أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


هل اقتربت نهاية حكومات التطرف وداعميها ؟

بقلم : الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
19-11-2023 07:17 AM

منذ بداية القرن الحالي، انشغل العالم في مواجهة تطرف وارهاب القاعدة، ثم انتقل في العقد الثاني منه، لمواجهة ارهاب وتطرف ما يسمى بداعش، والمعروف كيف نشأت وتوسعت في بعض دول المنطقة، وكيف انتقلت فيما بعد إلى بعض الدول الافريقية مهددة بذلك امن واستقرار القارة السمراء.

في فترة انشغال العالم، كان هناك تطرف خطير ينمو في المنطقة، ويقوى تدريجيا إلى ان وصل إلى السلطة في دولة إسرائيل ولأكثر من مره، مسلحا بعقائد واهية، لا تمت للديانة اليهودية الحقيقية بصلة، وكما هي عقيدة داعش البعيدة كل البعد عن المفاهيم الإسلامية. هذه المفاهيم التي وضحتها رسالة عمان والموجهة لكافة شعوب العالم عام 2004.

على الرغم من مرور ما يقارب 30 عاما على اتفاقية أوسلو، إلا ان القادة الاسرائيليين، لم يعملوا على تنفيذ بنودها، وغياب الضغط الدولي الكافي لإجبارهم على تنفيذها واحلال السلام، حتى وصل الأمر بالسياسيين المتطرفين منهم بالتنافس في خطاباتهم، من منهم الأكثر تطرفا إتجاه القضية الفلسطينية والقدس والتوسع بالاستيطان لإرضاء القوى الحريدية المتطرفة.

وكإن نتنياهو، الأكثر إجادة في التسويق لنفسه والقدرة على الخداع والتلاعب في تفسير أحاديثه المتناقضة لإقناع العالم بها، واظهار رغبته بالسلام مع جيرانه، وبنفس الوقت كان يسوّق خطته داخلياً لاجتثاث فكرة قيام الدولة الفلسطينية، والتي هي الأساس لاي تسوية سلمية بين شعوب المنطقة.

جاءت لحظة الحقيقة، وشكلت إسرائيل الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخها (ان لم تكن الأكثر تطرفا في كافة دول العالم في القرن الحالي)، والتي تبنت عقيدة التفوق اليهودي بكل عناصرها وجوهرها. وبدأت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بالسعي المباشر لتنفيذ مخططها للقضاء على فكرة قيام الدولة الفلسطينية عن طريق بناء المستوطنات الجديدة والتوسع بالقائم منها والاعتداءات المتكررة على المقدسات في القدس الشريف، متناسية بان هذه المقدسات مسلمات لا تقبل التفاوض او حتى التفكير في تقاسمها، والمساس بها سيقود إلى اعمال العنف والتطرف والعنصرية البغيضة، التي من الصعب السيطرة عليه.

كما سارعت الحكومة الإسرائيلية بالعمل على تحويل إسرائيل، والتي عرفها العالم الغربي بالدولة المدنية والديمقراطية إلى دولة يهودية، لتصبح بذلك ومع كل اسف شبيهة بدول التنظيمات الدينية التي ظهرت موقتاً في بعض المواقع الجغرافية في المنطقة وغيرها من المناطق.

كما سارعت إلى تنفيذ عمليات الإصلاح القضائي (التي أدت الى انقسام المجتمع الاسرائيلي)، الذي يهدف لإصدار قانون يقضي بضم اراضي الضفة الغربية (كما سبق وان تم ضم اراضي الجولان السوري)، غير آبهة بتبعاته السياسية على القضية الفلسطينية وأمن المملكة الأردنية الهاشمية والمرتبطة معها باتفاقية سلام منذ عام 1994.

ان حكومة إسرائيل لم تخفي ذلك، وهي التي صرحت بان سيادة اليهود يجب ان تكون على كامل ارض إسرائيل الموعودة، وسبق وان أعلن نتنياهو قائلا 'بأن للشعب اليهودي حق لا جدل فيه في جميع اراضي إسرائيل، وسنعمل على تعزيز الاستيطان في الجليل ويهودا والسامرة والجولان'. ان مثل هذا التصريح المباشر فيه تحدي واضح للمجتمع الدولي كافة بالقضاء على فكرة وجود الدولتين، معتمدا على النجاح الذي حققه في بناء علاقات دبلوماسية وأمنية واقتصادية مع بعض دول المنطقة.

جاءت احداث تشرين الأول 2023, فكانت الصدمة، والتي اصابت قيادات إسرائيل بضيق الأفق السياسي، فكانت ردت الفعل الانتقامية، بشكل هستيري، فاعلن نتنياهو الحرب، منطلقا فيها من عقيدة التطرف التي يؤمن بها، والقائمة على قتل الجميع دون استثناء، مذكرا الاسرائيليين بالعماليق (وهم من القبائل العربية)، وهذا يعتبر اعلان رسمي لنية الابادة الجماعية، كما واعلن احد الخامات قائلا 'ليس هناك رحمة، قد تظن انك رحيم بالطفل، سوف يكبر الطفل ويقتل لان عقيدة الطفل ستكون اسواء من عقيدة والده' مستوحيا هذا النص من التوراة، والتي لا يمكن لها ان تكون من نصوص التوراة الحقيقية، كونها من الكتب السماوية كالإنجيل والقران الكريم، وجميعها تحرم قتل الابرياء من البشر، لا بل ان القران الكريم يعتبر ان قتل النفس كقتل البشرية جمعا.

آنّ نتنياهو وغيره من القيادات الاسرائيلية، الذين يتبنوا مثل هذه المبادئ الخاطئة، كان من المفروض عليهم ان يستفيدوا من النصوص الحقيقية الواردة في التوراة والقران الكريم، لقصة سيدنا موسى، الذي أنجاه الله من بطش فرعون من دون أطفال بني إسرائيل والذي قادهم للنصر على جيشه. كما عليهم ان يتعلموا من حروبهم السابقة على غزة فلسطين، والتي بعد حرب يكون فيها القتل والدمار والعنف المتبادل أكثر من سابقتها.

مرة اخرى، تسابق وزراء الحكومة الإسرائيلية في تصريحاتهم، فوزير التراث يدعو لاستخدام القنبلة الذرية، ووزير الدفاع يتخذ قرار بقطع الماء والغذاء والدواء وغيرها من أساسيات الحياة، ووزير الزراعة يدعو إلى اخراج الفلسطينيين من ارضهم وتوزيعهم على دول العالم وغيرها من التصريحات الغير مسؤولة.

ان هذه التصريحات، وأعمال القتل الجماعي ومنع اساسيات الحياة عن الفلسطينيين، دفعت شعوب العالم للوقوف ضد التوجهات السياسية لقياداتهم المعارضة لوقف إطلاق النار والداعمة لموقف لإسرائيل دون اي شرط.

كما ان أغلبية الشعب الاسرائيلي (كبقية شعوب العالم راغبين بالتعايش) وقياداته المعتدلة وصلت إلى قناعة بان تصرفات حكومة نتنياهو، هي من أوصلتهم إلى هذا المستوى من العنف، والذي قد يحتاج إلى عقود لتجاوز حجم الحقد والكراهية التي ولدها، والحقت ضررا بالعلاقات الإسرائيلية بمختلف انواعها مع معظم الدول المرتبطة معها بعلاقات مختلفة، وهم مقتنعون بان هذه الحكومة قد وضعت نفسها في مأزق من الصعب لها الخروج منه، وان نتائج هذا العنف القائم حالياً، مهما كانت نتائجه ستكون سلبية بكل المعايير على مستقبل إسرائيل. ولذلك فإنهم على قناعة تامة بان الإسراع في التخلص من هذه الحكومة اصبحت ضرورة قصوى لمصلحة إسرائيل، وان ما يؤجل ذلك العمليات الحربية الحالية، وهم المتخوفون ايضاً، من ان تقدم الحكومة الحالية في حال استمرارها على حرب جديدة بعد الانتهاء من حرب غزة فلسطين.

انه لمن الواضح، ان موقف الشعوب العالمية المناهضة لما يجري من أعمال قتل وابادة جماعية، اصبح يهدد مستقبل القيادات السياسية في بعض الدول، والتي بدأت نتائجها تظهر في بريطانيا (استقالة وزيرة الداخلية) وقد يتبعها اخرى، وان هذه الحرب ستلعب دوراً مهماً في الانتخابات الامريكية القادمة وغيرها من الدول (على اية حال لقد سقطت بعض القيادات العالمية انسانيا قبل سقوطها سياسيا)، كما ان موقع الامين العام للأمم المتحدة ومنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، اصبحا مهددين بسبب انتقادهم اعمال القتل الجماعي ومنع اساسيات الحياة عن الفلسطينين.

ان الاخبار التي أعلن عنها مساء اليوم الجمعة 17/11/2024 والمتضمنة ان الادارة الامريكية تبحث استبدال الرئيس الفلسطيني (يذكرني بما حصل في بداية القرن الحالي، حيث تم التخلص من الرئيس عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي شارون في نفس الفترة تقريبا والتي تم الاعتقاد بانه لمصلحة ومستقبل السلام في الشرق الأوسط). وإذا صح الخبر، فانه أصبح من الضروري للقيادات الفلسطينية ان تسارع للاتفاق والتوحد فيما بينها لمصلحة قضيتهم، والاعتماد على الأردن وقيادته الهاشمية، القادرة على تحقيق النتائج السياسية (التي بدأت معركتها قبل وقف إطلاق النار) الإيجابية لصالح قضيتهم وامن المنطقة.

من الواضح ان منطقة الشرق الاوسط تمر حاليا في اخطر مرحلة في تاريخها الحديث، وان إسرائيل مستمرة في حربها (دون رادع دولي) على غزة فلسطين، وبالرغم من صغر حجمها، الا إنها قلبت التوازنات العالمية، ودفعت او ستدفع امريكا لتقديم تنازلات لدول كبرى مثل الصين وروسيا وبعض الدول الإقليمية، لم تكن واردة قبل هذا التاريخ، كما ان التحالفات العالمية في العام القادم لن يكون كما هي علية الان، ومهما كانت نتائج الحرب الحالية، وقوة الضغط السياسي والاقتصادي والإعلامي والتي قد تمارسها إسرائيل على المجتمع الدولي.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012