة الدولة, ففي مساء الاثنين رفع احد الوزراء سماعة تليفونه الخاص الواصل إلي رئاسة الجمهورية, واقترح أن يعلن الرئيس تعديلا وزاريا يشمل15 وزيرا علي الأقل, وقال بالنص15 واحد مننا يلبسوا الجلاليب ويقعدوا في البيت, ونحل المشكلة.. كان الرد: بعد ربع ساعة سنرد عليك.. جاء الرد: سيبوا الموضوع لحبيب العادلي..
كان حبيب العادلي قد توحشت سلطاته بدرجة مذهلة, خاصة بعد أن خدعهم بقصة وهمية أنه ضبط 19 متطرفا انتحاريا مجهزين أنفسهم لعمليات جديدة تجري محاكمتهم, بعد القبض علي متهم في جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية والكشف عن التنظيم الذي يقف وراءه.. في الوقت نفسه استطاع أن يجنب شخصية قوية جدا للغاية, ويهمش دورها فانحصر كله في ملفات خارجية..مستغلا أخطاء وخطايا وقع فيها هذا المسؤول ورتبها في ملف خاص عرضه على الرئيس وسوزان وجمال, وهو ما لقي هوي وقبولا من الزوجة والابن الطامح في منصب الرئيس ويريد أن يزيح من أمامه أي منافسة محتملة..
وجرى قصقصة ريش هذا المسؤول على مدى سنوات بعدم التجديد لرجال ذوي ولاء وخبرات خرجوا علي المعاش من مؤسسته بالتدريج.
وأفردت يد حبيب العادلي في التعامل مع مظاهرات25 يناير سياسيا وإعلاميا, فقد أرسل خطابا إلي اتحاد الإذاعة والتليفزيون فيه تعليمات صارمة وأوامر مباشرة بالكيفية التي يجري بها تغطية الأحداث.. ولم يكن يجرؤ احد علي معارضته..
وحدث ما حدث يوم25 يناير.. ونجحت المظاهرات, وبرر حبيب العادلي للرئيس مبارك المفاجأة بأن جماعة الإخوان حشدت شبابها بتعليمات من الخارج رصدت الداخلية بعضها علي أجهزة الموبايل مثل اجعلوا الولادة متأخرة..لا تدعوا الأم واقفة في مكان واحد فالحركة لها مفيدة جدا!
وهذا هو سر قطع الاتصالات المحمولة لمدة يومين والرسائل لمدة تسعة أيام. وهذا النجاح أغضب حبيب العادلي, فتعامل مع جمعة الغضب كما لو أن المظاهرات تحد شخصي له.
لم يستوعب العادلي ما حدث.. فوقع العنف المفرط والقتل ضد شباب أعزل..وفي عصر يوم الجمعة وفي ظل العنف الذي تمارسه قواته ضد المتظاهرين أرسل حبيب العادلي بيانا إلي أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون لإذاعته فورا علي الهواء, لكن المسئولين لم يقدروا علي إذاعته فقد وجدوه مستفزا جدا للناس, فمرروا البيان إلي القصر الجمهوري.. كان البيان يتحدث عن دور الإخوان المسلمين, ويحملهم مسئولية العنف, وأن الشرطة سوف تتعامل بمنتهي القسوة مع المتظاهرين, وأن الشرطة مضطرة للدفاع عن نفسها ضد الاعتداءات المقصودة التي تتعرض لها لإسقاط هيبة الدولة وإشاعة الفوضي.
بعد دقائق من وصول البيان إلي رئاسة الجمهورية, رن تليفون حبيب العادلي الخاص, كان علي الطرف الآخر الرئيس مبارك الذي راح يعنفه ويوبخه ويسبه بألفاظ حادة ونابية..
وأغلق المكالمة وهو يقول له: خلاص حنزل الجيش يساعدك وحيتفاهم مع الناس أكثر منك..
وضع حبيب العادلي السماعة وهو يتمتم: خللي الجيش ينفعك!
كان بجواره عدد من ضباطه ومعاونيه الكبار, ثم أعطي أوامر بإخلاء الأماكن أمام قوات الجيش.. الجيش نزل امشوا أنتم!
مع الإخلاء تحركت مجموعات اقتحام السجون السبعة.. مستعملة أسلوبا واحدا: نيران كثيفة, بلدوزرات لهدم الأسوار, طلقات الـ آر.بي.جي, وفتحت الزنازين بمرزبات قوية..
بالطبع مع وجود خيانة داخلية.. كان الرئيس يظن أن الجيش سيفض الأزمة ويعود الهدوء ومعه ريما إلي عاداتها القديمة..
وانتقلت إدارة الأزمة مع الثورة الشعبية من الداخلية إلي رئاسة الجمهورية.. بالتحديد مع أربعة أشخاص: الرئيس مبارك والسيد عمر سليمان والسيد زكريا عزمي والسيد جمال مبارك وتتابعها عن كثب وتشارك أحيانا السيدة سوزان مبارك.. وكان السيد جمال مبارك الأعلي صوتا وكفة!
وخرج بيان الرئيس الأول وهو يتصور أنه يطمئن الناس علي الأحوال, وكان تقدير الموقف خاطئا للغايةـ فقرر تعديل الوزارة وتعيين نائب للرئيس, لكن بعد أن تجاوزت حركة الثورة الشعبية, هذا النوع من القرارات الترميمية بمسافة واسعة, فلم تتوقف المظاهرات علي عكس التوقعات.. وكانت المظاهرة المليونية يوم الثلاثاء مفاجأة المفاجآت, فالرئيس ومعاونوه تصوروا أن الوزارة انتهت ونائب الرئيس جاء.. فلماذا بقي الناس في الشوارع أذن؟!
لم يفهموا ما كان يجري فعليا.. وكانت التصريحات الرسمية لا ترضي الناس لا في ميدان التحرير ولا في سائر المدن المصرية..
لأن عقلية النظام الحاكم لم تتغير, وتجمدت الصورة الذهنية عند تصورات لا صلة لها بالواقع.. وقريبة من الصورة التي سادت قبل25 يناير.. إنها مظاهرات يمكن السيطرة عليها لو هدأ أوار الفضائيات والشحن المتواصل لها, فالمتظاهرون ثلاثة اقسام, ثلث شباب25 يناير, ثلث من القادمين للفرجة وهم يتظاهرون بالمصادفة, وثلث من الإخوان المسلمين.. وإن الإخوان هم الذين يحكمون عقل ميدان التحرير ويغذون حماسه ويشعلون شرارات النار التي تتطاير منه إلي المدن المصرية الأخري, خاصة تلك التي يوجد فيها الاخوان وجودا ملحوظا مثل الإسكندرية والسويس والمحلة, وأن تلك المظاهرات لا تعبر عن رغبة كل المصريين, فالأحزاب أضعف من إحداث مشكلات في الشارع, والشارع نفسه تحت السيطرة إلا من فئات صغيرة لها مطالب بسيطة, أما بقية المصريين فهم مشغولون بلقمة العيش ومش فاضيين للكلام الفارغ.. وكان جمال مبارك كما قلت هو الصوت الأقوي في الإدارة, وظل كذلك حتي بيان الرئيس مساء الخميس10 فبراير.
وأدار جمال الأزمة بعين علي الحل وعين علي السلطة, ولم يفهم إلا متأخرا جدا أنه لم يعد موجودا في المشهد السياسي.. ولهذا كانت بيانات الرئيس للناس دائما ما تحمل لهم ما لا يريدون سماعه, وتزيد من سخطهم وغضبهم..
وكان اليبان الثاني هو الأقرب إلي وجدان الناس, بعد دغدغة الخطاب مشاعرهم, لأنه تحدث عن الموت علي أرض الوطن, ولاح في الأفق قبول المصريين لفكرة بقاء الرئيس في السلطة. لكن علي نفس الجانب من السلطة فكر أصحاب المصالح الذين استحلبوا مصر ونهبوها في استغلال الموقف الطارئ الجديد, وهم خليط من رجال أعمال ونواب في البرلمان المطعون في شرفه وشرعيته واعضاء في الحزب الوطني, فكروا أن باستطاعتهم أن يقلبوا الموازين, متوهمين أن الشعب سيتخلي عن شبابه, فنظموا مظاهرة ميدان مصطفي محمود لتأييد الرئيس, من عمال شركات رجال أعمال, وعمال من اتحاد العمال, ولاعبي الكرة وفنانين, وبلطجية جلبوا من عدة أحياء شعبية بالقاهرة, مع الجمال والخيول والبغال من نزلة السمان وامتلأ الميدان عن آخره بعشرات الألاف من المؤيديين, وجرت كلمات حماسية غلب عليها التحريض من بعض الشخصيات, إحداها ظهرت في الفضائيات فعلا وهددت وطالبت بإخلاء الميادين بالقوة..
ووقعت فضيحة معركة الجمل الشهيرة..التي لو جري فيها تحقيق نزيه..لتكشفت حقائق كثيرة مفزعة..
ورفعت فضيحة معركة الجمل سقف مطالب الثورة, بعد ان نزعت التعاطف الذي أحدثه بيان الرئيس..
ووقع النظام بأكمله في ورطة مذهلة مثل حفرة عمقها ألف ميل..
وحدث ارتباك هائل في القصر الرئاسي..ارتباك وصل إلي درجة العجز سواء في الفهم أو التعامل..
ووصل القرار إلي التنحي..وكان سيعلن مساء الخميس10 فبراير..
لكن السيد جمال أقنع والده بمحاولة أخيرة, وهي الخروج علي الناس بحزمة اجراءات إصلاحية جيدة, مع نقل الصلاحيات إلي نائب الرئيس السيد عمر سليمان.. وبقي سؤال: ماذا يقول الرئيس في البيان؟!
اقترح بعض المقربين من الرئيس ان يكون البيان ناعما وعاطفيا, لكن كان لجمال مبارك رأي آخر, أدخله علي البيان, فخرج بالشكل الذي أشعل حريقا مرعبا من الغضب في الصدور والعقول.. وفشلت المحاولة.. وجاءت لحظة النهاية.. قرار تكليف القوات المسلحة بعمل الرئيس..
...وهكذا سقط الرئيس ورحل..
(معا)