23-02-2011 06:52 AM
كل الاردن -
الدكتور سهيل الصويص
بضعة أعوام فقط مرت على تأسيس المملكة حين ارتأى الحسين الراحل بنظرته الحضارية السباقة المعهودة أن النهضة الأردنية لن تتحقق دون وجود مؤسسات مهنية عصرية فبدأت النقابات المهنية برؤية النور وكان من أوائلها نقابة الأطباء الأردنيين عام ١٩٥٤.
قرابة ستة عقود تفصلنا اليوم عن أول مجلس نقابي للأطباء وأول قانون لنقابة الأطباء وباستثناء تعديل طفيف أجري على بعض بنود القانون عام ١٩٧٢فإن مهنة الطب الأردنية تحكمها قوانين مضى عليها اليوم أربعون عاماً لم تعد تتناسب إطلاقاً لا مع التقدم الذي شهدته المهنة ولا مع زيادة وعي المرضى ونفوذ وسائل الإعلام ومتطلبات العصر من قوانين ومسؤوليات وواجبات .
تمر الأيام وتتعاقب المجالس النقابية كل سنتين وهناك إجماع غامض على غض الطرف عن حاجة المهنة والأطباء الحيوية لتحديث القوانين الطبية وإطلاق عملية إصلاح شاملة للمهنة .
فمهنة الطب الأردنية تمر بأزمة متعمقة الجذور نخرها على مر السنين غياب الدور الرقابي والتنظيمي لنقابة الأطباء ووزارة الصحة فالفوضى التي تعم المهنة اليوم ترعرعت وتكاثرت باطمئنان مرتكئة على أكتاف الصمت الرسمي غير المبرر الذي أوصلنا اليوم لما نحن عليه من فقدان ثقة مرضانا وفرار المرضى الوافدين .
لكن من نلوم يا ترى سوى الأطباء أنفسهم الذين يتناسوا يوم الاقتراع مشاكلهم بل مصائبهم ويعيدوا اختيار مجالس طبق الأصل عن تلك التي خذلت مراراً بطموحاتهم واَمالهم ؟
إن أخطر ما يجري على الساحة الطبية هو فقدان الأكثرية من الأطباء الأمل في غد أفضل فيقبعوا في بيوتهم يوم الانتخاب وبجهضوا أي تفاؤل بالتغيير مما جعل العمل النقابي الأردني استمرارية لأشخاص تقع على عاتق بعضهم مسؤولية نحر العمل النقابي من خلال تصميمهم على رفض أي نية للإصلاح وإبقاء النقابة دون تطوير .
لقد سئمنا أن يغرقنا البعض بتصريحات حفظناها عن ظهر قلب من قبل مجالس نقابية نصبت نفسها واعظة ومنظرة تجلد الحكومات المتعاقبة بانتقاداتها ومطالبها بالتحديث والتغيير بينما تعيش بدورها في عصور طواها الزمن وقوانينها تتلهف لمن يطورها لتحمي الأطباء والمرضى والمهنة وسمعة الوطن .
لا يمكننا أن نطالب الغير بالإصلاح وننسى أنفسنا ودورنا في النهوض بالعمل النقابي إلى المستوى الذي نطالب الغير به . مهنة الطب الأردنية ينخرها الفساد والتجاوزات العلنية ومجالسنا النقابية تقف في منصة المتفرجين دون حراك . لا يمكن أن يتم اغتيال خمسة عشر ألف طبيب شريف من قبل مائة أو مائتي طبيب تناسوا إنسانية مهنتهم وحوّلوا المريض لمحفظة وحقل تجارب ونقابتهم تلتزم الصمت . لا يمكن أن يبقى تقاعد الطبيب ١٨٠أو ٣٠٠دينار بعد ثلاثين سنة من الخدمة ولا يعقل أن لا يتمكن الطبيب من تأمين مستقبل أطفاله ويمارس مهنته ضمن ظروف جسدية ونفسية مشرفة وأن نستمر بالتعامل مع أطباء وزارة الصحة والقطاع العام وكأنهم ليس لهم حقوق .
ها هي انتخابات نقابتنا على الأبواب ومهنة الطب الأردنية بحاجة لمن ينقذها وينظمها من خلال حملة إصلاح حقيقية لا يمكننا الوصول إليها بتحويل أنفسنا لمصححين لمسيرة الاَخرين ومهنتنا نحلها الظمأ بانتظار التحديث والتغيير الذي نرفضه سوى في الوعود الانتخابية التي تتبخر غداة الفوز .