أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


أ . د. عبدالله سرور الزعبي يكتب : لماذا لا يسمع العالم؟

بقلم : الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
01-11-2023 11:55 PM

في البداية أقدم اعتذاري من الدكتور Raz Segal من جامعة Stockton والمختص في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية، لاستخدامي هذا العنوان وهو جزء من عنوان مقالة له بتاريخ 13/10/2023 “كانت إسرائيل صريحة بشأن ما تنفذه في غزة: لماذا لا يسمع العالم؟”.

ومن خلال متابعتي لما يجري من أحداث، وما رافقه من حراك دبلوماسي قوي لجلالة الملك وخطابه المباشر لقادة العالم وشعوبها، والداعي لحل جذري للقضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة كاملة السيادة، والذي أسفر عن انتزاع تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار الاردني، ومقابلة جلالة الملكة مع محطة CNN، والتي كانت بمنتهى القوة وذات تأثير عالمي كبير، وخاصة بين الشعوب الداعمة للعدالة والتعايش السلمي، والتي تحدثت فيها عن قوة ومتانة القيم الاخلاقية التي يلتزم بها الأردنيون.

أوصلت الملكة في مقابلتها، رسالة بان قتل المدنيين مهما كانت جنسياتهم مدان اسلامياً واخلاقيا، ومطالبة بحرية التعبير دون تميز وبينت انه من حق اي دولة ان تدافع عن نفسها، ولكن ليس من حقها ارتكاب الجرائم والعقاب الجماعي، مؤكدة على موقف جلالة الملك بان الحل السياسي هو الوحيد لضمان امن واستقرار المنطقة وغيرها من المواضيع المهمة.

ان قيام بعض الجهات الاعلامية بتوجيه النقد للمقابلة، وهذا قد يعود الى اسباب مختلفة، الا ان ما يثر الدهشة ان يقوم رئيس وزراء إسرائيل السابق نفتالي بينت (والذي كنا ننظر اليه باعتباره لا ينتمي لمجموعة المتطرفين، وهو اليوم ضمن قوات الاحتياط، والجاهز للمشاركة في الاعمال القتالية في اي لحظة) بانتقاد المقابلة، ومطالبا بتقديم الأدلة على ما تفضلت به الملكة.

من خلال متابعتي للأحداث التي تجري واعمال العسكرة لمنطقة شرق المتوسط، والتي قد تدفع المنطقة للانفجار في اي لحظة، سأجيب على تساؤلات بينت بلسان بعض من أساتذة الفكر ومحبي السلام من اليهود.

وأكثر ما لفت انتباهي كتابات Segal، وهو الباحث في الإبادة الجماعية، والعنف الجماعي، والذي عرف جريمة الإبادة الجماعية، بانها “نية التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية. وعند العودة للمادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية نجد انها حددت خمسة افعال تندرج تحت هذا التعريف (قتل أعضاء الجماعة، الحاق ضرر جسدي او عقلي بالجماعة، اخضاع الجماعة لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي كليا او جزئيًا، فرض تدابير تستهدف إحالة إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل الاطفال بالقوة من مجموعة الى أخرى).

وهنا نتساءل هل كانت النية متوفرة؟، ويجيب Segal، بان إسرائيل اعلنت عن ذلك من خلال وزير دفاعها بفرض الحصار الكامل على غزة، لا بل فقد ذهب أبعد من ذلك قائلا اننا نحارب حيوانات بشرية، وبالتالي حسب Segal فالنية متوفرة ومعلن عنها رسميا، وتم اخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية بقصد تدميرها، وذهب أبعد من ذلك معتبرا التصريح بانه خطاب عنصري.

أما من حيث القتل، فيشير Segal، بانه تم اسقاط ما يزيد على 6000 قنبلة على غزة، (قتلت وجرحت عشرات الآلاف، معظمهم من الاطفال) وهذا يعادل ما أسقطته أميركا في حربها على افغانستان، وبالتالي فانه يكشف عن وجود خطة إسرائيلية ممنهجة، وقد صرح بها هاغاري من الجيش، قائلا “يتطلب التركيز على الأضرار وليس الدقة”.

ان الحصار المفروض على غزة، يعتبر الأطول بالتأريخ الحديث، ويؤكد وزير الدفاع الإسرائيلي صراحة الى ايصال الحصار الى وجهته النهائية في التدمير الممنهج، وحسب Segal. فان اعمال الإبادة الجماعية بغزة صريحة ولا تخجل إسرائيل منها.

في مقال آخر، نشره Segal بتاريخ 19/10/2023 “اوقفوا الإبادة الجماعية في غزة”، وهو يجيب على تصريحات بينت (صاحب الانتقاد لمقابلة الملكة) عندما قال “نحن نقاتل النازيين” واعتبر Segal ان هذه اللغة لاإنسانية، وفيها تشويه للواقع، مبينا بانه وأكثر من 800 من الباحثين في القانون الدولي ودراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية، بينوا بان عنف الإبادة الجماعية يتكشف في غزة اليوم وبكل وضوح. كما ان Segal يقول بان العنف ضد الفلسطينيين، قضية منهجية وهيكلية منذ إنشاء ألدولة، من خلال الاحتلال العسكري والحصار وسياسات الفصل العنصري، ويطالب بالمساءلة حسب المادة 3 من الاتفاقية. ان ما كتبه Segal، يعتبر أفضل رد على بينت وغيره من المنتقدين، ويؤكد ان إسرائيل ترتكب ثلاثة أفعال للإبادة الجماعية وهي موثقة، ويطالب بوقف الحرب ورفع الحصار وتزويد السكان بالمياه والغذاء والدواء والطاقة.

ان موضوع منع المياه النظيفة عن غزة، فانا شخصيا، مطلع عليه بشكل جيد (سبق وان شاركت مع زملاء من الجامعة الاردنية ووزارة المياه وغيرها في الكثير من الدراسات والابحاث المائية في المنطقة)، في عام 2007 كنت قد شاركت في مؤتمر البحث العلمي والتعليم في الشرق الاوسط، والذي حضره ستة من حملة جائزة نوبل، وقد تم اختياري لرئاسة جلسة قطاع المياه والبيئة، وتفاجأت بمدير معهد المياه والبيئة في جامعة الازهر بغزة، يطلب ادراج اسمه ليعرض قضية المياه التي يعاني منها القطاع نتيجة للحصار، الامر الذي وجدت انه من واجبي تلبية ذلك، ساعدني أحد الأستاذة الألمان من جامعة الهمبولت وآخر من حملة نوبل، ووافقت الدكتور Zafra من جامعة شيكاغو (رئيسة المؤتمر) على ذلك، وابدع الدكتور ابو مايله بطرح قضيته وحصلنا على موافقة الحضور (منهم ستة من حملة نوبل) بان تقوم رئاسة المؤتمر بمخاطبة سفارات الدول الكبرى ومبعوثي المنظمات الدولية في الشرق الاوسط بضرورة توفير المياه النظيفة لغزة. ومن باب الإنصاف تفاجأت برسالة من رئيس جامعة الأزهر بغزة الدكتور جواد عاشور تحمل الرقم ج م ز/ 2/ 2007/ 999 تاريخ 23/12/2007، يشكر فيها الأردنيين وعلى رأسهم جلالة الملك ومن ثم يشكرني شخصيا، ورسالة اخرى تحمل الرقم م م ب/181/ 2007 تاريخ 23/12/2027 من مدير معهد المياه الدكتور يوسف أبو مياله. وهذا يؤكد للجميع بان الحصار مضروب على القطاع منذ ذلك الوقت على الأقل.

وكوننا يجب ألا نكتفي برأي واحد، فإننا نضيف ما كتبه J. Katz، وهو الذي قضى فترة ليست بالقصيرة بالعمل في إسرائيل وتحت عنوان (Out of Zionism) والمنشور بتاريخ 24/10/2023، ويقول بانه تعلم ان إسرائيل تريد ثلاثة أشياء (اليهودية والديمقراطية وكامل الأرض)، لكنه يؤكد بأنها لن تحصل الا على اثنتين منها، ويضيف بانه عندما علم بأحداث 7/10 كان مرعوبا من عدد القتلى، وكان مرعوباً أكثر من ردة الفعل الإسرائيلية، وتساءل ما الذي يمكن أن يتبعه أقل من القتل الجماعي؟ ولماذا لم يتم إنهاء الاحتلال خلال السنوات الماضية؟ مؤكدًا على حق إسرائيل في البقاء، ولكن الأمر نفسه بالنسبة لغزة (والضفة الغربية) فلا يجوز قتلهم بشكل جماعي ومحاولة دفعهم من ارضهم، ويطالب بقيام دولة فلسطينية حرة.

أما Chris Doyle وهو صاحب خبرة في المنطقة وعمل على تغطية أحداث الربيع العربي، ويقول بان الفشل في المسألة بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية خلال السنوات السابقة، يعتبر فشلا للقانون الدولي، كما ويتحدث عن اتساع الفجوة بين أميركا وأوروبا والجنوب العالمي من جهة أخرى، بخصوص الحرب الروسية الاوكرانية وكيفية التعامل مع اللاجئين الأوكران بطريقة مختلفة عن غيرهم.

الدكتور Leaven من Boston والذي اعرفه شخصيا، كان يردد بعدم جواز ارتكاب الجرائم رداً على ارتكاب جريمة، ودائم الحديث عن غياب المساءلة والعدالة وقيام الدولة الفلسطينية الآمنة.

بتاريخ 18/10 كتب Arnon Rosenfeld مقالا بين فيه شعارات مسيرة Farragut Square والتي طالبت بوقف اطلاق النار ووقف الفصل العنصري، وان اليهود يستحقون ان يكونوا آمنين، لكن لا يوجد أمن في الإبادة الجماعية. كما ويقول في المقال وعلى لسان Eva Borgwardt ان إسرائيل لديها سجل في الرد على الهجمات، وأوضحت بأن ردها على مذبحة 7/10 بأنه لم يسمع به أحد من قبل من حيث حجمه والدمار الذي سيلحق بسكان غزة، وهذا أمر غير مقبول.

إن ما كتبه Eugene Doyle في مقالته بعنوان Why I’ll be marching for Gaza مثير للاهتمام، ويقول إن جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس، لا تبرر الجرائم واسعة النطاق والتي ترتكبها إسرائيل، ويضيف لا يمكنك قتل آلاف المدنيين وقطع الماء والغذاء والدواء والطاقة، والإيحاء بأنك الضحية. كما ويتهم الغرب بالصمت لسنوات طويلة على المذابح المرتكبة بحق الفلسطينيين.

ان التقرير المنشور بتاريخ 26/10 من قبل Kit Klarenberg يبين فيه خطة معهد الأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية لإعادة توطين جميع سكان غزة في مصر، والتي اعتمدت بعد أسبوع واحد من هجوم حماس، معتبرين أن ما حصل يعد فرصة فريدة ونادرة لإجلاء سكان القطاع بالكامل. وهو نفس المعهد الذي سبق وتبنى فكرة Arnon Sofer لبناء سياج ومراقبة دقيقة حول غزة، وتنبأ بحمام دم دائم، قائلا: عندما يعيش 2.5 مليون شخص في منطقة مغلقة ستكون كارثة إنسانية، حيث يزداد الناس ويكون الضغط على الحدود مروعا، وستكون حربا رهيبة، وإذا أردنا أن نبقى على قيد الحياة، فسيتعين علينا أن نقتل ونقتل ونقتل طوال اليوم وكل يوم.

إن ما ذكرته، يعتبر جزءا بسيطا مما كتبه وتحدث به الكثير من أصحاب الفكر والضمير الإنساني من اليهود في أميركا وأوروبا وإسرائيل نفسها واطلعت عليه خلال الفترة الماضية إما بصفة شخصية أو من خلال مشاركتي في الكثير من المؤتمرات والمحاضرات الدولية، فيعتبر ردا قاطعاً على انتقاد بينت (رئيس وزراء إسرائيل السابق) لمقابلة جلالة الملكة والتي أبدعت فيها وتمثل آراء كل الأردنيين وأصحاب الفكر والإنسانية من شعوب العالم.

وهنا فإنه من حق المحبين للسلام من شعوب الأرض أن يتساءلوا، لماذا لا يسمع العالم؟ ويستجيب ويعمل على مسألة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والفصل والتميز العنصري والذي أثبته Segal وغيره، ويوقف التطرف ويكبح جنون الحكومة الإسرائيلية، قبل أن تذهب بالمنطقة الى الدمار ويفوت الأوان.

مؤكدين للجميع بأننا في الأردن نقف جميعا خلف جلالة الملك، صوت الحق والحكمة وصاحب المواقف الثابتة والمؤمن بأن الحل الوحيد لاستقرار المنطقة لا يمكن أن يكون إلا من خلال الحلول السلمية والتي عملنا من أجلها في الأردن خلال العقود الماضية.

الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012