أضف إلى المفضلة
السبت , 18 أيار/مايو 2024
السبت , 18 أيار/مايو 2024


هل تعيدنا الشراكة لتجربة الخصخصة سيئة السمعة؟!
01-03-2012 10:23 AM
كل الاردن -

alt
 د. علي المستريحي
 بعد الفشل الذريع للمشروعات التي تمت خصخصتها خلال العقد الماضي في الأردن ضمن ما يُعرف "ببرنامج التحول الاقتصادي"، يتجه الأردن –كغيره الكثير من دول العالم- لخيار الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP). والواقع أن الشراكة هي نموذج يكاد يكون حديثا حتى لدى الدول المتقدمة التي اخترعتها، بهدف إعادة ترتيب العلاقة بين القطاع العام والخاص. ويعني هذا –بكل تأكيد- أن هذا النموذج لا يزال للآن في طور التجربة والخطأ على مستوى العالم.
 ورغم ما ينطوي عليه مفهوم الشراكة من الميزات النسبية الواضحة التي تميزه عن التخاصية أو الخصخصة (Privatization)، حيث أن معظم ترتيبات الشراكة ونماذجها لا يصل الى الحد الذي تفقد فيه الحكومة ملكيتها للمشروع الاقتصادي أو المؤسسة العامة نهائيا (كما هو حال التخاصية)، الا أن المتتبع والمهتم بشأن السياسة العامة، وتحديدا في الأردن، يلحظ بوضوح أننا قد نكون نلهث –كعادتنا دونما وعي أو ادراك- وراء تكرار ذات التجربة سيئة السمعة والصيت، تجربة الخصخصة التي أضرت بنا وباقتصادنا جراء بيع مؤسساتنا العامة ومواردنا الوطنية التي شكلت جزء مهم من ثقافتنا وهويتنا الوطنية (كالفوسفات والاسمنت وغيرهما) للقطاع الخاص دون رحمة أو أمل باستعادتها، وربما إلى الأبد. ما يمكن أن يكون أكثر إيلاماً وحزنا، أن نعود بعد عقد من الزمن وقد وجدنا أنفسنا ندور بذات الدائرة الفارغة، عائدين الى المربع الأول، نجلس على قارعة الطريق، نندب حظنا (والعيب فينا)، نمنّي أنفسنا أن يعود بنا الزمن لعام 2012م، ونحن نطْبق كف على كف: ليتنا كنا أكثر حكمة وتعقلا في خياراتنا! لن يتحمل الأردن ضياع عقد آخر من شبابه بمستقبل مجهول!
 فكرة الشراكة خرجت من رحم أمريكا في ثمانينات القرن الماضي كما خرجت التخاصية قبلها من رحم التاتشرية البريطانية. فالمملكة المتحدة تعتبر الأم الحاضنة عالميا لتبني وتطبيق التخاصية بامتياز. ولكنها لم تعاني ربع ما ما عانينا نحن في الأردن، حتى دون مقارنة حجم الاستثمارات وعدد مشاريع الخصخصة.
 والشراكة في الأردن ليست أسلوبا أو تجربة حديثة جدا. فقد قام عدد منها بعد عام 2000م والعديد منها على قائمة الانتظار، بعض تلك التي قامت فعلا نال حظا من النجاح (مشروع السمرا لتنقية المياه العادمة)، ونال بعضها حظا من الفشل (مبادرة التعليم الأردنية). وبكل الأحوال، فمن المبكر تماما الحكم على مدى نجاحها أو فشلها، خاصة أن عقود الشراكة يستمر معظمها لعقود ثلاثة ويزيد. ولكن المتتبع لتوجهات الشراكة في هذه المرحلة بالأردن، ينتابه قلقا لا يمكن مُداراته. على الأقل، من تلدغه أفعى يعيش دهرا يخاف من حبل ملقى على الطريق!ّ هنا، تحضرني تلك الدراسة (المتحيزة العرجاء) التي قام بها فريق متخصص من الخبراء عام 2008 بتمويل من الإتحاد الأوروبي لتقييم أثر عمليات الخصخصة على الاقتصاد الأردني خلال الفترة من 1994-2008م، حيث خلصت الى "أن الأثر كان ايجابيا"!
 ونحن هنا لا نغفل الايجابيات الكبيرة للشراكة، حتى دون مقارنتها بالخصخصة، باعتبارها (الشراكة) نموذجا "أكثر رحمة"، وتحديدا تلك النماذج منها التي تعود فيها الملكية للحكومة عند انتهائها. إلا أن الباحث بشأنها والمطلع عى أسرارها من خلال تجارب الدول التي سبقتنا بها، يلحظ التردد الواضح لتلك الدول لاستخدام بعض أو معظم نماذج الشراكة. ناهيك عن الفشل الذريع التي منيت به بعض مشاريع الشراكة عالميا والنتائح الوخيمة التي آلت اليها تلك المشاريع قبل انتهاء عقودها. لقد ربط الدارسون للشراكة أسباب ذلك الفشل بسوء ادارة المشروع عند البدء فيه، وقبل ذلك والأهم منه، التسرع بإقامة المشروع وعدم النظر لخيارات أخرى قد تكون أكثر فاعلية في ظل ظروف الدولة وطبيعة المشروع ذاته.
 إذن، المشكلة هنا لا تتعلق بفكرة الشراكة ذاتها، ولكنها تتعلق بسلوك وظروف تطبيقها وطريقة اداراتها قبل وعندما تنشأ. فالدارس لأدبيات الشراكة وتجاربها على مستوى العالم، يخلص بوضوح الى أنه من أهم متطلبات نجاح الشراكة مراعاة البيئة السياسية والاستثمارية الاقتصادية والقانونية التشريعية والاجتماعية لكل دولة ولكل مشروع. ويلحظ المتابع أيضا أهمية أن تكون الثقافة التنظيمية البينية بين المؤسسات الداخلة في مشاريع الشراكة، والثقافة المجتمعية ككل داعمة ومعززة لهذا النوع من المشاريع. إنّ واحدا من أهم أسباب فشل مشاريع الخصخصة في الأردن هو أيضا الاستعجال في عمليات بيع مواردنا الوطنية وأن البائعين كانوا بعيدين كل البعد عن الثقافة الأردنية التي لا زال يحرّم فيها الأردني على نفسه بيع ما يمكن أن يمس كرامته وعزته حتى لو بات جائعا غير كاسٍ. ونحن نذكر كيف قدّمت الحكومة الأمريكية الدعم المالي والمعنوي لشركة (فورد) بداية الألفية الجديدة عندما أفلست ووصلت شفير الانهيار. لقد كان منطقها أن فورد تمثل الثقافة والتقاليد الأمريكية الأصيلة، وأن الحفاظ عليها هو الحفاظ على الوطن، رغم أنها ليست حتى مؤسسة عامة! وكغيري ممن عاشوا خارج الوطن، كنت أجد من السهل أن أعرّف الأردن لمن يسألني، فأختصره مثلا بالحسين! وكان أيضا سهل عليّ أن أصف ما الذي يقدمه الأردن للعالم، فأجيب: الفوسفات والعقبة! لقد رحل الثلاثة لغير رجعة، أما أنا (وغيري الكثير) لا زلنا نبحث عن إجابات أخرى!
 ومن واقع معرفتنا بالثقافة المؤسسية الأردنية وبالطريقة التي يفكر بها ويسلكها معظم صنّاع السياسة العامة لدينا في الأردن، نشعر بالشك والقلق معا، اذا كنا ربما أمام بداية مرحلة جديدة لمستقبل اقتصادنا الأردني تتصف –مجددا- بفساد السلطة وتغول القطاع الخاص، تحت غطاء جديد، يعمل الفساد صامتا متواريا خلفه، ولا يعي لا المشرّع ولا صانع السياسة ولا المواطن الأردني البسيط الطيب متاهاته، تخت مسمى الشراكة.
أجل، يوجد فعلا ما يبرر هذا القلق، فبالأمس القريب، سمعنا من يتحدث عن حاجتنا لمؤسسات جديدة تعنى بشئون الاستثمار بالأردن: واحدة تُعنى بالاسثمار ترتبط برئاسة الوزراء وأخرى توفر خدمات استثمارية (بصلاحيات واسعة) ترتبط برئيس الوزراء وثالثة تعنى بشئون الإستثمارات الأجنبية وجمعية للمستثمرين الأجانب وفريق هنا وهيئة هناك! نتساءل أمام هذا التوجه بانشاء كل هذه المؤسسات: هل نحن أمام دورة جديدة من السياسة الحكومية غير المنضبطة، تعيدنا للمربع الأول، وتذكرنا بالمؤسسات التي أنشأت في العقد الماضي من عمر الأردن، وأصبحت عبئا كبيرا يثقل كاهلنا ويدمي رقابنا وقلوبنا ونتورط فيه؟
 في ظل هذا القلق، نجد لزاما أخلاقيا علينا –نحن من ندّعي معرفتنا بفلسفة الشراكة وتجاربها- أن ننبّه لمَواطِن الشرك المحتملة لهذا التوجه. واجبنا أن نقرع –بلطف واهتمام- ناقوس الخطر لنقول: نعم للشراكة كمساعدٍ لنا لحل مشكلاتنا، ولا للتهور والتطبيق الأعمى لنموذج غربي دون أن نبث فيه من روح ثقافتنا ونراعي فيه ظروفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها. فقط بالادارة الواعية العقلانية الرشيدة نعبر –بثقة- آفاق الشراكة بكل نماذجها.
 نعم، تحتاج الشراكة في الأردن لغطاء تشريعي قانوني يؤطّرها وينظَمها، وإعادة تنظيمٍ ومأسسة وتوجيه لمؤسسات قائمة أصلا (مثل الهيئة العامة للتخاصية- لتصبح للشراكة)، ولكنا –والأهم من ذلك- نحتاج للشفافية ولإغلاق المنافذ التي يعبر منها الفساد والمفسدون وللتطبيق السليم والادارة الواعية لمشروعات الشراكة. ونحتاج حصرا ما يخدم مصلحة الأردن أولا (قبل المستثمر الأجنبي)، ويُحدِث أثرا إيحابيا وفرقا في حياة الأردنيين ويؤكد المسئولية الاجتماعية لدى الشركات المستثمرة لإحداث التنمية المستدامة، ويعطي وزنا أكبر لتنمية واحترام الإنسان الأردني بكل رقاع الوطن. هكذا فقط يكون الإستثمار وتقوم الشراكة، وإلاّ فلا

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012