أضف إلى المفضلة
السبت , 04 أيار/مايو 2024
السبت , 04 أيار/مايو 2024


فيروز في الطفيلة بعد 41 عاما
25-03-2012 08:05 AM
كل الاردن -


alt

د. نافذ أبوطربوش

 قبل واحد وأربعين عاما, قدمت فيروز في بيروت ودمشق واحدة من أجمل مسرحياتها الرائعة, مسرحية "صح النوم". تميزت المسرحية بالنقد السياسي الظريف الذي أشبه ما يكون الآن بما يقدمه الفنان الكبير موسى حجازين في مسرحياته من وصف للوضع السياسي المتردي. بعد أربعة قرون من الزمن, أنظر إلى الحال وأقول, لم يتغير شئ. لا يمر شهر دون أن أستمع للمسرحية منذ ما يزيد على الخمسة عشر عاما, ولا يمر شهر دون أن أقول, لم يتغير شئ... مسرحية صح النوم بإسقاطاتها التي لا تنتهي, حطت وتحط في الطفيلة, مهد الأحرار وموطن الشجعان...
 في المسرحية, هناك وال لولاية صغيرة, ويقوم هذا الوالي بحكم هذه الولاية. وصل الوالي إلى الحكم من خلال مبدأ التوريث المتبع في هذه الولاية, ولا ينفك الوالي مرارا وتكرارا يتفاخر بأجداده الذين حكموا الولاية عبر عقود من الزمن. ينام الوالي شهرا كاملا, ومن ثم يصحو في ليلة اكتمال القمر "البدر". عندما يصحو, يقوم بإنجاز ثلاث معاملات فقط من الطلبات المقدمة, ومن ثم ينام شهرا آخر, وهلم جرا... والمعيار في إنجاز المعاملات هو ختم الطلبات المقدمة ب"الختم" الذي لا يحب أن يستخدمه الوالي كثيرا خوفا من أن تمحى حروفه وبالتالي تتعطل معاملات الناس في قادم الأيام... هذا الوضع عطل حياة من يسكن هذه الولاية بالكامل, مما حدا بقرنفل "فيروز" أن تتمرد على هذا الوضع شيئا فشيئا. قرنفل تهدم سقف بيتها "الذي يشعرها بالأمان والحماية" وتريد أن تسقف ذلك البيت, ولكن الأمر يحتاج إلى ختم الوالي, ومضى عدة أشهر دون أن يتم ختم طلبها للبطئ الشديد في إنجاز المعاملات من جهة, ولعدم وجود مردود من تنفيذ طلب قرنفل بعكس الطلبات التي تم ختمها وكم كانت حصة السلطة منها.
 أول تمرد قادته قرنفل هو محاولتها بث الوعي في صدور الناس من خلال إيصال أفكارها لهم والتي مفادها, بأن الوضع الذي تمر به الولاية وضع مزر, ولا يجوز أن تستمر الأمور كما هي عليه, فالمعاملات يجب أن تنجز بشكل أسرع, بشكل يبعث الحياة في الولاية, لا بشكل يميتها. فعلى صوت الشعب وقتها تأييدا لقرنفل, كما أن بعضهم أصبح يقدم اقتراحات بأن يكون ختم المعاملات "على الدور" ولكن صوت القوة ممثلا بالوالي والمستشار زيدون "نصري شمس الدين" استطاع إسكات الأصوات الشعبية وتضليلهم حتى أصبحوا ينادوا بسكوت قرنفل. محاولات بث الوعي أشبه ما تكون بالبيانات والمسيرات التي ما انفكت تخرج كل أسبوع في الطفيلة, وبشكل ناعم تنادي بثورة بيضاء يقودها الملك, ومطالبة البعض بالختم على الدور, تشبه ما يطلبه الناس بوضع نظام مؤسسي لكل شئ في الأردن, نظام يعتمد المنهج لا الأشخاص, كما أشبه ما يكون المستشار بالإعلام المضلل والبلطجة المنتشرة.
 ثاني تمرد قادته قرنفل على الظلم والمحسوبية, هو الصوت العالي, هو علو سقف مطالبها إلى الوالي مباشرة كي يصلح الوضع الموجود بصفته من يقود البلاد بالصورة التي عليها كما أنها عرفت بأن مطالبة الآخرين لا تسمن ولا تغني من جوع. قامت قرنفل بإعلاء صوتها عندما أفاق الوالي من نومه ذات شهر, وطالبت بأن يتم ختم طلبها, فقال الوالي للمستشار بصفته من يمثل يد النظام وحاشيته "سكتها يا زيدون صوتها عالي". مظاهرات وهتافات الطفيلة عالية السقف ثمثلت بصوت قرنفل العالي كما تتمثل تهم إطالة اللسان بما يظنون بأنه سيسكت هذا الصوت العالي.
 ثالث تمرد قادته قرنفل هو حملها مظلة "شمسية" تقيها من المطر الذي ينزل عليها من السقف المتهدم, حمل قرنفل للشمسية, لم يكن فقط لحل مشكلتها, بل ليعبر عن أن مطلبها لم يتحقق, وما زالت تعاني من الظلم الموجود, ف"شمسية" قرنفل هي رمز قضيتها كما قالت "إنه الشمسية, هي القضية, هي الهوية, والشخصية, والأدلة الثبوتية" كما قالت "القضية سطح وشمسية وأنا ما بخون القضية". قام المستشار زيدون باعتقال "شمسية" قرنفل عندما اكتمل القمر بدرا وهو وقت صحوة الوالي والإجتماع به, كي لا يكون هناك على الأرض ما يعبر عن الرفض, ما يعبر عن مطالب لم تتحق. إن خيمة الطفيلة واعتقالها أشبه ما يكون بشمسية قرنفل...
 رابع تمرد قادته قرنفل, وبعد أن تيقنت بأن مشكلتها ووضع الولاية بشكل عام لا يمكن إصلاحه من خلال المطالبة وتكرار المطالبة, هو سرقة الختم في وقت نوم الوالي, فقامت بختم طلبها, كما قامت بختم كل الطلبات المقدمة ما عدا طلب واحد, ألا وهو طلب "شاكر الكندرجي" الذي يريد استيراد جلد أجنبي. شاكر لم يصلح لقرنفل حذائها لأنها "مش دفيعة" أي أنها لا "تبخشش" بسبب فقرها, في المقابل, يقوم شاكر بسرعة خيالية بصنع وإصلاح الأحذية لامرأة المستشار زيدون. قرنفل مزقت طلب شاكر لأنه لا يستخدم الجلد المحلي, كما لأنه يغش الشعب ويستغفلهم. يتمثل شاكر في الوصوليين الباحثين عن مكاسب من السلطة, كما يتمثل في حقبة فساد عاثت في الأردن دهرا من الزمن بمسؤووليها الذين يعتبرون الشأن المحلي والأردن آخر همهم.
 لأن الطلبات خـُتمت من قبل قرنفل بعد أن سرقته, قامت المسيرة الإصلاحية بالولاية, وعندما أفاق الوالي من نومه بعد شهر, رأى العمران والحياة دبت في الولاية, فقام يضرب أخماسا في أسداس, واكتشف سرقة الختم, وبدأ التحقيق, وقام الكندرجي "بما يشبه كتاب التقارير" لشكه بقرنفل بالوشاية عنها, فاعترفت قرنفل بالسرقة. حاول الوالي أن يقيم عقوبة على قرنفل, ولكن التأييد الشعبي لها, بصفتها من ساعدهم على استرجاع حياتهم بعد توقفها, منع الوالي من قيامه بالعقوبة, بل وعلى العكس, سلم الختم لقرنفل لأن يدها "أرشق" من يده في تسيير أمور الولاية, مع بقاءه واليا على الولاية.
 التمرد الرابع خطير, ولم تكن قرنفل نفسها تتمنى أن تصل إليه لولا أن دفعها التعنت الموجود في الولاية إلى هذا الأمر, لا بل ومن شدة حبها للولاية, فامت بالمخاطرة بنفسها كي ترجع الختم من "البئر العميق" الذي رمته به كي لا تنهدم الولاية.
 واحد وأربعون عاما, والإسقاطات هي الإسقاطات, والتشبيهات هي التشبيهات, والقصة تعيد نفسها, والتاريخ وكأنه متسمر في مكانه ومصاب بالشلل, والتغيير يراوح مكانه, والطفيلة ما زالت تئن, وأحرارها ما زالوا خلف القضبان وخيمتهم معتقلة, والأردن بكامله ينزف... هل نحن خارج التاريخ؟! سؤال برسم الإجابة...

nafeztarboush@yahoo.com

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
26-03-2012 07:39 AM

أخي الكاتب المحترم لقد أبدعت الوصف والامثلةبمقالك. نعم اصبحت المور التي يريدها مستشاري الواي تمرر من خلال ابوقهم وافضل مثل على هذا مقالات ماهر ابو طير فتسويقه للاحكام العرفية الجديده ومن ثم إستباق قرار عدم حضور الملك لقمة بغداد ... الخ.
أحرار الطفيلة والجنوب والأردن باكملة من شماله لجنوبه ومن غربه لشرقة لن تنطلي عليهم مسوغات ال... وسيتم ان شاء الله قريباً محاسبة الفاسديت وإستعادة اموال ومقدرات الوطن منتهم وزجهم خلف القضبان. نعم كما ترى بدا الشقاق بينهم وبداوا بكشف اوراق بعض وشكراً على المقال الرائع الوصف والتشبيه

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012