08-01-2012 08:14 AM
كل الاردن -
عبدالحليم المجالي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون"
كلنا يعرف برنامج الاتجاه المعاكس الذي يقدمه فيصل القاسم على قناة الجزيرة , الذي اشتهر وذاع صيته إلى درجة تقليده من قبل معظم محطاتنا الفضائية , و تقوم فكرته على جمع شخصين يتبنى كل واحد منهما فكرة مضادة لفكرة الآخر , في أجواء مشحونة بالإثارة والمبالغة . ويضيف العلن في تبادل الاتهامات , والحشر في الزوايا , إلى تلك الأجواء المشحونة , التعصب للفكرة والاستماتة بالدفاع عنها . البرنامج لا يهدف بأي حال من الأحوال الوصول إلى التوافق في نهايته على فكرة وسط مقبولة من الطرفين . الخطاب في هذا البرنامج ينطلق من نية مبيتة بتحقير الفكرة المقابلة وأصحابها وتخوينهم , ويأتي الرد من باب , وجزاء سيئة سيئة مثلها , ويسب الرجل أباه بسبه أباء الآخرين . لا صلح ولا تسامح ولا مهادنة والأجواء عدوانية الطابع, وتكتيك تسجيل النقاط والفن فيه هو من يحدد فارس الجماهير .
في المقابل , وبأجواء رحما نية , تدعوا الآية الكريمة " تعالوا إلى كلمة سواء " إلى الحوار للوصول إلى توافق من نوع ما , و بالرجوع إلى كتب التفسير أجمل ( بضم الهمزة ) ما وجدته : هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم . الآية وصفتهم بأهل الكتاب وهذا مدح لهم ومقدمة طيبة للحوار . الكلمة تطلق على الجملة المفيدة ووصفها بقوله "سواء بيننا وبينكم " أي عدل ونصف , نستوي نحن وانتم فيها . من صفاتها ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا , لا وثنا ولا صنما ولا طاغوتا , بل نفرد العبادة لله وحده لاشريك له وهذه دعوة كل الرسل , ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله يطيع بعضنا بعضا في معصيته. إلى أن قال " فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون " فان تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فأشهدوهم انتم على الاستمرار على الإسلام الذي شرعه الله .
العبرة في عموم اللفظ لا خصوص السبب , وهذا ما حدا بالكثير ممن استخدموا هذه الآية الكريمة كعنوان لدعوتهم لخصومهم في مختلف المجالات للحوار, عقدية كانت أو سياسية أو علمية أو في أي مجال من مجالات الحياة والاجتماع . في أجوائنا العربية والإسلامية تأتي الدعوة من باب سد الذرائع أمام أعداء هذه الأمة الذين يتربصون بها ويجعلون على رأس أولوياتهم زرع الخلافات والأحقاد بين مكوناتها , لتجعل منهم شيعا وأحزابا , كل قوم بما لديهم فرحون , ليسودوا عليها " فرق تسد """" , ومن باب العمل بالآية الكريمة "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " , كما وان الاجتماع على الحق والهدى من اوجب الواجبات لتوحيد الصفوف ورصها لتكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا .
نقاط الالتقاء , من المفردات التي تتكرر عند الحديث تحت هذا العنوان , ومن الذاكرة العسكرية فان نقاط الالتقاء هي من وسائل السيطرة , يتم تعينها في الغالب في الدوريات التي تعمل خلف الخطوط المعادية, للعودة إليها عند التعرض لفعاليات معادية تسبب تشتت الدورية وانتشارها في شتى الاتجاهات, يعني التجمع والانطلاق من جديد, ولأهميتها يجب الاهتمام بها كثيرا وإجراء البروفات على تطبيق ما يجري بها من أعمال , هي ترجمة للكلمة الانجليزية(rallying point ) والتي تعني نقطة الالتقاء للاراء أو الأشخاص أو ا لسيارات بعد تشتتها . من صفاتها أن تكون معروفة للجميع , سهلة الدخول والخروج , واسعة , محمية قدر المستطاع . يعينها قائد الدورية من خلال المسير بأوامر جزئية مبنية على الأوامر الأولية فهي تجسد مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ وتجسد اعتبار تطورات الموقف , بمعنى تعيين نقاط جديدة عند كل مرحلة , يتم اختيارها بدقة وعناية بالغتين , ومسئولية قيادية عالية , لان ألخطأ في ذلك يعني دماء وأرواح وفشل للدورية و لعمليات عسكرية لاحقه مبنية على معلومات تلك الدورية
في المفهوم السياسي لامتنا العربية , التي تشتت , في بداية حقبتنا التاريخية الحالية , شعوبا وقبائل ومحميات , وتحت الانتداب , وأجاويد تعد بما لا تملك لمن لا يستحق , ومناطق في دوائر الاهتمامات العالمية لغايات احتلالها وسلب ثرواتها خدمة للمشاريع الاستعمارية والصهيونية , وتشتت المتشتتون اصلا إلى شظايا , إلى حد تشظي المواطن العربي نفسه إلى أكثر من انتماء وولاء وفكر وعقيدة , من هنا , تبرز أهمية تعيين نقاط التقاء فكرية , لها من الصفات والخصائص ما يجعلها فاعلة تؤدي الغرض الذي من اجله وجدت . ولا بد من وجود جهات قيادية مسئولة على قدر عال من القدرة والاختصاص والإخلاص للأمة وأهدافها لتحدد هذه النقاط في كل مرحلة, مراعية تطور الأحداث , وبعد كل اعتداء من أعداء هذه الأمة , الذين جعلوا من الحروب والأزمات عنوانا لحياتنا , فبتنا نشهد بفترات زمنية متقاربة العديد منها , وما نكاد نخلص من واحدة حتى نجد أنفسنا في واحدة أخرى أدهى وأمر. تنطلق هذه النقاط من ثوابت فكرية وسياسية للأمة جامعة كالماعون الواسع , متفق عليها ومعروفة للجميع .
الأردن , وطننا العزيز , جزء من هذه الأمة واقعا ودستورا , لم يسلم من التشتت , والمتتبع لما يكتبه أبناؤه في وسائل الإعلام المتاحة , والى ما يدور بين الناس من أحاديث , يدرك ما وصل إليه هذا الحمى من حالات التيه, في الفكر والممارسة . البعض من أبناءه يتألم ويحزن ويكظم غيضه, ويتساءل إلى أين ؟ البعض يجاهر بخطاب الفتنة ولا يبالي , الدين الحنيف لم يسلم من التحريف والتوظيف والمتاجرة ووجد من يسخره لغايات شخصية , الوطنية أصبحت شعارات وهتافات وسحجة . النفاق فاق كل المناسيب إلى حد خروجه عن معناه , الفساد اعيي من يداويه ويكافحه , الصمت واللامبالاة والرخاوة صفات ملازمة لمعظم المواطنين الذين تحول معظمهم إلى سكان لعدم فهمهم للمواطنة الحق , وغياب النموذج الصالح أو إهماله في زحمة الأحداث ,ومنها ما حدث مؤخرا على سبيل المثال . الحاجة ملحة إلى تحديد نقاط التقاء لمكونات الشعب ألأردني يضعها العارفون موضع الثقة والاحترام , ومن غير المجربين سابقا.
مفاهيم ومصطلحات كثيرة تشتت الأردنيون حولها , على رأسها مؤسسة العرش ونزاهتها ,وظهور ما يؤكد على إعادة النظر في علاقتها بمتطلبات شعبية ظهرت مؤخرا من الحراك الإصلاحي , منها تفسير للمادة الدستورية التي تنص على ان الحكم نيابي ملكي وراثي , وهذا بدوره يبرز الحاجة إلى تفعيل الحياة الحزبية لفرز أحزاب قادرة على تشكيل الحكومات صاحبة الولاية بحق , والحاجة إلى تشريعات تتعلق بقوانين الأحزاب والانتخابات . مفهوم المواطنة اهتز لطبيعة التركيبة السكانية وتشتت الأردنيون حوله ولا بد من مجابهة هذا الموضوع بكل جرأة ووضع نقاط التقاء تضمن العيش المشترك المطمئن للجميع . القضية الفلسطينية وإعادة النظر بإدارة الصراع العربي الإسرائيلي وتحديد فلسطين التاريخية والحقوق وتحصيلها على أن لاتكون على حساب الأردن وهوية أبناءه , من الأمور التي لابد من تحديد نقاط التقاء حولها . إيجاد خطاب سياسي معتمد لا نخدع به أنفسنا والآخرين حول علاقتنا مع القوى المؤثرة إقليميا ودوليا .
المواطنون العرب يتمنون لو أن قيادة عربية شاملة تحدد لهم نقاط الالتقاء وتقودهم إليها , ويتمنون لو أن جامعة الدول العربية تقوم بهذا الدور التاريخي , ولكنه وللأسف الشديد , لعجزها واختطافها من قبل جهات عربية , جعلت من الضروري قيام أفراد أو تيارات بهذا الدور, أو المحاولة في سبيل ذلك . كأردنيين حبانا الله بنعمة المذهب الواحد وصفاء العقيدة وانتفاء الصراعات ذات البعد المقدس , تجعل منا نموذجا محتملا للإصلاح وتلمس طريق الرشاد . إن خلافاتنا لاتصل إلى حد الاستعصاء على الحلول ولا يحول بيننا وتلك الحلول إلا التخلص من الأنانية وحب الذات والرغبة في أن نكون جميعا في الصفوف الأولى . المتابع لأدبيات الأردنيين اليوم يدرك أننا وصلنا إلى مرحلة الشعور بالخطر على هويتنا وعقيدتنا , وما الإحداث الأخيرة إلا اكبر دليل على ذلك . الفرصة مواتية والحاجة ملحة لقيام من يتبنى مشروع " "تعالوا إلى كلمة سواء " إعلاميا وفكريا بنية صادقة وإرادة حديدية وعزم لا يلين وبنفوس لا تعرف اليأس من رحمة الله. قد يكون شعار " بناء اردن حديث " عنوانا مناسبا وقصدا واجب التحقيق لمثل هذا المشروع . ....والله من وراء القصد