أضف إلى المفضلة
الثلاثاء , 07 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
الملك: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بمجزرة جديدة وتوسيع دائرة الصراع بالإقليم الفراية: المراكز الحدودية بحاجة لتحديث أجهزتها منعا لتهريب المخدرات التربية تتيح أرقام الجلوس لطلبة توجيهي الدورة الصيفية - رابط حماس تقدم المزيد من تفاصيل مقترح وقف إطلاق النار لقاء مرتقب بين الملك وبايدن فرح ورصاص بالهواء في غزة ابتهاجا بموافقة حماس على الهدنة تل أبيب: المقترح الذي وافقت عليه حماس "مصري" وغير مقبول إسرائيليا خليها تقاقي .. حملة لمقاطعة الدواجن في الاردن "حماس" تبلغ قطر ومصر موافقتها على مقترحهم لوقف إطلاق النار في غزة تزايد إقبال المرضى والمراجعين على المستشفى الميداني الأردني جنوب غزة الصفدي: الفشل في منع مذبحة رفح سيكون وصمة عار الحنيفات: تسهيلات للاستثمار في المدينة الزراعية السياحية التراثية بجرش وزير الصحة: خطة لتحويل المراكز الصحية الفرعية إلى أولية حماس: الهجوم على رفح لن يكون نزهة لجنود الاحتلال الفريق الوزاري يلتقي تنفيذيي عجلون
بحث
الثلاثاء , 07 أيار/مايو 2024


الكرك ام الأردنيين والثورات

بقلم : د .احمد عويدي العبادي
26-06-2015 12:02 AM

بقلم د. احمد عويدي العبادي
1= الكرك وما إدراك ما الكرك:
أرض المعترك والحصانة والرصانة، وخشم العقاب الذي يعلو السحاب، والطود الذي تحطمت على أقدامه الطغاة والبغاة عبر التاريخ، والتي لا يطالها الأقزام حتى لو تطاولوا عليها، ولا يتجاوزها العظام حتى ولو أهملوها. فهي عظيمة كريمة بتاريخها وأهلها يعرفها الكرماء، اما أولئك الذين ينظرون اليها بغير هذا المنظار فإنها تلقي بهم من فوق اسوارها الى الهاوية، ليكون مع قوم لوط في أعماق البحر الميت.
الكرك: هي قير مؤاب وكرك موبا وكرخا وكاركو وكركا، وقير حارسة وكلها أسماء للكرك وهي كلمات عربية مؤابية اردنية قديمة اخذتها اللغات الأخرى وتعني: القلعة أو المدينة المسورة أو المحصنة او الحارسة المحروسة. وكانت تسمى قبل تسعة الاف عام: حصن اللبن، ذكرتها التوراة، ولعبت دوراً مهماً قبل ثلاثة الاف عام في عهد محرر الأردن (الملك المحرر) ميشع (ملك المملكة الأردنية المؤابية) (الذي سنفرد له مقالا بإذن الله)، الذي أجبر ملك السامرة وملك أورشليم على فك الحصار عن الكرك عندما ضحى بولديه على أسوارها. وقد دعم هذه الحقيقة اكتشاف نقش ميشع في ذيبان: 'أنا الذي بنى المكان المقدس ل كموش الإله ـ في كركا (أي الكرك) .... وأنا حفرت القناة إلى كركا وشققت الطريق الرئيسية في وادي أرنون الموجب '.
وفي العهد الأيوبي كانت الكرك عاصمة المملكة الايوبية التي كانت تحكم القاهرة ودمشق وأعمالهما بقيادة الملك الصالح أيوب، وامتدت حدودها آنذاك من مشارف الربع الخالي ومشارف الفرات الى البادية السورية بما فيها الجوف ووادي السرحان والحرة ودمشق.
ونقول هنا: ان الكرك هي أم الأردنيين، وأم الثورات، فقد تعلمنا عبر تاريخنا الوطني:
= ان الثورات تشتعل بالكرك (الجنوب) فهي أم الثورات
= وتعززها عجلون (الشمال) وهي مرضعة الثورات وحاضنتها
= وتحسمها السلط (الوسط / البلقاء) وهي القول الفصل للثورات
وعندما نتحدث عن الكرك، فإنما نتحدث عن تاريخ مملكة أردنية عربية كانت مساحتها نصف مليون كليو متر مربع قبل 1921، وان أي ثورة اردنية لا تشتعل بالكرك لا تأخذ طريقها الى النجاح. والكرك هنا تعني نصف مليون كيلو متر مربع وتشمل معان والطفيلة وشمال جزيرة العرب.
أصبحت الكرك الان محافظة محدودة المساحة، وان كانت غير محدودة الطموحات والأنفة والأباء، عزيزة ومحروسة بفضل الله ثم بأهلها، وفي هذا استذكر ما دار بيني وبين المغفور له المشير الشيخ حابس المجالي رحمه الله، عندما زرته في المدينة الطبية وهو على فراش الموت. فقال لي: كان عندي فلان، (وذكر واحدا من مزامير الشيطان)، وان حابس باشا قال له: أوصيك بالأردن خيرا، فغضب المزمار، وانتفض كالغراب قائلا بعصبية: دير بالك على الكرك، فقال حابس باشا: الكرك فيها رجالها يحموها.
انها حقيقة يعرفها كل كركي ومحب للكرك ان في الكرك رجال وأهل يحمونها من كل مكروه، ولا بد من القول هنا: ان المجتمع الكركي لازال نقيا اصيلا ويمكن تصنيفه ضمن المجتمعات القوية جدا الذي يؤثر بالآخرين ويستوعبهم لما هو عليه من العراقة والاصالة والتجذر التاريخي.
2= في بلدة مرود وحديث الواقع والتاريخ
كنت على موعد مع جمهرة كريمة من رجالات المجالية في بيت المقدم المتقاعد أسامة عريف المجالي في بلدة مرود من قرى الكرك والى الشرق منها، وكنت اظن وليس كل الظن اثم، ان اللقاء سيجمعني والاخ أسامة والصديق وليد بن سليمان المجالي (قادما من الربة) فقط ويكون معنا رفيقي في الرحلة السيد حسين محمود مصطفى الخرابشة (أبو رعد). الا ان حسابات الأخ أسامة كانت مختلفة عن حساباتي.
لم أجد صعوبة في الوصول الى بيت المعزب، أما بلدة مرود فإنني أعرفها، وقد وجدتها قرية وادعة وامنة ونظيفة ومزدهرة، وعامرة بأهلها، فالأوطان والبلدان لا تعمر الا بأهلها، لأنهم الأحرص عليها من كل وافد ودخيل. وما أن خرجت ورفيقي من المسجد لصلاة الظهر حتى كان الأخ أسامة على باب المسجد ليأخذنا الى بيته في مدخل القرية , حيث استقبلنا والده الشيخ عريف المجالي , الذي بدا لي رجلا مسنا , يتوكأ على عصاته , وظهر عليه انه ابن عز ونعمة وعناية في كل شيء من المظهر والسحنة , ثم توافد جمع طيب من عشيرة المجالية ( المجالي) وكان أول شرط لي ألا يكون في الجلسة تدخين لأنني أكره التدخين وهو يؤذيني ولا اطيق رائحته ولا دخانه , ووجدتهم يعرفون ذلك عني هذه العادة , وصار كل من يريد منهم تدخين سيجارة يذهب الى غرفة أخرى في البيت الواسع العامر , كان بيتا أنيقا مرتبا ومفروشا ونظيفا , ويحظى بعناية فائقة وتشعر وانت فيه انك في بيتك ولا تشعر بالغربة , وجلسنا على ارائك وثيرة .
ان الجلوس مع عشيرة المجالية (المجالي) لا يجعلني اشعر بالغربة أبدا، كما لا اشعر بالغربة عند اية عشيرة أردنية، فهذه العشيرة تتصف بنبلها، وتسامحها وسعة صدرها، وكما نقول بالأردني صدر الواحد منهم يطارد فيه الخيال، كناية عن سعة الصدر والحلم واحترام الاخر. المجالية عشيرة تحبهم ولو كان بينك وبينهم خصومة، لما هم فيه وعليه من النبل في غضبهم ورضاهم وفرحهم وحزنهم، وهم بذلك يستحقون القيادة والسيادة والريادة، كيف لا وهم من تميم الأردن ومن الكرك، وما أدراك ما تميم.
وقد قدمت هذه العشيرة من الشهداء في سبيل الأردن ما لا يحصيه عد منهم: الشهيد إسماعيل الشوفي الى الشهيد الأمير قدر المجالي، الى الشهيد هزاع الى الشهيد عاطف، كما ضربت نساؤهم امثلة في الوطنية والشجاعة التي عجز عنها الرجال، ولنا في الشيختين بندر ومشخص بنات الشيخ فارس المجالي مثلا وطنيا ومشرقا. وكنت كتبت عنهما فيما سبق.
اما وان الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من الحديث عن إعدام “اسماعيل الشوفي ومعه صالح عبد القادر المجالي' في سوق البتراء في القدس لثورتهم مع الشيخ إبراهيم الضمور الغساسنة ضد إبراهيم باشا الالباني، وقد كان المرحوم حابس معجبا بإسماعيل الشوفي الذي كان (إسماعيل) وراء الهجوم على القوات المصرية انتقاما لشكوى صبحا الحجازين وهو الذي قال 'انا اسماعيل الشوفي ان قال قولا يوفي'.
لقد حلت كارثة بالقوات المصرية عندما ارادت الانتقام بسبب 'دله جلحد' الحباشنة الذي دل القوات المصرية على طريق غاصت الخيل بها في الوحل وهلكت القوة في المنحدرات بسبب المطر والانزلاقات، فقال الناس في ذلك قولا صار مثلا: “دله جلحد'= يعني ان يقود الشخص خصمه للكارثة، وهو يتظاهر أنه يدله على النجاة.
وظهر من عشيرة المجالية من الشعراء والفرسان ما لا يحصيه العد أيضا مثل: خليل أبو سيفين وتوفيق بك المجالي والشيخ سعود ورفيفان ودميثان وصالح المجالية ودرويش المجالية وحابس المجالية وخالد هجهوج. ومحمد باجس وبالتالي فان عشيرة هذا تاريخها لا يمكن لمؤرخ مثلي ان يتجاوزها ولا ان يغمض عينيه عنها، لأنني مؤرخ منصف احترم نفسي، ولأنها صنعت تاريخا لنفسها وللكرك والأردن يستحيل تجاهله، ويعتبر الشاعر المتميز ماجد المجالية من شعراء الأردن الوطنيين المعاصرين الذي دفع الثمن غاليا لأنه يقول شعر الحق الوطني الأردني.
وليس هذا عجيبا فالمجالية من قبيلة تميم العربية العريقة التي كانت تمتد في نجد والحجاز والأردن والعراق والشام عبر الجاهلية والإسلام ومنها الشعراء جرير والفرزدق , وكان جدهم الكركي ( والرواية هنا لي مباشرة من المغفور له الشيخ دميثان المجالي في السبعينات ) قد جلا الى الخليل لقتله رجلا في الكرك , وعندما انتهى من الجلوة عاد الى الكرك , الا ان المصالح السياسية الحديثة المتقلبة حورت التاريخ , ومال البعض الى القول انهم من تميم الداري ( وهم ليسوا كذلك ) (الذي لم يعقب أولادا أصلا وانما كان عقبه من البنات ), والحقيقة ان المجالية من بني تميم الأردنية , ونحن نعرف ان قبيلة تميم كانت تزاحم قريش على زعامة العرب حتى قيل : لولا قريش لسادت تميم في العرب
وعندما جلست الى هذه الكوكبة وقلت لهم انني أحبهم وأن شهادتي بهم قد تكون مجروحة لأنها عين الرضا، جاوبت نفسي في اعماقي ان عين الرضا عندي هي التي أرى فيها عشائرنا الأردنية جميعها، والاردنيون يعرفون انني أحبهم أكثر مما يحبون أنفسهم.
توافد عدد من رجالات المجالية الذين أخبروني ان المعزب السيد أسامة قد أبلغهم بحضوري وانني أريد التحدث معهم للتدوين، فقلت لهم انني أكتب كل شيء للتاريخ لان التاريخ لمن يكتبه لا لمن يصنعه، فاستقبلوا كلامي بود ورقي أثلج صدري، وكان الجميع يرتدون اللباس العربي باستثناء اثنين منهم، وكنت ارتدي اللباس المدني فقلت للمعزب: سامحك الله يا اخ أسامة ما كنت أدرى أنك ستشرفني بهذه الثلة الكريمة، ولو عرفت لجئت بلباسي العربي وهو المفضل عندي، فقالوا: انت إيش ما لبست مقبول (زين). وكان اول سؤالي لهم: لماذا سميت مرود، فقالوا انها كانت طريق الواردين الى عين ماء الى الشرق منها، وقد سعدت ان حضر السيد زياد ابن صديقي المرحوم محمد عبد المهدي المجالي الذي التقيته رحمه الله عام 1987 ودونت لقائي به في كتابي: في ربوع الأردن جولات ومشاهدات.
حضر الجلسة بالإضافة لي ولرفيقي والمعزب أسامة بن عريف المجالية ووليد بن سليمان المجالية , كل من الذوات والشيوخ والوجهاء الكرام التالية أسماؤهم : عريف المجالي , العميد المتقاعد وصفي المجالي , ودحيلان خلف المجالي ومصلح عبدالله البطوش والمحامي احمد عمر المبيضين ومحمد مسلم المجالي ومشهر عبدالحميد سعود المجالي ومحمد سالم عبد المهدي المجالي وخازر مد الله المجالي واحمد ادلمي الشقور بني حميدة واحمد طلب عبد المهدي المجالي والدكتور مصلح مسلم مصطفى المجالي وباسم عرار المجالي وبسام سالم عرار المجالي الذي تحدث فأجاد وحاور فأبدع , وزياد محمد عبد المهدي المجالي .
شكا الحضور على لسان السيد بسام سالم عرار المجالي الذي رفض ان أكتب له الشيخ بسام، أقول شكا في عدم احترام العادات الأردنية الكركية من قبل الحاكم الإداري والجهات الرسمية، وهو أن المتعارف عليه أصلا أن من يرتكب جريمة من أهل شمال الكرك يجلو الى جنوبها، ومن يرتكبها من اهل جنوب الكرك يجلو الى شمالها، ولكن المحزن هذه السنوات كثرة جرائم القتل، وفرض الحاكم الإداري في ان تكون الجلوى عند عشائر ليست مجلي لأهل الكرك أصلا، وهذا يعتبر خروجا على التقاليد العريقة المألوفة.
وهنا دخلنا في الحديث عن المصطلحين وهما : القراري ( أبناء البلد اهل الوطنية الهوية والشرعية ) , والفراري ، فالجلوى (الجلاء) لا تكون الا عند (بحماية) أهل الكرك المزروعين فيها جيلا بعد جيل وكابرا عن كابر، وكل واحد من اهل البلاد يسمى قراري أي قديم متجذر ، وأما من يفد اليها جديدا فيسمى فراري أي فار من ديرته او بلده , وفي العرف العشائري الأردني فان القراري لا يجلو ان ارتكب جريمة بحق الفراري، لأنه صاحب بلاد، وشرعية ,كما لا يجوز ان يجلو القراري عند الفراري، وأبديت استغرابي كيف ان الحكام الاداريين لا يعرفون هذه العادات والقيم الأردنية التي ورثناها عبر الأجيال منذ قديم الزمان.
3= ماذا يقولون عن كركية عمان
ومن الواضح عندي أن أهل الكرك في الكرك ينظرون الى أقاربهم في عمان أنهم تركوا الكرك، وتعلقوا بعمان ( قيين عمان / أي ساكنوا عمان ) ويعرفون الكرك وقت الانتخابات والفزعات والمناسبات وطلب الحماية، وان الإهمال الرسمي للكرك ومطالبها ومشاعرها، هي السياسة السائدة , حيث لا توجد الا المشاريع الوهمية او المتعثرة بما فيها المدينة الصناعية، ولا يوجد مشاريع تأهيل وتطوير الا بالإعلام الوهمي الخادع، وكل ما نراه من بناء واعمار حقيقي هو جهود فردية قام بها اهل الكرك في قراهم وفي المدينة وما حولها، لأنهم يحبون ارض الإباء والأجداد.
وبالتالي فقد أصبحت الكرك بيئة طاردة للشباب الذين لا يجدون فيها ما يجذب على استقرارهم فيها، فالإنسان بطبعه متشوف لما يأخذ بيده نحو التقدم والرفاهية والحياة الأفضل، ولا يكون ذلك بالكلام بل بالعمل الذي لا يتوفر هنا للأسف الشديد. ورغم كثرة ما وصل من أهل الكرك الى مواقع القرار، الا ان الكرك (لديهم) لم تكن في الحسبان للأسف الشديد. وقال أحد الحضور لو تم إحصاء المسؤولين من لواء القصر وحده، لدخل القصر (أحد الوية الكرك) في موسوعة جينيس للأرقام القياسية، ولكن لا فائدة من كثرة المسؤولين ؟؟؟، وهم يتمنون تحويل مدرسة الربة الزراعية الى كلية جامعية زراعية لتشغيل أبناء المنطقة من الشباب والبنات، مما سيعمل على استقرارهم وبناء المنطقة وتطويرها، ولكن الأمور لا زالت في دائرة التمنيات.
وقالوا ان دكانة واحدة في عمان او على الطريق الدولي تبيع بمقدار عشرين دكانة في الكرك، وأما الاستثمار فهو معدوم، والناس لا زالوا يتمنون على الدولة والنواب ان يقوموا بواجبهم في هذا المضمار، وكلما تقدم مرشح للانتخابات النيابية جعل من البحر قثاء(مقاثي)، حتى إذا ما وصل بغيته تحول القثاء الى جزء من البحر الميت، مع تغيير الهواتف والعناوين.
وحيث وجدت الحضور مغرمين بالحديث عن التاريخ , لعدم وجود ما يستوجب ويجذب الحديث في الوقت الحاضر , الا الشكوى والانين والغضب والعتب من اهمال الدولة للكرك وابنائها وبناتها , فقد تحدثت في الجلسة عن تاريخ الكرك التي كانت مملكة عظيمة في العصور الوثنية والإسلامية , وكيف انها كانت تعني وتشمل شمال جزيرة العرب حتى مشارف المدينة المنورة وجنوب ينبع , كما تشكل الجوف وعرعر ووادي القرى وتيماء وسكاكا , وحتى مشارف الفرات ومشارف الربع الخالي , وكانت هذه جزءا من لواء الكرك قبل عام 1921 وتم اقتطاع مساحة 450 الف كيلو متر منها بموجب اتفاقية الحداء الموقعة في 2/11/1925 , واستغرب القوم ذلك لان الدولة لا تدرس هذا التاريخ في المناهج المدرسية والجامعية
ان اهل الكرك كما هو حالي، يحبون الكرك ويتمنون ازدهارها كما هي أمنياتهم بذلك للأردن، وهم يتألمون ان تكون أعداد أهل الكرك في عمان والزرقاء والعقبة أكثر من ضعف عددهم في الكرك. والمطلوب ان يكون هناك مشروع مشترك وفزعة مشتركة لتنمية الكرك، ولكن وكما قال الشاعر الجاهلي عمرو بن معد يكرب بن ربيعة الزبيدي، الذي عاش بين 525 ـ 642م
فمن ذا عاذري من ذي سفاهٍ يرودُ بنفسه شـر المـرادِ
لقد أسمعت لو ناديت حيـا ولكن لا حياة لمـن تنـادي
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرمـادِ
أريد حياته ويريـد قتلـي عذيرك من خليلك من مُراد
فأهل الكرك يريدون حياة الوطن، والدولة تعمل على قتلهم بأسلوب ناعم , وأبناؤها من المسؤولين مشغولون بأمور أخرى لا تهم الكرك ولا تفيد الكرك ولا أهل الكرك , وتخيلوا معي مواطنا يأتي من قصبة الكرك أو احدى قراها يذهب الى عمان ليلتقي نائبا أو مسؤولا في بيته , ثم يقال له من قبل الخادمة : بابا مش موجود , او بابا مسافر , او يذهب الى مكتبه فيقال عنده اجتماع , وبذلك يجد المواطن الأبواب موصدة , ثم يعود خالي الوفاض بعد ما خسره من وقت ودفعه من اجرة تنقلات ونفقات , وما عاناه من التنقل من وسيلة مواصلات الى أخرى, وفي النهاية لم تقضى حاجته , وقد يمكث عدة ليالي في عمان ليرى دولة او معالي او عطوفة او سعادة او, او , او المسؤول ولا يستطيع رؤيته , وبعدها يقال : لماذا يتذمر الناس في الكرك ؟؟؟ وهو واقع الأردنيين جميعا.
4= في ضيافة شهداء مؤتة
ذهبنا الى مزارات الشهداء السادة: جعفر بن ابي طالب وزيد بن أسامة الكلبي وعبد الله بن ابي رواحه رضي الله عنهم جميعا، ورغم الاهتمام بضريحي سادتنا زيد وجعفر الا ان اهمال ضريح عبد الله بن ابي رواحة اثار في نفسي الحزن للأسف الشديد، رغم ان الجهات المسؤولة اشبعتنا مراجل انهم يعتنون بأضرحة الصحابة؟ وما هو هنا الا كلام للاستهلاك الإعلامي
ونشأ منذ اندلاع ثورات الربيع العربي حراك كركي في المزار يقع أسبوعيا بعد صلاة الجمعة، ولم ينقطع ولو أسبوعا واحدا، ويقوم عليه ثلة كريمة من الرجال الفرسان الوطنيين الذي يحملون مشاعل المبادئ والمواقف المشرفة، دونما طمع في مغنم او هروب من مغرم، وعلى راسهم كل من المهندس د. حكمت القطاونة والدكتور على الضلاعين والسيد صبر العضايلة والسيد وليد سليمان المجالي والمقدم المتقاعد رضوان النوايسة والسيد رياض النوايسة والسادة: محمود الشمايلة وحسين الصعوب وزكريا البطوش ومحمود اللغوات ووحيد البطوش وغيرهم كثير.
ثم تحركنا الى وادي الكرك أنا ورفيقي حسين مع السيد وليد بن سليمان المجالي، رأيت قلعة الكرك التي كانت معقل ثورة الملك المؤابي الأردني (الملك المحرر) ميشع قبل ثلاثة الاف عام، والذي ذبح ولديه على أسوارها تضحية للإلهة (لكموش) مما القى الرعب في قلوب بني إسرائيل الذين كانوا يحاصرون القلعة فولوا هربا.
والأمر نفسه حدث في القرن التاسع عشر عام 1834 م عندما قام الالباني إبراهيم باشا قائد الجيش المصري بحرق كل من: السيد وعلي أولاد الشيخ إبراهيم الضمور الغساسنة الذي ثار ومعه الشيخ إسماعيل الشوفي المجالي ضد الجيش المصري وقائده ورفضوا تسليم الدخيل، وهو قاسم الجماعين قائد ثورة نابلس على الجيش المصري، وقد قام الجيش بالقبض على إسماعيل الشوفي وأعدموه في القدس، وبدأت ثورة الكرك عام 1909، واستمرت الى عام 1910 حيث بلغت ذروتها، وقدم فيها اهل الكرك مئات الشهداء على أيدي قوات سامي الفاروقي قائد الحملة الدموية. وقد جئت بالتفصيل على ثورة الكرك في كتابي الذي صدر العام الماضي (2014) وهو بعنوان: تاريخ الأردن وعشائره من 3500ق. م ال ى1910
قلت لرفاقي: ان الكرك كانت تسمى قبل تسعة الاف سنة: حصن اللبن. وسألتي الأخ وليد المجالي: عما أعنيه بقولي: ان الكرك أم الأردنيين، فقلت له ان الكرك في المفهوم التاريخي والسياسي القديم والجغرافي تعني مملكة الكرك التي كانت مساحتها نصف مليون كيلو متر مربع، وجميع الأردنيين كانوا في هذه المملكة وهم تحركوا للمشاركة في معركتي حطين وعين جالوت واستقروا في الشمال والوسط من الأردن، ومنهم قبيلتي بني عباد حيث اننا من عشائر الكرك وقام صلاح الدين بترحيلنا الى البلقاء حيث نحن الان.
5 = فعالية ثقافية على عين سارة /الكرك
دعانا الأخ وليد سليمان المجالي الى فعالية ثقافية على متنزه سيل الكرك , أقامها صالون الكرك الثقافي الذي يرأسه الأديب السيد محمود الشمايلة , ويحضرها شعراء من عمان والكرك , كان المتنزه على عين سارة هرما وكأنه أشلاء بلا أعضاء , يئن تحت وطأة الإهمال , ويحتاج الى تطوير وإعادة ترتيب وأن تقوم البلدية بالعناية به ليكون جاذبا للناس , وهنا ابتعدت عن الحضور لأنهم كانوا جميعا يدخنون ذكورا واناثا , وهم خليط منهم من جاء من الكرك , واخرون جاءوا من عمان, وذلك للمشاركة في الأمسية الشعرية , التي قدم فيها عدد من الشباب نماذج من قصائدهم , بينما انشغلت( أنا ) مع الرجل الوطني المنتمي وهو الاستاذ المهندس د حكمت القطاونة الذي روى لي الكثير من المعلومات عن الكرك وأهلها , وعن تضحياتهم وثوراتهم , كما كان معنا السيد نصار رجا الصرايرة الذي كان يحفظ من الروايات ما يستحق التدوين , وتجاذب الحديث معنا أيضا كل من: علي عبدالوهاب الطراونة والمقدم المتقاعد رضوان النوايسة وعبدالله الشقاحين وميمون فهد المجالي , السيد وليد المجالي , والأديب الكاتب محمود الشمايلة الباحث في التراث الشعبي الغنائي بالكرك , الذي قدم معزوفات ونماذج من الأغاني الكركية التقليدية , وكانت جميلة حقا .
اما السيد د حكمت القطاونة فقد تحدث عن التاريخ الجغرافي والاجتماعي للكرك، وقال: ان هناك شجرتان من النوع النادر في العالم وهو شجر الميس وعمر الشجرة الان 4000 سنة ويجب الاهتمام بها والحفاظ عليها. كما تحدث عن ثورة الكرك التي قامت في نهاية العصر الفاطمي ضد الأماميين (وهم عشائر العمرو والقضاة والأغوات والطنشات) حيث كانت الكرك مركز التشيع زمن الفاطميين، وقاد الثورة ضد الفاطميين المرحوم عبد الرحمن القطاونة فأعطاه اهل الكرك البرج الجنوبي الذي لا زال يسمى برج القطاونة الى يومنا هذا.
وقال الدكتور حكمت ان اول شهيدة في ثورة الكرك , هي السيدة علياء النوايسة التي اوت المطلوبين للأتراك فقتلها الجنود مما أشعل الثورة لهيبا وغضبا، كما ان اول شهيد في ثورة الكرك هو الشهيد اعمر بن سليم القطاونة , حيث استشهد عند مقام سيدنا جعفر رضي الله عنه , وبقي جثمان الشهيد اعمر في حمى المقام عند الحامية التركية ولم يستطع احد من الناس الوصول الى الجثمان الا بعد عدة أيام حيث قام ابنه الطفل ابن ست سنوات وهو عبدالحميد ابن الشهيد اعمر بسحب جثة والده وسحبه الى صخرة بارزة , ومثناه ( أي وضعه ) على ظهر البغل ونقله الى والدته التي كانت تنتظر خارج قرية المزار وتم نقل الجثمان الى ام حماط التي تبعد 7 كم شرقي المزار ودفن هناك ولا زال ضريحه معروفا
وكان الشهيد اعمر ومعه ثلاثة رجال قاموا بمهاجمة الحامية العسكرية في المزار فطاردهم العسكر والتجأ الأربعة الى بيت عليا النوايسة وحاولت منع الجنود من قتل الدخلاء عليها، ولكنهم قتلوها وكان ذلك في أيلول من عام 1909 م واستمرت الثورة والغليان
قال د حكمت القطاونة ونصار رجا الصرايرة: ومن الثوار ضد الاتراك كل من محمود إسماعيل القطاونة وخاله علي فياض الحجوج الطراونة وسالم عيسى الصرايرة والقى الأتراك القبض عليهم وأعدموهم جميعا شنقا بالقلعة رحمهم الله جميعا، ولا بد من تسجيل موقف مشرف يسطر بأحرف من نور , وهو انه عند تنفيذ حكم الإعدام بالثلاثة المذكورين في قلعة الكرك , صار كل من الشهداء الثلاثة يريد ان يموت قبل الاخر , , حيث قال محمود بن إسماعيل القطاونة لخاله علي فياض الطراونة : يا خالي انا قبلك الى المشنقة , وخاله يقول : لا انا قبلك , فغضب الضابط التركي وصرخ قائلا : شو هي المشنقة منسف تتعازموا عليه ؟؟ . بقي ان نقول ان قاتل الشهيد اعمر القطاونة هو شاويش تركي اسمه الصول ارطوغان، وعندما اندلعت الثورة لقي حتفه قتلا ومعه ستة جنود من رفاقه الاتراك بعد عدة أيام كثأر لدم الشهيد اعمر رحمه الله
واستمعنا الى قصائد شعرية، ثم الى دقة العود الكركي لمحمود الشمايلة.
6 = عندما تجلس مع اهل الكرك
عندما تجلس مع اهل الكرك تجد ان لهم ثقافتهم المميزة التي لا تخطئها العين , فهم متآلفون متحالفون رغم ما بينهم من تباين في الفكر , وهم لا يؤمنون بالإقصاء ولا بالتهميش لبعضهم بعضا , ولا يعرفون الغدر والطعن من الخلف , ومن يفعل ذلك يشمسوه أي ينبذونه , ثقافتهم تقوم على الانتماء الوطني الأردني والقومي , والاعتزاز بالكرك واحتواء الاخر ومحاورة الاخر , ولكن الدولة لا تحاور أحدا لأنها لا تفهم لغة الحوار ولا تتقنه , بل انها دولة غير مؤهلة للحوار أصلا , وان كانت مؤهلة للقمع بامتياز لأنها مجبولة عليه , بعكس ماهي عليه طبيعة الأردنيين , ومن حق اهل الكرك بل من الحق عليهم وعلى كل أردني أن يعتزوا بالكرك لأنها الأم لنا جميعا , وهي رمز الأنفة والأباء وينبوع الرجولة والكبرياء , لذا نجد الشهامة والكرامة والشجاعة والرجولة موجودة بشكل لا يحصيه العد ولا تخطؤه العين , في كل جيل من أبناء الكرك , انهم مجتمع مفتوح لكنه محافظ ,ومجتمع يعشق الحرية ويقاتل من اجلها لكنه مجتمع محتشم كل يعرف حدوده , مجتمع يحب الطرب لكنه لا يمارس العبث واللعب. يستوعب الوافدين لكنه لا يسمح لهم ان يتقدموه او يكبروه، يمتازون بالرجولة ولكن بدون فضاضة، انهم قوم شجعان لكنهم مدرسة في الادب والصراحة. شعرهم رقيق، ورجولتهم خشنة.
وفي اماكن أخرى بالأردن تجد التناحر والتنافر بين الخصماء والفرقاء، اما في الكرك فهم لا يقطعون حبل الود بينهم ولا يرفضون أي رأي بل يناقشونه، لذا تجد في الجلسة الواحدة القومي والإسلامي والوطني والمتطرف والمعتدل والعرباني، ولا أحد منهم يرفض الثاني الا انهم يرفضون فئة واحدة وهي فئة السحيجة، ومن يعبد الاصنام. ففي الكرك لا يوجد تسحيج ولا مسحجين ولا اصنام تعبد من دون الله، ومن يفعل ذلك يلقى آثاما واحتقارا. قوم أصحاب سطوة وسماحة.
ان الدولة بالأردن احوج ما تكون الى دورة تأهيل تثقيفية تحضرها بين ظهراني الكركية، لتتعلم منهم السماحة والرجولة وقبول الاخر وحرية الراي والعفو عند المقدرة. فالكرك مجتمع قوي يستوعب الاخرين، ولا يستطيع أحد ان يطوعه كما يريد، وكيف يمكن تطويع الجبل الشامخ والشجرة الصلبة الباسقة. ان الدولة على عداء مع الكرك وأهلها مثلما هي على عداء مع معان وأهلها، ومع سائر الأردنيين، لا لسبب سوى ان اهل الجنوب من الكرك الى معان الى الطفية جبلوا على الإباء والكرامة وعدم الانحناء الا لله سبحاته، حتى صارت هذه الصفات تنهل منهم طاقتها وقوتها، وهو ما لا يتفق مع منهج الدولة. وتبقى الكرك كلمة من ثلاثة أحرف هي
الكاف الأولى تعني الكرامة وكرسي الشموخ والسمو والعلياء والجلال، والراء تعني ان الكرك هي روح الأردن ومدرسة الرجولة والرأس الشامخ الذي لا ينحني الا لله سبحانه، والكاف الثانية تعني الكرم والكبرياء (وليس التكبر) والتكرم وكبر الهمة والنفوس والانفة، تماما كما يقول المتنبي: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجسام
ومن هنا كانت قصيدة المرحوم حابس المجالي رحمه الله:
حنا كبار البلد وحنا كراسيها == وان لعلع الحرب بالبارود نحميها
انتهى المقال
حاشية حول ثورة الكرك:
يبدو أن الإدارة التركية زادت ثقتها بنفسها الى حد الغرور، بعد مد خط سكة حديد الحجاز، واعتقدت أنها سيطرت على المنطقة، ولكن تنحية السلطان عبد الحميد عام 1908 أضعف هيبة الدولة، فاندلعت ثورة حوران أولا فأخمدها سامي باشا الفاروقي بفضاضة وعنف فلمع نجمه، حيث كان الصراع محتدما بينه وبين والي سوريا إسماعيل فاضل الذي عجز عن اخماد ثورة حوران، مما حدا بوزارة الداخلية في الأستانة أن عينت سامي باشا لقمع ثورتي حوران والكرك معا.
وكان الرحالة النمساوي 'موزيل' قد توقع اندلاع الثورة بالأردن ضد الاتراك، ولكنه توقع قيامها في معان التي مر بها يوم 10 ـ 7 ـ ,1910 كما ذكر في كتابه 'شمال الحجاز'، حيث قال (موزيل): بان كل شيء في معان يوحي بالثورة وإنها واقعة لا محالة أما في معان أو بين الحويطات الذين سأل عنهم فأخبروه أنهم توجهوا غربا ويستعدون للثورة.
ورغم ان موزيل أخبر الوالي بذلك ولكن الوالي كان يتوقع اندلاع الثورة في حوران أو بدو الحويطات، وفعلا وقعت هذه الثورات جميعا. وتعتبر توقعات 'موزيل' مبكرة، ولقد وقع حادث طريف في معان أثناء وجود موزيل، وهو حادث إطلاق نار عفوي من جندي فتوقع الجميع بمن فيهم موزيل بان الثورة اندلعت، وهذا يوحي أن الجو كان متوترا جدا ولكن الإدارة لم تنتبه لذلك ولم تعالج الأمور قبل وقوعها، حيث أن الحكومة بعد الانقلاب العثماني لم تعبأ كثيرا بالناس.
لقد حدثت ثورة حوران قبل شهرين من ثورة الكرك وحقق سامي باشا انتصارات في قمعها، واراد ان يطبق عنفه على ثورة الكرك، وقام بالتنسيق مع متصرف الكرك للقيام بجمع السلاح من أهل الكرك، وتسجيل الأراضي والأملاك، وإحصاء النفوس مع التجنيد، فقام متصرف الكرك 'طاهر بك' بالاتصال مع شيوخ الكرك للنظر في ذلك فانقسم الشيوخ الى قسمين: قسم رفض التجنيد مثل الشيخ علي يونس 'من بني حميدة'، وقسم اخر هادن المتصرف ورأى الانتظار.
وفي مساء يوم الأحد 21 ـ 11 ـ 1910 وقعت الثورة في المزار بالهجوم على الضابط اليوزباشي الممتاز سعيد أفندي ومعه خمسة جنود كانوا متوجهين للطفيلة فقتلوهم جميعا واستولوا على سلاحهم. وبعد الحادثة توجه شخصان 'محمد على الطراونة وآخر اسمه عياد' إلى العراق والخنزيرة لتحريض أهلها على الثورة، فاستجابت العراق للثورة. وقام الثوار بالهجوم على القلعة يوم 22 ـ 11 ـ 1910 وحاصروها لمدة عشرة أيام تقريبا، وهم يرددون:
يا سامي باشا لا نطيع ولا نعد عيالنا
لعيون مشخص والبنات ذبح العساكر كارنا

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012