أضف إلى المفضلة
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024


الملك والمملكة .. رحلة كفاح ونجاح

بقلم : مجيد عصفور
09-02-2024 07:06 AM

في مشهد مهيب وفريد، يعبر عن وجع الفقد ولوعة الفاقد، يسير الحصان 'عمر' خلف نعش يضم صاحبه وفارسه الذي اعتلاه بزهو وحب متبادلين.

كان 'عمر' يصهل خلف النعش تارة ويضرب الارض بقوائمه، مطرقا رأسه تارة اخرى، فيما منظره يدل على انه يكاد يتفجر من شدة الحزن او يسقط في اية لحظة مغشيا عليه.

كان يوم السابع من شباط عام 1999 يوما اردنيا ليس فيه سوى الحزن والحيرة، حزن يلف الوطن من اقصاه الى اقصاه، وحيرة بدت ظاهرة على وجوه الاردنيين قلقا على الوطن وخوفا من المجهول.

اعتاد الاردنيون على مليكهم الحسين واعتمدوا عليه في حل مشاكلهم واخراجهم من المحن سالمين غانمين، فقد كان الملاذ الذي يهرعون اليه عند كل خطب او كرب، وكان في كل مرة يتحمل عبء انتشال الوطن من الكوارث واخذه الى مساحات الامان، فلم يعرف الاردنيون بفضل الله وفضل الحسين، التشرد او اللجوء، ولم يعرفوا ذل السؤال وسوء الحال.

فجأة وبالرغم من اشهر المرض، يرحل القائد والاب والمعلم يرحل رفيق الرحلة والدرب، درب بناء الدولة ورحلة تحدي الصعاب، درب الصعود والصمود، ودرب الآلام والآمال.

بنى الحسين وشعبه مملكة ولدت من رحم القلق، رحم تحيطه العواصف، من فوقه ومن اسفله ومن يمينه وشماله، كان الشرق الاوسط حينها بستانا بلا حارس، نهبا لدول استعمارية انتصرت، وحان وقت اقتسام الغنائم، وكان ما كان من تقطيع لبلاد العرب ورسم لحدود بينها يحرم على ابنائها تجاوزها، والاهم من ذلك كله غرس خنجر مسموم في قلب العالم العربي، ما زال ينحر رقاب العرب الواحدة تلو الاخرى حتى الان ولا ندري الى متى.

في هذه الظروف تولى الحسين مهامه ملكاً على بلد فقير تعصف بأوتاده رياح عاتية من اربع جهات الارض.

كان انجليزي يقود الجيش، ويمسك بميزانته، بمعنى انه ينفق عليه متحكما بكل ما يتصل به من رواتب عديده الى تجهيز عدته وعتاده، وكانت الدولة مقيدة باتفاقية سميت معاهدة مع بريطانيا، تتضمن دعما ماليا للخزينة، مقابل شروط كلها لصالح الدولة صاحبة اليد العليا، وكان العدو الاسرائيلي يتربص بالاردن ويشن هجمات موجعة على القرى الحدودية بالضفة الغربية بسبب وبدون سبب، وبأسف لا يمكن اغفال ما كان من بعض العرب من تآمر وصل الى حد الاستهداف العسكري ضد الاردن.

كل هذه المصاعب والمصائب كانت تواجه الحسين الشاب الذي اعتلى الحكم قبل ان يبلغ العشرين من العمر وباشر قيادة بلده بشجاعة يصعب وصفها.

فبعد توليه مهام الحكم وضع لنفسه خطة تسعى لتحقيق تطلعات شعبه بالانطلاق نحو الحياة الحرة الكريمة، بامتلاك ادوات القوة والمنعة للوطن وفي المقدمة منها التمكين العلمي والانعتاق من التبعية للاجنبي والتخلص من ادواته كالجنرال كلوب والمعاهدة البريطانية، ولم يضيع الحسين الوقت، بل باشر خطاه نحو الاهداف العليا معتمدا على الله وعلى شعبه الحر.

خلع كلوب عام 1956 متخذا خطوة جريئة فيها تحد لبريطانيا التي كانت عظمى في ذلك الوقت، كان في الحادي والعشرين من عمره عند اتخاذ القرار، ولم يكتفِ بذلك، فاتبعه بعد عام واحد بقرار شجاع آخر الغى بموجبه المعاهدة مع بريطانيا.

لم يتوقف الحسين عن العمل في بناء الدولة، ولم تتوقف ايضا المؤامرات على الاردن، لعرقلة صعود بلد يحمل راية اشرف ثورة في تاريخ العرب.

كانت رحلة صعبة مُرها اكثر من حلوها، سار على دربها الحسين والاردنيون، لم تثنهم الطعنات من الاقربين ولا من الاعداء عن التمسك بالعروبة واعلاء قيم ومبادئ هذه الامة فهم متيقنون من نقاء وصفاء واصالة معدن الشعوب العربية رغم محاولات بعض الحكام تزوير الحقيقة، هؤلاء تهاووا، بعد ان كشفتهم شعوبهم، فمنهم من فر ومنهم من ذاق ذل السجون.

الى روحك ايها الملك الانسان الرحمة والرضوان من لدن رحمن رحيم، فلك ثواب ما قدمته لنا من عمل نافع نجني ثماره جيلاً بعد جيل، ثواب هذه الصروح العلمية والطبية وثواب مؤسسة عسكرية تحمينا وتبعث الطمأنينة في نفوسنا.

غبت عنا ايها الوالد في السابع من شباط 1999، لكنك لم تفارقنا الى اليوم.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012