أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


رسالة الى الولايات المتحدة الأمريكية

بقلم : يحيى العوفي
14-02-2024 07:39 AM

أكتب هذه الرسالة بعيدا عن الكليشيهات المعتادة في السرديات الموجهة إلى الولايات المتحدة وعلاقتها بالشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين، ولا أريد كذلك أن تؤطر مثل هذه الكتابة تحت يافطات منحازة ومؤدلجة سلفا، وتستخدم في السياق الأمريكي ضد من لا يتقبل أطروحات الخط الأمريكي العام تجاه قضايا المنطقة، حيث توصم بأنها ضمن «كتابات الكراهية ضد الولايات المتحدة (Anti-Americanism ) أو كتابات «اليسار» أو اعتبار الكاتب نفسه «ضد المؤسسة» (Antiestablishment ).

عندما شنت هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، برزت أسئلة كثيرة من مختلف المؤسسات الفكرية والسياسية والفردية تتمحور حول لماذا يكرهنا العرب والمسلمون إلى هذا الحد؟ بل وظهرت تنظيرات كثيرة من رموز وقامات فكرية وسياسية أمريكية من كافة الأطياف حيث ذكر الرئيس بوش في أعقاب الحادثة أن «بن لادن» وأتباعه يكرهوننا لإننا «نحب الحرية وأننا نعظم فكرة قدرة الفرد على عبادة الخالق بأي طريقة يراه/ ها مناسبة، إنهم يكرهون فكرة حرية الصحافة وحرية التعبير السياسي» وفق ما نشره موقع https://www.voanews.com/ بتاريخ 30 أكتوبر 2009. فيما ذكر البروفيسور «بروس لولارنس» أستاذ الأديان في جامعة دووك في مقالة نشرت في موقع كريستيان ساينس مونيتور بتاريخ 27 سبتمبر2001، أن الشرق أوسطيين «يكرهوننا بسبب ما نفعل، ويبدو أنه يتعارض مع ما نقوله بشأن أنفسنا «وأن» المشكلة الجوهرية تكمن في أن سياساتنا تبدو متعارضة مع قيمنا الأساسية».

وفي مقابلة لشبكة - سي أن أن - مع الرئيس ترامب بتاريخ 10 مارس 2016 أشار إلى أن «الإسلام يكرهنا ولا يرى فاصلا بين الدين الإسلامي والحركات المتطرفة أو ما يسموه الإسلام الراديكالي الإرهابي وأن كمية الكراهية الهائلة تفسر جزئيا هذا الدين، موضحا أن الحرب ضد الإرهاب كانت ضد الإسلام الراديكالي ولكنه استطرد أنه «من الصعب تعريف ذلك فضلا على صعوبة فصلهما (أي الإسلام والإرهاب) ولا تعرف من هو المسلم المعتدل من الإرهابي». وعززت هذه التفسيرات غير المتبصرة بظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، بل والملفت أن التوجه في التضييق على المسلمين الراغبين في التوجه إلى الولايات المتحدة أصبح ورقة انتخابية لدى الحزب الجمهوري والتلويح بها لجذب أصوات الناخبين حتى بعد مضي 33 عاما على تلك الحادثة.

أود في هذا السياق أن أبتعد قليلا عن هذه المساحات الملغومة بالأيدولوجيا والبراغماتية السياسية والمنافسة على النفوذ والموارد والانحياز لإسرائيل ضمن ما يشكل التعاطي الأمريكي مع الشرق الأوسط والعرب والإسلام على وجه العموم، و أتوجه إلى منابع التاريخ الأمريكي والآباء المؤسسين كأمثال توماس جيفرسون والذي كان ينادي بأن «أهم واجبات الحكومة قداسة أن توفر العدالة المتساوية وغير المنحازة لكافة المواطنين» فيما كان يشدد بنجامين فرانكلين أن «الحرية ليست منة من أحد ولكنها حق اكتسبناه من قوانين الرب والطبيعة» وطالما حذر جون آدامز من «أنكم لن تدركون حجم التضحيات التي تكبدها جيلي للحفاظ على حرياتكم وأتمنى أن تستغلوها على نحو مفيد» وشدد جورج واشنطن أثناء خطابه الوداعي بعد انتهاء فترة رئاسته الثانية «أن عليكم إظهار النوايا الطيبة والعدالة لكافة الأمم واغرسوا السلام والوئام مع الجميع».

لقد كانوا ينادون جميعا ويحلمون بوجود دولة أمريكية تسودها العدالة والقانون والحريات وحقوق الإنسان بما في ذلك (حق المرأة في الانتخاب وتجريم الرق) بل وجاءت بعض هذه القضايا موضحة دون لبس في الدستور الأمريكي حيث يشير التعديل الخامس في الدستور إلى أنه «لا يمكن حرمان أي فرد من حياته وحريته أو ممتلكاته دون اتباع الإجراءات المنصوص عليها في القانون». وفيما يتعلق بالحريات وفي شق العدالة والمساواة أشار التعديل الرابع عشر في الفقرة الأولى الحقوق المدنية - بأن جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة أو المتجنسين بجنسيتها والخاضعين لسلطانها يعتبرون من مواطني الولايات المتحدة ومواطني الولاية التي يقيمون فيها. ولا يجوز لأية ولاية أن تضع أو تطبق أي قانون ينتقص من امتيازات أو حصانات مواطني الولايات المتحدة. كما لا يجوز لأية ولاية أن تحرم أي شخص من الحياة أو الحرية أو الممتلكات دون مراعاة الإجراءات القانونية الأصولية. ولا أن تحرم أي شخص خاضع لسلطانها من المساواة في حماية القوانين.

استعيد هذه المقولات التاريخية للآباء المؤسسين وعملهم للوصول بالولايات المتحدة لتكون دولة الحريات والعدالة ومصدرا للأمل والإنسانية وشعاع علم وحضارة ونتذكر المساهمات الكبيرة التي قدمتها الولايات المتحدة للعالم منذ انطلاق الثورات الصناعية وما تلاها من مراحل وصولا إلى وضع أول إنسان على سطح القمر، فضلا على آلاف الاختراعات والابتكارات التي خرجت من الجامعات والمؤسسات الأمريكية الضخمة والتي استقطبت خيرة عقول العالم ونوابغه ومبتكريه، ولا تزال هذه الدولة مقصدا لكل طامح لفتح علمي أو تجاري.

لقد كانت الولايات المتحدة مبعث تفاؤل للبشرية حيث يعيش فيها مهاجرون من مختلف زوايا الكوكب وأصقاعه وجدوا في البر الأمريكي ملاذا من الظلم والتعسف والعنصرية والحروب والمجازر والإقصاء.

إنني كمثقف ومواطن عماني وعربي ومسلم أستغرب كيف اتسع هذا البون الصادم بين أطروحات الآباء المؤسسين بكل دعواتهم النبيلة للحفاظ على الكرامة والعدالة وتعزيز المشتركات الإنسانية بين الأمم، وما نشهده الآن من تناقض صارخ ومستفز بين حقبة أولئك المؤسسين والمنظومة التي تدير القرار في أهم دول العالم في العصر الحديث إن جاز التعبير، وعندما تتساءل النخب في الولايات المتحدة لماذا يكرهوننا فإن هذا السؤال نفسه يعكس جهلا لافتا بتداعيات السلوك الأمريكي في دول المنطقة وحجم تناقضاتها الصارخة في السكوت عن كل هذا الفجور في القتل والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وعدم قدرتها أو رغبتها في إنهاء هذه المأساة المروعة البشعة وترك إسرائيل تختار الكيفية التي تقرر فيها متى ستتوقف عن إبادة الفلسطينيين.

تتطلع شعوب المنطقة أن يكون الدور الأمريكي أكثر انسجاما إزاء قضايا الإنسانية والسلام ونشر قيم التعايش ولن يتحقق ذلك بهذا الاصطفاف المستفز لشعوب المنطقة والعالم الإسلامي من اندونيسيا ولغاية نواكشوط ولأكثر من مليار مسلم والإصرار على أن ما ترتكبه إسرائيل ليس حرب إبادة ودفاعها عن إسرائيل في محكمة جرائم الحرب الدولية وتصريحات المسؤولين الأمريكيين مثل جون كيربي وهو يقول في المؤتمر الصحفي بالبيت الأبيض أنه ليس هنالك ضحايا مدنيين في غزة وقتل الصحفيين وتصفية أسرهم وِإشهار الفيتو ضد كل موقف أخلاقي مبدئي دولي يتوافق عليه العالم ضد الممارسات الإسرائيلية وأمثلة كثيرة حول الاستخفاف بالدم العربي، والأمر الذي لا يبدو أن منظومة القرار الأمريكي تريد استيعابه هو أن الإسلام لا يكره أمة ولا شعبا ولا عرقا ولا بلدا، بل يكره الفجور والطغيان وداعميه ويدعو إلى السلام والمحبة والتعايش ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) سورة الحجرات، لكنه حتما لا يقبل أيضا أن يصعّر المرء خده للذل والهوان.

ولا يحتاج الأمر إلى براهين ضخمة أن الولايات المتحدة تفقد مصداقيتها لدى شعوب المنطقة بسبب التناقض وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين إزاء القضايا العربية تحديدا رغم إجماع العقلاء والمعتدلين بأن حل القضية الفلسطينية والاعتراف بدولتهم سيكون بداية لمنعطف تاريخي ثوري لقراءة الموقف الأمريكي برؤية جديدة إيجابية تؤسس إلى مرحلة مختلفة من السلام والتعايش بين إسرائيل ودول المنطقة. وأختم بهذا المقطع لـ محمود درويش وأتساءل ماذا كان سيقول جورج واشنطن لإسرائيل لو قرأ هذه القصيدة؟

(إلى قاتل): لو تأملت وجه الضحية

وفكرت، كنت تذكرت أمك في غرفة

الغاز، كنت تحررت من حكمة البندقية

وغيّرت رأيك: ما هكذا تستعاد الهوية!

(إلى قاتل آخر): لو تركت الجنين

ثلاثين يوماً، إذاً لغيرت الاحتمالات:

قد ينتهي الاحتلال ولا يتذكر ذاك

الرضيع زمان الحصار،

فيكبر طفلاً معافى، ويصبح شاباً

ويدرس في معهد واحد مع إحدى بناتك

تاريخ آسيا القديم

وقد يقعان معاً في شباك الغرام

وقد ينجبان ابنةً (وتكون يهودية بالولادة)

ماذا فعلت إذاً؟

صارت ابنتك الآن أرملة

والحفيدة صارت يتيمة؟

فماذا فعلت بأسرتك الشاردة

وكيف أصبت ثلاث حمائم بالطلقة الواحدة؟

صحيفة عمان

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012