أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


وطني يسيرُ نحوَ الفوضى

بقلم : سلطان ابو يوسف
08-09-2014 10:30 AM
الدولة ليست جيشاً ولا أجهزة أمنية تحمي الداخل والخارج ،فالدولة منظومات متكاملة تكمل بعضها بعضاً ،فالجيش دولة ،والأمن دولة، والشعب دولة ، ومنظومة القيم والأخلاق هي الدولة التي تجمع الجميع في منظومتها نحو مجتمع أكثر وعياً وثقافة وأمنا ،و هي أمنع رابط يربط هذه الكتل مع بعضها البعض .

إنّ التربية السليمة على القيم الحميدة ،هي الضابط لأمن المجتمعات ،فكيف إن كانت القيم نابعة من وازعٍ ديني يؤمن بها الفرد ويُقدسها كعقيدة صحيحة ، حتى تُصبح جزءًا من منهجه وحياته وسلوكه في كل مناحي حياته .

إن تربية الأجيال والنشء على القيم الفاضلة النابعة من ديننا هو الكفيل بحماية الأمن الداخلي من كل خطر ،وهو الكفيل بصد كل اعتداءٍ على سياج الوطن من كل معتدٍ ،وإن امتلكنا أقل الإمكانيات العسكرية والمادية ،فالعقيدة القتالية هي السلاح الأقوى مع قلته .

من يتفحص حال وطننا اليوم ،يُصابُ بالذهول والخيبة ، فالفساد استشرى في مؤسسات الوطن ، وأصبح الوطنُ مزرعة يحاول الضامن أن يجني أكبر ربحٍ في أسرع وقتٍ قبل أن يغادر حقله ، والناهب ضامن لنفسه الحماية وعدم المحاسبة .

وفي جانبٍ آخر يشتكي المواطن من فقدان العدالة الاجتماعية وخاصة في مجال التعيينات في المناصب العليا من الدولة ،وكأنها أصبحت حكراً على بعض العائلات والأسماء دون غيرهم ،وهذه الفئة المستفيدة هي من تقوم بتعديل الدستور ،والقوانين ،وتفصيلها على مقاسها لتكون سياجا حاميا لها بدل أن تكون سياجا حاميا للأمة والوطن ، وهذه الفئة المتنفذة التي استخلصت الحكم لنفسها ،هي من ساهمت في خصخصة مؤسسات الدولة ، وهي من ساهمت في انتشار الفساد في الأمة وسهلت له لأن الأمة الفاسدة تفقد وعيها وقيمها وثقافتها وتصبح عاجزة عن المطالبة بالإصلاح ،أو تنظيم صفوفها لتحقيق الرفعة والمنعة للوطن .

وعملت هذه الفئات على طمس القيم بدل تنميتها وذلك من خلال إفساد الإعلام وما يقدمه للمواطن من مضامين فارغة تساهم في تجهيله ، ولم يُستثنى التعليم من الإفساد ، فهي ليست أكثر من مدارس أيام (الرغيف والبيضة) ،بل ربما أسوأ عندما يعترف وزير التربية أن هناك مائة ألف طالب أميين في كل المراحل ،حتى منبر رسول الله لم يستثنى من الإفساد فمن تم تعيينهم قبل عشرين سنة من المؤذنين وأصبحوا خطباء مساجد لم يتعدى تعليمهم السادس الابتدائي ،فهل هؤلاء هم أئمة المسلمين وقادة الرأي العام ، ناهيك عن تدخل الدولة غالبا في تحديد موضوع الخطبة والذي لا يتطرق لأهم قضايا الأمة المعاصرة .

وفي ظل هذا الإفساد الممنهج ،وتدخل المنظمات الدولية التي تدّعي حماية حقوق المرأة ،وحقوق الأسرة والطفل ، وفي طل فقدان التربية على القيم النبيلة ، دبّ الوهن والفساد في أركان الأسرة ، وأصبحت صور التمرد والانحلال واضحة في أغلب أسرنا ،والتي انعكس أثرها على المجتمع بشكل واسع .

كل هذه الظروف خلقت مجتمعا ينخر فيه الفساد ، وطغت عليه الأنانية ،وحب الذات،وعدم التفكير بشأن الأمة والمجتمع ،وهذا أفقد المواطن قيم الانتماء للوطن ،وخلق التقاعس في العطاء والانتماء ، حتى أصبح الموظف لا ينظر للوظيفة أكثر من مصدر رزق ،ولا قيمة عنده للإبداع لأنه يعلم أنه مهما أبدع لن ينال ما ينال ابن دولته ومعاليه ،وبالتالي نلاحظ أن بعض من يحبون وطنهم بصدق وأمانة إلا أن بعضهم يحاول أن يختطف ما تطوله يداه من أموال الدولة حسب موقعه من المسؤولية لأنه أصبح مقتنعا بمفهوم سلب المال العام فمن لم تسرقه أنت سيصل إلى من هو أعلى منك ويقوم بسرقته ،ناهيك عن الترهل الإداري في إنجاز معاملات المواطن لأنك عندما تراجع أغلب الدوائر تشعر أن الموظف يتعامل معك إما باستعلاء أحياناً ،أو انه يعتقد ان المؤسسة شركته الخاصة ،علما أن نظام الشركات هم الأرقى في التعامل بسبب الربحية وكسب الزبون .

ونتيجة الأسباب التي ذكرتها فقدان منظومة القيم التي تعتبر هي أكبر ضابط للإنسان في السر والعلن ، فقدنا أسلوب التعامل في حل المشكلات ، وما نشاهده من مشاجرات في الجامعات بين المئات من الطلبة على أتفه الأسباب وما ينتج عنه من خسائر مادية وإصابات ،وتعطيل وتشويه للعملية التعليمية هو نتاج سوء التربية على مفاهيم القيم التي تشمل كل سلوك حياتنا منذ الطفولة ، وما نشاهده من شجارات بين العشائر هي ناتجة عن الأسباب ذاتها .

كل هذا يقود الوطن ليسير نحو الفوضى التي يصعب السيطرة عليها ،لأننا لا نجد حلا لهذه المشكلات المتجذرة، بل كل الحلول هي آنية ومؤقتة ، ونتيجة هذا الانحلال بدأنا نشاهد المهرجانات بأسمائها المختلفة ، بغض النظر عن الذين يقفون خلفها،وما تتركه من آثار سلبية على من يحمل بقايا من منظومة القيم والخلاق ،فهي تساهم في انحلال المجتمع الأردني بشكل ممنهج على المدى الطويل .

ونتيجة هذا الانحلال بدأنا نلمس ارتفاع نسبة الجريمة في كل مكان من العقبة إلى الرمثا ولا يمر يوم دون أن تقع جريمة قتل ، وبما أننا مجتمع عشائري فلنتمعن بالنتائج التي تترتب على عشيرة الجاني من تشرد وضياع ،وخسران الوطن لخيرة أبنائه لأن أغلب المجني عليهم هم طرف بريء غالبا وليس من أصحاب الأسبقيات، هذا ناهيك عن الإعتداء على المعلمين أو الممرضين والأطباء بالضرب ،بل وصل الأمر إلى التطاول على رجال الأمن بالضرب أو المقاومة باستخدام السلاح ،كل هذا سببه فقدان منظومة الأخلاق ،لأن الدين سلوك قبل أن يكون عبادة ،وهذا المر يتحمل مسؤوليته من أوكل الله إليه أمر شعبه ووطنه.

الأمر الأخطر على شبابنا في هذه الظروف الذين فقد أغلبهم كما ذكرت منظومة القيم ،وإن فقدت هذه المنظومة فقد الإنسان قيمة الشرف والانتماء ،فلا يهمه بيته ولا أسرته ،ولا وطنه ،لو تعرض أياً منهم للخطر ، وبما أن المنطقة ملتهبة من حولنا ،وفي ظل وجود التنظيمات التي يطلقون عليها إرهابية ،أو جهادية، فإنها ستكون الملاذ الآمن لهؤلاء الشباب الذين يملكون طاقة كبيرة ،ويحملون غيظاً على فقدانهم لمستقبلهم ،وبالتالي يصبح خطرهم أكبر وأشد لو تم تنظيمهم وحملوا السلاح ووجدوا عقيدة قتالية يؤمنون بها مع تنظيمٍ جهادي أو إرهابي كله عندهم سواء .

لذلك على ولاة الأمر والسلطة التنفيذية في وطني أن تعيد سياساتها واستراتيجياتها ،والاهتمام
بشباب الأمة والوطن ،وبناء منظومات القيم من جديد من خلال المسجد، والمدرسة، والإعلام ،ونشر التثقيف من خلال مؤسسات المجتمع المدني وتحقيق العدالة الاجتماعية،فإن ضاع شباب الأمة ضاع الوطن ،وإن فسدت أخلاق سبابنا فسد الوطن وسرنا ببطء نحو الانحلال والفوضى التي يصعب السيطرة عليها ،وفي هذه الظروف إن أردنا المن والأمان لوطننا لا بد من تكثيف الجهود من الجميع ومن يأتي متأخراً خيراً من الذي لا يأتي.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
08-09-2014 06:53 PM

مقالك هذا رائع ومفيد ويفثرض ان يلاقي مئات التعليقات ممن لديهم الغيرة على وطنهم ليدلي كل منهم بدلوه ويقترح الحلول المناسبة للخلاص مما نحن فيه ولكن للاسف اجدهم مشغولين بسفاسف الامور ويتركون اخطرها فاقول لعلهم يئسوا بعد ان تحدثوا طويلا ولا من مجيب فاصابهم الملل وقنطوا وبان في يفينهم ان الامور في طريقها للهاوية ولابد من الهاوية لأن ذي الشان يبدو ان الامر لايعنيه كثيرا وهو في غفلة مما يجري حوله وبحاجة الى من ينبهه ممن لديهم انتماء كاف للوطن ولاهله .
اصلاح الامر بحاجة الى رجل قوي في قراره وصارم في تنفيذة يجمع حوله رجال مشهود لهم بالاخلاص والانتماء مخلصين في جمع وتوخي الحقائق صادقين في اخلاصهم للوطن يضيقون الخناق على الفساد والفاسدين الكبار منهم قبل الصغار ويحاسيون الناس على اخطائهم وان صغرت -شدة في غير عنف ولين في غير ضعف -مع المتابعة والاستمرارية الى ان يعود للاردن وجههه الطاهر النظيف .

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012