أضف إلى المفضلة
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024


مقام «الفكرة» ورعودها !
18-02-2012 09:05 AM
كل الاردن -

alt
 حسين الرواشدة

 
الفكرة تشبه البرق” تماماً، فكما أنه في لحظة ما تتصادم الشحنات المتنافرة لكي يتشكل “البرق” بأطيافه المتناغمة والموحدة، ويجلجل بعده صوت الرعد مؤذناً بـ”قيامة” المطر، تخرج “فكرة” الناس فجأة، وبلا موعد، نتيجة اصطدام ارادتهم ومطالباتهم واحلامهم بجدار “اليأس”، وما احتشاد الشعب وصخب اصواته بعد ذلك الا صدى “الرعد” الذي يعلن “قيامة” الارادة من جديد.

وكما ان “البرق” يمهد لنفسه باجتماع الغيوم وتراكمها، وحركة الرياح وعواصفها، تمهد الفكرة لنفسها على مراحل، فثمة مرحلة يدور فيها الناس حول “اشيائهم” ومطالبهم ورغباتهم، وثمة مرحلة يدورون فيها حول “اشخاص” يستنيرون بهم او قد يتوهمون احياناً بأن خلاصهم في ايديهم، وثمة مرحلة اخيرة فيها تلد “الفكرة” الجامعة فيدورون حولها، مؤمنين بها وجاهزين للتضحية من اجلها بكل شيء.

في لحظة ميلاد “الفكرة” تخرج الثورة من رحمها، وتبزع كما لو انها “شمس” جديدة، تشرق فينبعث ضوؤها ودفؤها من كل مكان لينتشر في كل مكان، وفي تلك اللحظة “يلد” الانسان الجديد، او كأنه يعود الى فطرته الاولى، لا يوجد في ذهنه شيء، ولا يحمل اي مشروع, ولا يفكر الا بإسدال الستارة ليبدأ “عمره” من جديد.

من يلد الفكرة لا ينشغل بما بعدها، فمهمته تنتهي - في الغالب - بعد تلك اللحظة التي ينتهي عندها الزمن القديم، ومن يحملها بعدئذ - في الغالب - هم “الآباء” الذين أسعدهم خبر “الولادة”، والابناء “الجدد” الذين انتسبوا اليها بعد ان وضعت “اثقالها”، هؤلاء يبدأون بصياغة المرحلة الانتقالية واعادة تشكيل الفكرة لتدخل في عباءة “السياسة” أو المجال العام، باجتهاداتهم، ولا يهم - هنا - اذا ما كان البعض خرج خاسراً أو رابحاً، أو فيما اذا كانت الصراعات على “الكعكة” قد أفرزت نقائض للثورة ومصدات ضدها، المهم هو ان “التربة” اصبحت قادرة على استيعاب الجميع، وان الجميع صاروا أكثر “قابلية” للتحرر من الخوف والأنانية والعداء.. والالتصاق اكثر بفكرة “الوطن” والأمة.

فضيلة الفكرة ليست فقط انها وتكشف المستور وتُعيد دورة الزمن من جديد، وانما - ايضا - انها تسقط “الأفكار” المغشوشة والقيم الفاسدة والاعتبارات غير الصحيحة، تسقط “قداسة” الاشخاص وأوهام الانتماءات، تسقط منظومة التزلف والنفاق، تسقط دعوات الخوف والطاعة العمياء، تسقط “كذبة” التنمية والانجاز، وخدعة الأرقام التي توهمنا بأننا في افضل حال.

نسخة التغيير واحدة، لكن “ظروف” ولاداتها تختلف من بلد لآخر، ومن زمن لآخر، ثمة افكار ولاداتها طبيعية واخرى “قيصرية” وثالثة متعسرة، لكن لا أحد يستطيع ان يتنبأ “بموعد” محدد للميلاد، ولا أحد يستطيع ان “يمنعها” أو يجهضها، ولا احد يستطيع ان يدعوها لنفسه أو يتبناها، فالفكرة عابرة للأسماء وللأزمان وللأمكنة ايضاً.

ومع ذلك، ثمة “مخاضات”، واشارات تفصح عن اقتراب أوانها، وآيات تستعجلها، وازمات تدفعها, وعيون تنظر اليها من بعيد، وان شئت ثمة “فورات” تُنبئ.. وغيوم تتلبد لتنشأ بروقها ورعودها.. وثمة دعوات للاستمطار، ماء الفكرة وشتاؤها.. واستسقاء “بركاتها” المحتجبة!

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
18-02-2012 12:55 PM

كل مقالتك ممتازه لله و الوطن و المواطن..

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012