أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


أ . د. عبدالله سرور الزعبي يكتب : الفلسطينيون والمنعطف التاريخي

بقلم : الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
08-11-2023 06:44 AM

قبل شهر من الآن، كان المجتمع الدولي شبه مقتنع بأن القضية الفلسطينية قد نسيت، ولأسباب مختلفة، منها انشغال المنطقة بأحداث الربيع العربي وما تبعها، والخلافات العربية والعربية الإيرانية، والتدخلات الأجنبية في الأراضي السورية، والانقسامات الفلسطينية وقوة تأثير الدعاية الإسرائيلية من قبل حكوماتها المتطرفة بالرأي العام الغربي. يضاف إلى ذلك تلاقي بعض الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية مع استراتيجيات دول عالمية وإقليمية طامحة في الاستيطان والتوسع وعلى حساب الارض العربية.

ان انشغال دول المنطقة بمحاربة الإرهاب الداعشي وغيره، منح المتطرفين من الإسرائيليين فرصة كافية للتوسع في الاستيلاء على اراضي الفلسطينيين والعمل على تنفيذ خطة برافر الهادفة إلى تهجير سكان النقب الأصليين وتدمير قراهم وتشديد الحصار على غزه. كما استغلت إسرائيل تفوقها الاستراتيجي، فتوسعت في علاقاتها مع دول الاقليم، حتى باتت تشعر بأنها قادرة على الاندماج الاقتصادي والأمني في المنطقة وأنها قادرة على الانتهاء من العداوات دون الأخذ بعين الاعتبار أي أهمية للقضية الفلسطينية.

إلا انه يسجل للأردن وقيادته، والتي بقيت بوصلتها القضية الفلسطينية، ودأبت بالتذكير في كافة المحافل الدولية بخطورة الوضع في الشرق الاوسط، محذرة من الممارسات المستمرة في التوسع بالاستيطان وأعمال القمع والحصار من قبل الحكومات الإسرائيلية وخاصة المتطرفة منها. الأمر الذي دفع جلالة الملك لتحذير قادة العالم قبل فترة وجيزة، بان الوضع قابل للانفجار في أي لحظة كنتيجة لزيادة أعمال التطرف والاعتداءات المتكررة على المسجد الاقصى، ما لم يكن هناك حل للقضية الفلسطينية يعيد الأمل لأهلها للعيش بسلام وكرامة كبقية شعوب العالم.
جاءت لحظة الانفجار، واندلعت الاحداث، في ظل حكومة إسرائيلية تعتبر الاكثر تطرفا، يقودها شخصا لا يؤمن بالسلام وهو الذي سبق له وقبل أكثر من عقد من الزمن أن صرح قائلا بأن اتفاقيات السلام لا تحمينا، وهو القائل ايضاً، بان البقاء مع الدمار والخراب وإراقة الدماء وازدياد الكراهية أفضل من السقوط.
انتهى شهر، ونزفت دماء الأبرياء بكميات قد تكفي لتغيير لون مياه البحر الميت، ولا نعلم كم من المفروض ان ينزف منها، حتى يقتنع العالم بإيقاف الحرب ومنع إسرائيل من ارتكاب جرائمها، وهي التي ارتكبت ثلاثة من أصل خمسة من أفعال الإبادة الجماعية، وذلك حسب اتفاقية الإبادة الجماعية، كما أشار إليها Segal.
إننا نقف اليوم أمام حرب إبادة لا تشبه غيرها من حروب العصر الحديث، وبوحشية إسرائيلية تفوق قدرة العقل البشري الطبيعي ان يتخيلها (من حيث عدد الضحايا وخاصة الأطفال منهم، والذي قارب عددهم بين شهيد ومفقود تحت الأنقاض 6000 طفل حتى اللحظة، مساء 6/10/2023. وهنا قد نتساءل، هل قتل الأطفال يعتبر تطبيقا عمليا لتصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، بان هذه الحرب سترسم مستقبل إسرائيل لـ 75 سنه قادمة، واعتبارها نية مسبقة للإبادة الجماعية لأطفال فلسطين لمنع تكاثر الفلسطينيين مستقبلاً).
على الرغم من صغر الرقعة الجغرافية، إلا أن قوة الصراع أخرج اداراته إلى خارج حدود المنطقة ولتصبح بيد القوى الكبرى، والمتصارعة فيما بينها بأدوات جديدة، وتتشابك وتتعقد الحسابات الدولية والإقليمية، والفلسطينيون، هم وحدهم من يدفع الثمن بالدماء.
سعى نتنياهو ومنذ البداية لتوسيع الحرب مع دول الجوار، لتحقيق نصر سريع على حساب تلك الدول بهدف ادخالها في الصراع وبشكل مباشر وقلب الموازين. وهو الذي راهن على حماسة الشارع وعواطف أبناء المنطقة والتي قد تدفع قادتها للانخراط المباشر في الصراع، متناسياً ان القرارات الاستراتيجية لا تؤخذ بناء على العواطف والحماسة الشعبية.
بقي الفلسطينيون يدفعون الثمن، ويتدبرون أمرهم مع آلة القتل الإسرائيلية والتي تركز على الانتقام من المدنيين الأبرياء (اعتقد ان ما قتل من المقاتلين من حماس أقل مما قتل من جنود الجيش الإسرائيلي) وخاصة الأطفال لترويعهم ودفعهم للهروب من وطنهم، كما حصل في عام 1948. لقد دفعوا بالفعل الجزء الاكبر منه، ومن الواضح ان المعركة ستنتهي قريباً، والتي وقف فيها الأردن بقيادته الهاشمية لجانبهم وبكل قوة وامكانيات متاحة، وكذلك بعض الدول العربية بدرجات متفاوتة، لإحباط الأهداف التي وضعها نتنياهو لنفسه، بعيداً عن بعض الأطراف الإقليمية المزاودة والتي تسعى لتحقيق مكاسب لتوسيع نفوذهم وتحقيق طموحهم في المنطقة العربية (أكثر مما هو موجود عليه الوضع الآن).
إن المتابع يرى وبسهولة، بان بعض الدول الإقليمية والدولية لا تخفي أطماعها في المنطقة العربية الشرق اوسطية، معلنة ان ما حدث هو بداية لإستراتيجية جديدة لجبهات متعددة قادمة، وهذا يتطابق مع الخطة التي تحدث عنها شيمعون بيرز في أواخر تسعينيات القرن الماضي، والهادفة لتحويل منطقة الجغرافيا العربية إلى منطقة سياسية واقتصادية يكون فيها الدور العربي ضعيفا، وهو الأمر الذي استشعرته القيادة الأردنية وحذرت من نتائجه مسبقاً.
المعركة ما زالت مستمرة، والتدمير الأكبر قد حصل وعدد الشهداء والمصابين من الأبرياء غير مسبوق عبر تاريخ الصراع، والفلسطينيون خير من يعلم بان إسرائيل لا تستطيع الاستمرار في أعمال الابادة، في ظل الرأي العام لدى شعوب العالم، والتي بدأت تتكشف لهم حقائق الإبادة الجماعية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية، وخاصة بعد التهديد المباشر من وزير التراث الإسرائيلي باستخدام القنابل النووية لضرب الفلسطينيين في غزة. إن مثل هذا التصريح يشكل فعلا من أفعال جرائم الحرب، وهو وجود نية مسبقة للإبادة الجماعية، يضاف الى ذلك، بانه اعتراف واضح وصريح من قبل الحكومة الإسرائيلية على امتلاك أسلحة الدمار الشامل، والتي من أجلها دمر العراق (على الرغم من عدم وجودها)، وهنا من حق الجميع أن يتساءل، لماذا لا يتحرك مجلس الأمن لمعاقبتها والوكالة الدولية للطاقة الذرية للتفتيش عليها؟ وهي التي أعلنت رسمياً عن امتلاكها. الأمر الذي أصبح محرجا لها، يضاف إلى ذلك عدد الضحايا من قواتها والشلل الاقتصادي الذي اصابها. والفلسطينيون هم أكثر الشعوب معرفة وخبرة في معاناة النزوح من أرضهم، إلى دول الجوار، تبعه نزوح لدول عربية أخرى، ومن ثم عالمية. إن أعمال التخطيط والممارسات التي تقوم بها الحكومات الإسرائيلية المتطرفة المستمرة لتهجيرهم من ارضهم ليصبحوا سكان منطقة جغرافية لكن بدون قضية.
في هذا المنعطف التاريخي للقضية الفلسطينية، فقد حان الوقت لأن يطرح الفلسطينيون خلافاتهم جانبا، ويتوحدوا ليتمكنوا من استغلال نتائج هذه المعركة لصالحهم، ولإعادة قضيتهم المركزية إلى طاولة الاهتمام العالمي، معتمدين على قوة الموقف الأردني لجانبهم، وهي التي تعتبر بالنسبة للغرب، بذات الأهمية لا بل أكثر من أهمية الحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة أنه أصبح لدى الشعوب الأوروبية قناعة بأن الخاسر الأكبر من كلا الصراعين (في شرق أوروبا والشرق الأوسط) هم الأوروبيون والعرب.
كما أنه أصبح من الضروري، أكثر من أي وقت مضى أن يقف الأشقاء العرب وشعوب العالم الإسلامي وغيرها من الشعوب المؤمنة بالسلام وحقوق الإنسان وبعدالة القضية إلى جانب الأردن (التي تدعو قيادته الهاشمية باستمرار للقوة الجامعة بين العرب)، وهو الركن أساسي لأمن واستقرار المنطقة والتي هي قلب العالم، وهو الأكثر تضرراً مما يجري، والمستشعر لخطر التهجير الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه بأي ثمن. الأردن، والذي يقوده جلالة الملك، الأكثر خبرة في موازين القوى وتقلبات المنطقة السياسية أعد خطته منذ فترة لمواجهة الأخطار الناتجة عن الأفكار المتطرفة للحكومات الإسرائيلية ويتعامل معها بمنتهى الحكمة لإحباط كافة أشكالها ومنها خطر التهجير. كما وعلى جميع دول العالم أن تقف إلى جانب الجهود الأردنية الهادفة إلى وقف الحرب والإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية، كخطوة أولى وطارئة، يتبعها إقامة الدولة الفلسطينية دون تأخير.
إن القوة الجامعة للدول العربية وخاصة الشرق أوسطية منها، ستحبط الكثير من المخططات الدولية والإقليمية المختلفة والطامحة لتوسيع نفوذها في أراضيهم، ولكيلا تصبح دولنا ورقة بيد الآخرين، يرسمون مصالحهم على حسابها، وهم الذين لم يختلفوا على ذلك عبر التاريخ.

الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012