24-01-2012 07:58 AM
كل الاردن -
الدكتور حسين عمر توقه
قام حزب المحافظين البريطاني عام 1905 بتوجيه الدعوة الى كل من فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وإيطاليا لعقد مؤتمر يتم من خلاله وضع سياسة لهذه الدول الإستعمارية تجاه العالم وبالذات تجاه العالم العربي وفي عام 1907 أنبثقت وثيقة سرية عن هذا المؤتمر سموها " وثيقة كامبل " نسبة الى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بنرمان "
" إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان والحضارات . ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان "
" هناك دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديداً لتفوقها وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام "
" لقد دعا مؤتمر بنرمان الى إقامة دولة في فلسطين بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب العربية ألا وهي دولة إسرائيل "
" يشكل هذا المؤتمر النواة الأساسية والتي انبثق عنها كل من اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ومؤتمر فرساي ومؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر ومعاعدة لوزان وبصدور قرار التقسيم 181 بتاريخ 29/11/1947 وإعلان قيام دولة إسرائيل بتاريخ 15/5/1948 وبتاريخ 11/5/1949 تبوأت اسرائيل مقعدها في الأمم المتحدة بصفتها العضو 59 في المنظمة الدولية "
وبعد قرن من الزمان على عقد هذا المؤتمر . لن يكون هناك سلام وأمن في المنطقة العربية قبل التوصل الى حل نهائي للقضية الفلسطينية .
إن الخطر الأكبر بالنسبة الى الأردن لا يأتي من الداخل ولا من ثورات ما يسمى بالربيع العربي وإنما يكمن الخطر حين تقرر اسرائيل ضم الضفة الغربية وتكتمل فصول أكبر عملية تهجير لشعب من أرضه وتكتمل فصول اكبر جريمة إنسانية في التاريخ
لقد تمكنت اسرائيل من تحييد القوة العسكرية لجمهورية مصر العربية بتحويل صحراء سيناء الى منطقة معزولة من السلاح وهي تحاول ألآن تحييد سوريا ولبنان والعراق والسعودية بعد أن تمكنت من تحييد الأردن من خلال المعاهدة الأردنية الإسرائيلية
لا شك بأن اكتشاف الغاز في قبالة سواحل غزة سوف يزيد من عمليات العنف والقمع في قطاع غزة
هناك الكثير من الدول العربية التي ترغب في إيجاد حل للقضية الفلسطينية وتريد تطبيع علاقاتها مع إسرائيل أو على الأقل إنهاء حالة العداء مع إسرائيل
لقد وصل اليأس بالقيادة الفلسطينية حداً لم يسبق له مثيل فهي مقيدة من كل الجهات . الدول العظمى تصب في مصلحة إسرائيل . مجلس الأمن يصوت لمصلحة إسرائيل . والدول العربية لم تعد تنظر الى القضية الفلسطية باعتبارها القضية الرئيسة لا سيما بعد تعاظم أثر الثورات واهتمام رؤساء الدول بترسيخ وتوطيد أنظمة حكمهم . كما أن تعاظم النفوذ الإيراني في كل من العراق ولبنان وسوريا وفي منطقة الخليج قد دفع بعض الدول العربية الى خلط الأوراق وتغيير الأولويات باعتبار أن اسرائيل اقل خطراً من إيران على بعض دول الخليج .
كما أن الخلاف بين منظمة التحرير وحماس لا زال مسيطراً على القيادتين ويدفع ثمنه الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
والتعصب الإسرائيلي الأعمى والتصريحات الهوجاء لرئيس الوزراء نتنياهو وإصراره في استمرار سياسة الإستيطان ورفضه حق العودة و تصميمه أن القدس هي عاصمة إسرائيل الأبدية الموحدة وأن الضفة الغربية يتوجب إبقاؤها منطقة منزوعة من السلاح بإستثناء السلاح الإسرائيلي وأن تكون إسرائيل هي المسؤولة عن النقاط الحدودية بين فلسطين والدول العربية وعدم تحديد جدول زمني للتوصل الى أي إتفاق . هذه الشروط الموغلة في العنجهية والتطرف في فرض شروط مذلة ليس على القيادة الفلسطينية فحسب وإنما على كل القيادات العربية
كل المعابر مغلقة ففلسطين هي سجن واسع والشعب الفلسطيني يعتمد على إسرائيل في نفطه وغازه ودوائه ولا تصل المساعدات الأجنبية الأمريكية والأوروبية والعربية إلا من خلال البنوك الإسرائيلية . والإحتلال الإسرائيلي هو آخر احتلال عسكري في العالم وهذا الإحتلال يشكل لطخة عار في جبين العالم بأسره وعلى رأسهم العالم الإسلامي والقيادات العربية والولايات المتحدة
لقد اكتشف الغرب في بداية القرن العشرين النفط العربي وبالذات عام 1905 وأدركوا أن المنطقة العربية من أقصى الشرق الى أقصى الغرب تضم في جنباتها أكبر مخزون للنفط في العالم وبدأ الصراع بين الدولة العالمية الفتية الولايات المتحدة وبين دول أوروبا الباردة في السيطرة على منابع النفط منذ عام 1905
وقبل التطرق الى وثيقة السير هنري كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا (1905-1908) لا بد لنا أن نتوقف عند محطتين رئيستين من محطات التاريخ حتى تتضح لنا الصورة كاملة
1: المؤتمر الصهيوني الأول
لقد تم عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897 بمشاركة كافة ممثلي الجاليات اليهودية في العالم من أجل إنشاء وطن قومي لليهود بزعامة ثيودور هرتزل وتم اتخاذ القرارات التالية
• إن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين بالوسائل التالية . تشجيع الهجرة اليهودية الى فلسطين . تنظيم اليهود وربطهم بالحركة الصهيونية . واتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني( إعطا ءه شرعية دولية).
• تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بقيادة ثيودور هرتزل
• تشكيل الجهاز التنفيذي " الوكالة اليهودية " لتنفيذ قرارات المؤتمر ومهمتها جمع الأموال في صندوق قومي لشراء الأراضي وإرسال المهاجرين لإقامة المستعمرات لليهود في فلسطين
بعد انتهاء أعمال المؤتمر الصهيوني الأول خرج ثيودور هرتزل على الصحفيين والإبتسامة العريضة تعلو شفتيه وقال لهم لقد قررنا إنشاء الوطن القومي لليهود وقد تضحكون إذا أخبرتكم أن هذا الوطن سيتحقق خلال خمسة أعوام وعلى الأغلب خلال خمسين عاماً على الأكثر .
وفي عام 1948 تم الإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل في أرض فلسطين المقدسة في قلب العالم العربي وفي قلب العالم الإسلامي.
2: السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد
قام ثيودور هرتزل بإرسال رسالة الى السلطان عبد الحميد الثاني وهذا نصها " ترغب جماعتنا في عرض قرض متدرج من عشرين مليون جنيه استرليني يقوم على الضريبة التي يدفعها اليهود في فلسطين الى جلالته . تبلغ الضريبة التي تضمنها جماعتنا مائة ألف جنيه استرليني في السنة الأولى وتزداد الى مليون جنيه استرليني سنويا ويتعلق هذا النمو التدريجي في الضريبة بهجرة اليهود التدريجية الى فلسطين. أما سير العمل فيتم وضعه في إجتماعات شخصية تعقد في القسطنطينية . مقابل ذلك يهب جلالته الإمتيازات التالية ...
الهجرة اليهودية الى فلسطين التي لا نريدها غير محدودة فقط بل تشجعها الحكومة السلطانية بكل وسيلة ممكنة وتعطي المهاجرين اليهود الإستقلال الذاتي . المضمون في القانون الدولي وفي الدستور والحكومة وإدارة العدل في الأرض التي تقرر لهم ( دولة شبه مستقلة في فلسطين )
ويجب أن يقرر في مفاوضات القسطنطينية الشكل المفصل الذي ستمارس به حماية السلطات في فلسطين اليهودية وكيف سيحفظ اليهود أنفسهم النظام والقانون بواسطة قوات الأمن الخاصة بهم.
قد يأخذ الإتفاق الشكل التالي يصدر جلالته دعوة كريمة إلى اليهود للعودة الى أرض آبائهم . سيكون لهذه الدعوة قوة القانون وتبلغ الدول بها مسبقاً.
ولقد رفض السلطان عبد الحميد مطالب هرتزل حيث جاء في رده " إذ ان الإمبراطورية التركية ليست ملكا لي وإنما هي ملك الشعب التركي فليس والحال كذلك أن أهب أي جزء فيها ..... فليحتفظ اليهود ببلايينهم في جيوبهم ... فإذا قسمت الإمبراطورية يوما ما فقد يحصلون على فلسطين دون مقابل . ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا "
وفي وثيقة تاريخية مكتوبة بيد السلطان عبد الحميد الثاني بعد خلعه هي عبارة عن رسالة الى شيخه الشاذلي محمود أبي الشامات جاء فيها "إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الإتحاد المعروفة بإسم ( جون تورك) وتهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة. إن هؤلاء الإتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة ( فلسطين ) ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف وأخيراً وعدوا بتقديم 150 مائة وخمسين مليون ليرة انجليزية ذهبا فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضاً . وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي ( إنكم لو دفعتم ملء الأرض ذهباً فضلا عن 150 مائة وخمسين مليون ليرة انجليزية ذهبا فلن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضا) . وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي . وأبلغوني أنهم سيبعدونني الى ( سلانيك ) فقبلت بهذا التكليف الأخير. هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشىء عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين "
3: وثيقة كامبل السرية
دعا حزب المحافظين البريطاني كلا من فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا عام 1905 الى عقد مؤتمر سري استمرت مناقشاته لمدة عامين وتم التوصل في نهاية المؤتمر الى وثيقة سرية عرفت بوثيقة كامبل نسبة الى رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت هنري كامبل بنرمان
ولقد توصل المجتمعون الى نتيجة مفادها " إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان والحضارات والإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان" وإن أبرز ما جاء في توصيات هذا المؤتمر 1: الإبقاء على شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة
وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة اليهم الى ثلاث فئات
الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية ( دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأوستراليا ) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل الى أعلى مستوى من التقدم والإزدهار
الفئة الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديداً عليها ( كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديداً عليها وعلى تفوقها
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديداً لتفوقها ( وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام ) والواجب تجاه هذه الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لإمتلاك العلوم التقنية.
2: محاربة أي توجه وحدوي فيها
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر الى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ألا وهي دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة.
لقد تم عرض مئات من البحوث ومن الدراسات والأوراق كثير منها لم يتم الكشف عنه . ولعل أكتشاف النفط في العالم العربي والى ظهور منافس قوي في هذا المجال ألا وهو الولايات المتحدة قد سَرع في تنفيذ مقررات هذا المؤتمر من أجل السيطرة على هذه الثرة واحتلال العالم العربي وتقسيمه . فنجم عنه اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917 ومؤتمر فرساي عام 1919 ومؤتمر سان ريمو عام 1920 ومؤتمر سيفر عام 1920 ومؤتمر سان ريمو عام 1923 وتم تتويجه بقرار الأمم المتحدة الظالم رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 القاضي بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس وتبعه بتاريخ 15/5/1948 وثيقة إعلان دولة إسرائيل وبتاريخ 11/5/1949 تبوأت إسرائيل مقعدها في الأمم المتحدة بصفتها العضو 59 في المنظمة الدولية
والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن الى من تتوجه الحكومة الفلسطينية لإيجاد حل لقضيتها هل تتوجه الى الدول العربية هل تتوجه الى الأمم المتحدة هل تتوجه الى الدول الأوروربية أم هل تتوجه الى الولايات المتحدة.
drht1@hotmail.com