عبد الهادي الراجح

لا زالت الباخرة الهاربة سور تثير الجدل داخل المجتمع الأردني والتساؤل كيف تم تهريبها بتلك الصورة ومن وراء ذلك ، والأهم ماذا كانت تحمل حين غادرت ميناء العقبة بطريقة غير شرعية لا زالت تثير جدلا أردنيا يتعلق بأمن الوطن واستقراره ، ورغم أن هناك باخرة أخرى قد سبقتها في الهروب وللأسف لم يثار حولها أي شيء رغم إن ذلك يطرح علامات استفهام كبرى لمعرفة من المسئول ومن وراء ذلك ، إن الذي هرّب الباخرة الأولى هو نفسه الذي هرّب الثانية وهو نفسه الذي أخرج خالد شاهين من السجن وأعاده في مسرحية سوداء لم يشهد لها التاريخ مثيلا ، إنها نفس الجهات المتنفذة الفاسدة والتي سبق لي أن وصفتها في مقالات عديدة بحكومة الظل التي لا تسأل عما تفعل لأنها فوق القانون وأعلى من الدستور هكذا تعتقد وأستغرب من إجراءات حكومة الخصاونة التي شكلت لجنة من نفس الحكومة ولم يتم تحويلها للقضاء مثلا ليكون هو المشرف على التحقيق ، فهذه اللجنة من الحكومة لم تحقق عن الباخرة الأخرى التي هربت وسجلت ضد مجهول حتى كتابة هذه السطور .

 

 وهذا يضع علامات استفهام كبرى على أمننا الوطني ترى لو كانت تلك الباخرة وضعها سليما لماذا الهروب في جنح الظلام وإذا لم يكن كذلك لماذا لم يجري التحفظ عليها قانونيا وبأمر من القضاء إذا بقي في هذا البلد من يحترم القانون ، الإجراءات الأولية التي اتخذتها الحكومة بمنح ثلاثة مسئولين كبار إجازات مفتوحة لحين انقضاء لجنة التحقيق ، وهذا الإجراء غير موفق وغير صحيح وفيه ظلم كبير لأحد المسئولين وهو مدير عام مؤسسة الموانئ بالوكالة ، وأنا هنا لا أدافع عن أحد وليس هذا دوري ولكن أوضح حقيقية قد لا يعرفها الكثيرون ، إن مؤسسة الموانئ التي سحب كل صلاحياتها لم يعد لها دورا في عملية واصطفاف ومغادرة البواخر إلا المناولة أي التحميل والتنزيل ، والدور هنا للسلطة البحرية ولشركة الميناء البحرية التي كانت سابقا تسمى بالدائرة البحرية وتتبع لمؤسسة الموانئ وقد تم خصخصتها أي أنه لا علاقة لمؤسسة الموانئ من الجانب القانوني ، وهذا سيوضحه أي تحقيق قانوني في هذه القضية .

 

وهنا أشدد وأقول ما كتبته كثيرا ، إن خصخصة مؤسسة الموانئ التي هي رئتنا الوحيدة على العالم من خلال البحر يعتبر جريمة بحق الوطن وقضية تدخل في صلب الأمن الوطني ، ولعلنا نذكر بالأمس القريب الضجة الكبرى في الولايات المتحدة زعيمة اللصلصة في العالم وموقفها ومعها كل الحق ، عندما أرادت دويلة هامشية مثل الإمارات الخليجية من خلال شركة موانئ دبي العالمية شراء بعض الموانئ في الولايات المتحدة  وكيف تحرك الشعب الأمريكي حتى لدويلة تعتبر لجانب دويلات الخليج الأخرى إحدى شبابيك أمريكا الصغيرة ، ومع ذلك رفض الشعب الأمريكي ذلك وألغى تلك الصفقة التي ستدخل لخزينة الدولة الأمريكية مئات المليارات وليس بضع ملايين كما حدث في بيع ميناءنا الوحيد حيث باعت حكومة اللصلصة ميناء الحاويات الذي هو منجم من الذهب كما باعت الدائرة البحرية والباقي على الطريق .

 

 وتعاني مؤسسة الموانئ الآن أو ما تبّقى منها من تداخل صلاحيات كما أوضح ذلك المهندس محمد المبيضين مدير عام مؤسسة الموانئ بالوكالة في برنامج كلام في الصميم الذي تقدمه الإعلامية الرائعة د.رلى الحروب على قناة جوسات ، حيث وضع المبيضين النقاط على الحروف مبينا أن تداخل الصلاحيات أربك العمل وخلق حالة من الفوضى ونتفق معه في ذلك 100% وان اختلفنا معه في قضية جريدة الغد التي كنا نأمل معالجة الخطأ إذا وجد بشفافية خاصة أن الطرفين وهذه كلمة لوجه الله سواء كان الصحفي أحمد الرواشده المعروف بدماثة خلقه وأدبه الرفيع والمهندس محمد المبيضين وهو رجل مشهود له بالخلق الرفيع والتعامل الراقي ،وكاتب هذه السطور لا يستطيع إلا أن ينحاز لحرية الكلمة التي يجب أن تكون سقفها فوق السماء .

 

والحقيقة أن قضية الباخرة وهي كشف لأمننا الوطني وفضيحة لكل الصفقات التي تمت وبيع المؤسسات الحساسة وعلى رأسها مؤسسة المواني يعتبر خيانة لأمن الوطن واستقراره ، وهذه الأحداث البسيطة هي أول الغيث وألف تحقيق ومليون حراسة لن تحل المشكلة وسيبقى أمننا الوطني مكشوف وترى ماذا ستعمل الحكومة وأجهزتها وحكومة الظل الفاسدة ومن ورائها عندما يتم بيع مؤسسة الموانئ التي كثيرا ما رأينا التباكي على حقوق العاملين والتي هي حق مقدس بلا شك والعامل هو رأس المال ولكن ماذا عن أمن الوطن واستقراره وخاصة أن مؤسسة الموانئ منطقة حدودية قريبة من السعودية ومصر ومن الجانب الآخر الكيان الصهيوني اللقيط .

 

ولذلك نطالب كل وطني حر في هذا البلد وقف موضة اللصلصة وأن لا نسمح للمغامرين من التجار أن يبيعوا وطننا ، ومؤسسة الموانئ هي من صميم أمننا الوطني ونطالب بعودتها كاملة للسيادة الوطنية والتفريط بها يعتبر خيانة عظمى ، وما حدث من تهريب تلك البواخر هي رسالة إنذار أخيرة لوقف المتاجرين بالوطن لصالح الموائد الخضراء عند حدودهم وهم يفعلون في الظلام غير ما يقولونه في العلن للمواطنين المغلوب على أمرهم .

 

لذلك نحن مطالبون بحماية وطننا قبل أن لا نجد وطنا نحميه ، ولا عزاء للصامتين .



alrajeh66@yahoo.com