24-03-2012 08:13 AM
كل الاردن -
الأستاذ الدكتور أنيس خصاونة
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مناط بها مسؤوليات كبار تتعلق بالنهوض بسوية التعليم العالي في الأردن وضبط إيقاع مؤسساته التعليمية والبحثية والإدارية بما ينسجم والمتطلبات العلمية العالمية من جهة والاحتياجات الوطنية من كوادر مؤهلة تأهيلا علميا يوائم سوق العمل الأردني من جهة أخرى . هذا الوصف طبعا مترجم إلى مهام كثيرة ومتعددة ومتنوعة منصوص عليها في قوانين التعليم العالي وأنظمته ولوائحه. أما على أرض الواقع فيكاد يكون أداء هذه الوزارة في حالة عجز واضح إزاء تعاملها مع قضايا أساسية متعلقة بتمويل الجامعات الرسمية ،وتراجع أدائها التعليمي ،وتسرب أعضاء الهيئة التدريسية ،والعنف الجامعي، والمديونية، وزيادة نسبة الطلبة إلى عدد الأساتذة ،وتآكل البنية التحتية للجامعات الرسمية، والتدخلات الأمنية السافرة في إدارات الجامعات وانتخابات الطلبة ،وضعف مخرجات الجامعات الخاصة وغير ذلك.
تساؤلات كثيرة طرحت وما زالت تطرح من قبل جهات من داخل الجامعات ذاتها ومن المجتمع المحلي تدور في مجملها حول مدى فعالية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تناول وتشخيص مشكلات الجامعات وحلها. الأسئلة ذاتها تطرح منذ عقود وكلام وزراء التعليم العالي هو ذاته لم يتغير كلام مكرر لا جديد فيه يقع في معظمه بين دراسة ومؤتمر وتوصيات يليها تغير الوزير ليأتي خلفه ليضع ما توصل إليه الوزير السابق من نتائج وحلول على الرف ويبدأ مشوارا آخر لتشخيص جديد ومشروع قانون جديد، وهكذا تستمر الأمور في حين أن الوزارة وكوادرها منهمكة في خضم أعمال كتابية بيروقراطية ليست ذات صلة وثيقة بسوية التعليم العالي أو القائمين عليه.
هالني ما سمعته من كلام من وزيرة التعليم العالي من على شاشة التلفزيون الأردني وهي تتحدث عن العنف الجامعي موردة أسباب العنف التي ألفناها وبشكل مكرر منذ عقود من الزمن ووضعنا التوصيات لحلها وما زلنا نراوح مكاننا . تؤكد معاليها على الدور الذي ينبغي على أعضاء الهيئة التدريسية أن يضطلعوا فيه للمساهمة في تقليل العنف الجامعي من خلال محاورة الطلبة وترسيخ قيم الحوار الهادف وتقبل وجهة النظر الأخرى .من قال أن أعضاء هيئة التدريس لا يحاولون القيام بدورهم التوجيهي للطلبة ما أمكن؟ وهل تعلم مدلى صعوبة ممارسة هذا الدور التوجيهي لعضو هيئة التدريس الذي يدرس 120 طالبا في الشعبة ؟وهل تعلم الدكتورة أن الكثير من أعضاء الهيئة التدريسية لم يعد يتوفر لديهم لا الرغبة ولا الدافع للاستمرار في العمل في الجامعات الأردنية الرسمية؟ وهل تعلم أن كثير من أعضاء الهيئة التدريسية والإدارية قد فقد الثقة بقياداتهم الجامعية التي تتسم بالضعف والتردد وعدم الكفآءة نتيجة لاختيارات خاطئة لهذه القيادات التي تفرزها الدوائر الأمنية المسيطرة على الجامعات بقبضة حديدية؟هل تعلم حجم الواسطة والمحسوبية في اختيار العمداء ونواب الرؤساء ومدراء الدوائر الإدارية؟وهل تعلم الأدوار الهامشية الروتينية التي تمارسها مجالس أمناء الجامعات والتي أصبحت خالية من المحتوى والمضمون؟
التعليم العالي لم يعد للأسف عاليا لا من حيث الجودة ولا من حيث الانضباط. نريد من وزيرة التعليم العالي أن لا تستنزف وقتها وجهدها بمزيد من التشريعات والقوانين فلدينا ما يكفي ويزيد والحقيقة أن هناك تخمة في مثل هذه القوانين. ننصح الوزيرة بأن تركز في ما تبقى لها من شهور قليله في موقعها على قضية أو قضيتين أساسيتين وتسجل حلول عملية ناجعة وليست نظرية وورقية لها بحيث يمكن أن ينسب لفترة إدارتها مساهمة تذكر في معالجة مشاكل حقيقية تواجه التعليم العالي في الأردن. معظم قضايا التعليم العالي في المملكة ليست نابعة من التشريعات بقدر ما هي مشاكل في الإدارة والاختيار الصادق والصحيح لرؤساء الجامعات ومنحهم الاستقلالية اللازمة لممارسة أعمالهم، وتوفر الإرادة السياسية الحقيقية في إصلاح التعليم العالي،ودفع الأموال المستحقة للجامعات على الديوان الملكي، ودفع الحكومة للضرائب التي تجمعها باسم الجامعات بدلا من استثمارها في غير الأبواب التي جمعت من أجلها. لقد أصبح جليا أن موضوع التعليم العالي غير مدرج ولم يكن مدرجا من ضمن أولويات الحكومة الحالية أو الحكومات السابقة وأن الحديث عن بعض القضايا الفرعية للتعليم العالي هو حديث مناسبات وأحداث مثل الأحداث المؤسفة المتصلة بالعنف الجامعي خصوصا وأن جلالة الملك قد ركز عليها خلال الأسابيع القليلة الماضية مما يجعلها محط تحليل وتنظير مكرر لأسابيع قليلة قادمة. إصلاح التعليم العالي يستوجب إعادة النظر بضرورة بقاء التعليم العالي كوزارة حيث لم تلمس لا الجامعات ولا المجتمع بشكل عام أثارا وبصمات مهمة لهذه الوزارة لا بل فإن البعض يعتقد أن الوزارة ساهمت في تراجع التعليم العالي في الأردن عن طريق إدارة مؤسسات التعليم العالي بإسلوب بيروقراطي روتيني رتيب مما جعله يترنح ويخسر إنجازات سابقة تم تحقيقها قبل اختراع وزارة التعليم العالي .
khassawneh_anis@hotmail.com