أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


"المرأة العربيـــة والربيــع العربــي"
22-03-2012 09:13 AM
كل الاردن -

alt

 
 الدكتور محمد تركي بني سلامة


 خلال عامي 2010 و 2011 وفي هذا العام 2012 شهد العالم العربي واحدة من أهم الأحداث والتطورات خلال القرنين العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، وهي موجة من الاحتجاجات والمظاهرات والثورات وصولاً إلى الحرب الأهلية وذلك لإسقاط حكم الطغاة في أكثر من بلد عربي. هذه الأحداث بدأت في 18/12/2010 في تونس عندما أقدم الشاب محمد بوعزيزي إلى إحراق نفسه، ثم توسعت دائرة الاحتجاج، وأدت في نهاية المطاف إلى إنهاء حكم زين العابدين بني علي، وبدأت تونس ديمقراطية ناشئة؛ نأمل أن تترسخ وتتعزز.
 لقد أصبحت الثورة التونسية مصدر إلهام لعدد من شعوب الوطن العربي، فانتقلت الثورة إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا، وعمت مظاهر الاحتجاج معظم دول الوطن العربي من البحرين شرقاُ إلى المغرب العربي غرباً مروراً بالكويت والسعودية والعراق والأردن والجزائر. وهذه الثورات أدت لحد الآن إلى إنهاء حكم الاستبداد في مصر وليبيا واليمن، ويمكن القول أن بذور هذه الثورات متوفرة في كافة الدول العربية، إذ لا يوجد بلد عربي بمنأى عن هذه الثورات أو ما يمكن أن نعتبره استثناء.
 في كافة دول ما اصطلح على تسمية الربيع العربي، وفي كافة الثورات التحررية التي شهدها العالم العربي خلال الـ100 عام الماضية كانت المرأة العربية الحاضر الغائب في هذه الثورات. ففي الماضي كانت الأولوية لقضية التحرر الوطني إذ لا معنى أو قيمه للحديث عن الحريات أو حقوق المرأة في ظل الاستعمار الأجنبي، وقد شاركت المرأة العربية الرجل في النضال والكفاح ضد المحتل، ومن الصور الناصعة للمرأة في هذا المقام الدور الذي لعبته المرأة الجزائرية أثناء الثورة الجزائرية 1956-1962، وأقتبس على سبيل المثال ما ذكره المفكر الفرنسي فرانس فانون في كتابه: استعمار ميت عن دور المرأة الجزائرية: ((أصبحت المرأة كلياً وعمداً مغمورة بالعمل الثوري. كانت هي التي تحمل في حقيبتها القنابل اليدوية والمسدسات التي تسلمها للفدائي في اللحظة المناسبة..... وذلك في مرحلة كان الجزائريين يعاملون بلا رحمة من قبل المستعمر الفرنسي حيث التفتيش والاعتقال والتعذيب. )) وتعج الذاكرة الوطنية الجزائرية بأسماء نساء خالدات ممن لعبن درواً بارزاً في مقاومة المتسعمر الفرنسي منذ حطت أقدام الفرنسيين على التراب الوطني الجزائري عام 1830 حتى رحيله عام 1962 ومن هذه الأسماء فاطمة اللالا وجميلة بوحيرد وحبيبة بن بوعلي.
 لقد لعبت المرأة الجزائرية دوراً بارزاً في حرب التحرير حيث عملت ساعية courier لنقل الرسائل والأخبار والمعلومات، وعملت حتى في القتال المباشر، وفي كافة جوانب الصراع مع المستعمر. وكانت المرأة الجزائرية تأمل أن يكون الاستقلال السياسي من المستعمر الفرنسي خطوة على طريق المساواة. ولكن للأسف بعد الاستقلال وجدت المرأة الجزائرية نفسها في وضع أصعب أو أسوأ مما كانت عليه قبل الاستقلال؛ فلا فرص ولا تعليم ولا وظائف أمام جدار تحامل الرجل في كل منعطف وعلى كافة الصعد.
 وعندما اندلعت الحرب الأهلية في الجزائر عام 1988، فقد كانت معاناة المرأة الجزائرية مزدوجة، ففي الحروب ولا سيما الأهلية منها تقع أسوأ الانتهاكات لحقوق الإنسان، وخصوصاً المرأة في ظل انتشار الفوضى وانعدام الأمن، مما يشكل بيئة خصبة لمعاناة المرأة، وتعرضها للاضطهاد أو القتل أو الاغتصاب. وفي الحرب الأهلية الجزائرية كانت المرأة على رأس قائمة المتشددين، الذين يؤمنوا أن مكان المرأة هو البيت، وأن عليها ارتداء الحجاب. فالمرأة التي تضع مساحيق التجميل "المكياج" أو ترتدي اللباس الحديث أو تعمل خارج المنزل لمساعدة نفسها وعائلتها أو تعيش لوحدها لأسباب متعددة؛ كأن تكون أرملة أو مطلقة كانت من وجهة نظر المتشددين "فاجرة" تستحق القتل. لا بل وصلت الأمور في أحد مراحل الحرب الأهلية في الجزائر أن تكون جريمة المرأة أنها متزوجة من عسكري أو رجل أمن. وفي عام 1994 أعلن المتشددون أن المرأة التي تخرج إلى الشارع بدون حجاب سيتم قتلها ونفذ المشددون تهديدهم بقتل فتاة عمرها 17 عاماً. وعندما بدأ العام الدراسي عام 1994 هدد المتشددون بقتل 7 ملايين طالب وطالبة ومدرسيهم إذا لم يتم منع الاختلاط في المدارس بين الذكور والإناث واراتداء الإناث الحجاب.
 لا شك أن تأويل النص الديني من وجهة نظر البعض، وغياب قيم الحوار والتسامح، يمكن أن يؤدي بالمجتمع إلى أوضاع مأساوية، أسوأ مما كانت عليه في الجزائر في الحرب الأهلية. وبالمجمل المسيرة التاريخية للشعوب العربية تشير بوضوح إلى أنه كان دائماً يتم إنكار دور وجهود وتضحيات المرأة في مرحلة ما بعد الثورة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا هذا الإنكار لدور وجهود المرأة ولماذا لا تزال المرأة العربية تعاني من التهميش والإقصاء في مختلف مجالات الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. وثمة أسئلة أخرى تحتاج إلى إجابات في هذا المقام مثل: هل يحمل الربيع العربي أية أزهار للمرأة؟ وماذا تريد المرأة العربية؟ ولماذا الحديث عن تمكين المرأة؟. هذه الأسئلة وغيرها تساعد في إلقاء الضوء على هذا الموضوع البالغ الأهمية الآن وفي كل الأوقات، وسنحاول الإجابة عليها من خلال استعراض سريع لواقع المرأة في دول الربيع العربي قبل وبعد الثورة وكذلك واقع المرأة في بعض الدول العربية.
 
 تونس:
 إن لتونس تاريخ طويل في احترام المرأة وهي أول دولة عربية تلغي قانون تعدد الزوجات وتمنح المرأة حقوقها السياسية والمهنية.
 بعد نجاح الثورة شهدت تونس أول انتخابات ديمقراطية نزيهة شارك بها 90% من الناخبين التونسيين وهذه نسبة عالية جداً وفق المقاييس العالمية وحصل في هذه الانتخابات حزب النهضة على أغلبية في المجلس تصل إلى 50% من عدد المقاعد.
 من التطورات الملحوظة في هذه الانتخابات أن نظام الحصص quota قد كفل ما نسبته 25% من المقاعد للنساء وكانت مشاركة المرأة عالية، فمعظم المراقبين على عملية الانتخاب كانوا من النساء ولكن هذا لا يكفي للتفاؤل، فقد أكد المتحدثون الرسميون لحزب النهضة أن الحزب سوف يركز على الاقتصاد والاستقرار وتشجيع الاستثمارات وتقديم وعود بحياة كريمة لجميع التونسيون ولكن بنفس الوقت إجراء تغييرات على الوضع القانوني للمرأة وغيرها من القضايا التي تتناول العلاقة بين الدين والدولة. لذلك من المبكر التنبؤ بأن تونس ستكون نموذج للتغيير الديمقراطي في العالم العربي وإن كنا نأمل أن تكون تونس كذلك. لكن المؤشرات القادمة من تونس غير واعدة.
 
 مصر:
 وفي مصر لعبت المرأة دوراً حاسماً في إسقاط نظام حسني مبارك وتعرضت النساء أثناء الاحتجاجات للاعتداءات واستشهدت أكثر من ناشطة، ولكن تاريخياً كان يتم استثناء المرأة ولم تمثل إطلاقاً في المجلس الانتقالي، ولم تمثل في اللجنة التي صاغت الدستور واقتصر تمثيلها في الحكومة على وزارة واحدة وهناك حديث عن التراجع عن بعض المكاسب التي حققتها المرأة في الماضي ولا سيما في قضايا مثل الطلاق وختان الإناث.
 
 ليبيا:
 ومنذ الأيام الأولى للثورة لعبت المرأة دوراً حاسماُ في تحرير ليبيا، فكانت الحائكة التي تصنع أعلام الاستقلال، التي أخذت تنتشر في مناطق الثورة وكانت المرأة حاضرة في قلب الصراع في تأمين وجبات الطعام للثوار وفي معالجة الجرحى وفي معالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية.
 ولكن ماذا جنت المرأة من كل هذا هل ستشارك في ليبيا الجديدة؟ مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي قال أنه عندما يتم تحرير ليبيا سيتم إعادة النظر في القوانين التي تقيد حرية تعدد الزوجات وذلك على أساس الشريعة الإسلامية.
 
 في اليمن:
 توكل كرمان المرأة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل في العام الماضي تتويجاً لنضالها من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في اليمن تستعرض جانباً من النجاح الذي حققته المرأة اليمنية فتقول:
 ((المرأة اليمنية التي اعتادت أن تكون غير مرئية في الساحات العامة، تشارك الآن بشكل كبير في حركة الاحتجاج "الثورة اليمنية"، وتؤكد بأن المرأة هي الحل لمشاكل لا تعد ولا تحصى-السياسية والاقتصادية والاجتماعية- التي تواجه العالم العربي. وحالة المرأة في أي بلد تعكس حالة البلد نفسه. ومن مصلحة الحكام المستبدين إبقاء المرأة مستعبدة ومُبعدة عن الحياة السياسية)).
 
 وبشكل عام لعبت المرأة دوراً حاسماً في دول الربيع العربي، ولا سيما من خلال مشاركتها على الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي Facebook و Youtube بنقل وتغطية أخبار الثورات.
 
 بقية دول العالم العربي:
 في بعض دول الوطن العربي التي شهدت انتخابات برلمانية جاءت النتائج مخيبة للآمال فيما يتعلق بحضور أو تمثيل المرأة، إذ لم تستطع أي مرشحة في انتخابات مجلس الأمة الكويتي من الوصول إلى قبة البرلمان وكذلك خلت تشكيلة الحكومة الكويتية من المرأة. في الأردن شكلت العديد من اللجان الوطنية المعنية بالإصلاح وكان تمثيل المرأة في هذه اللجان بالحد الأدنى وهكذا هو الحال في بقية الدول العربية.
 
 لماذا نريد مشاركة وتمكين المرأة؟
 خلال العقد الماضي أثبت البحث العلمي حقائق كنا نعرفها ونتجاهلها منذ زمن طويل وهي أن المرأة لا بديل لها ولا غنى عن دورها من أجل التنمية الاقتصادية والمجتمع المدني الفاعل والحكم الرشيد في عالمنا العربي. وأكدت تقارير التنمية الإنسانية هذه الحقائق، التركيز على المرأة هو خير وسيلة لمنع الزيادة السكانية، ولتحسين الصحة، والتقدم ورفع مستوى التعليم، وتشجيع الديمقراطية ومنع التطرف والعنف والإرهاب. هذه فوائد يستفد منها المجتمع ككل ويجنى ثمارها الدولة والمواطنين.
 وعلى مستوى التعليم المرأة قطعت أشواطاً على طريق المساواة مع الرجل، وهذا يتضح في مستوى مشاركتها السياسة، إشغال الوظائف....إلخ. ولكن هناك ثلاث مناطق في العالم لا تزال هناك فجوة بين الرجل والمرأة هذه المناطق هي: بعض دول جنوب شرق آسيا والعالم العربي وبعض دول جنوب الصحراء في أفريقيا.
 في العالم العربي مسألة حقوق المرأة على رأس الأجندة في الصراع بين المتشددين والمنادين بالحداثة والتنوير. الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة حاولت ولا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أن توجه جهودها لجهة تمكين المرأة ولكن سياسات الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي أفقدتها المصداقية وبالتالي كانت سياستها تعاني من عدم الثبات وعدم القبول الشعبي.
 التميز أو عدم المساواة يضر بالمرأة في المقام الأول ولكن المجتمع كاملاً يدفع الثمن. فتحقيق المساواة أو تمكين المرأة هو السبيل الأوحد نحو مكافحة الفقر والجهل وتعزيز الديمقراطية وهذه جميعاً من أهداف الدول النامية بشكل عام، ومن أبرز أسباب قيام الثورات العربية. أمارثيا سن الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد قال:
 ((اليوم من أجل التنمية والديمقراطية لا يوجد شيء أكثر أهمية من المشاركة السياسة والاقتصادية للمرأة)) باختصار هناك ارتباط وثيق بين تمكين المرأة وإمكانيات الدولة في تحقيق النمو الاقتصادي والديمقراطية المستدامة.

 

 mohammedtorki@yahoo.com

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012