أضف إلى المفضلة
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024


رسالة من نقابي

بقلم : قاسم المصري
15-09-2014 10:03 AM
السادة أصحاب الفكر النّير والقلم الحر والرأي المسموع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
خلال السنوات الماضية، تصدرت نقابة المعلمين الأردنيين عناوين الأخبار ونالت اهتمامات المجتمع الأردني، وانقسم الناس حولها إلى مجموعات وطوائف، تباينت آراؤهم بين مؤيد ومعارض ومراقب. فهناك طائفة أيدت مشروعية النقابة وقدمت الدعم الكامل لها. وأخرى رأت فيها تهديداً يعطِّل العملية التعليمية، فشنت عليها حرباً شعواء عمياء. وثمة جماعة ظلَّت تتساءل علناً أحياناً وبينها وبين نفسها في أحايين أخرى، ساعية إلى الحصول على إجابة شافية عن طبيعة النقابة ومقاصدها وتوجهاتها ونشاطاتها. غير أن ما يدعو إلى الأسف هو أن هذه الجماعة لم تلجأ إلى أصحاب الشأن، المعلمين أنفسهم، ولم تمنحهم الفرصة ليوضحوا مواقفهم وليشرحوا آراءهم، وخاصة أنهم هم الذين ما انفكوا يُجِدّون ويجتهدون في خنادق العمل للحصول على حقوق المعلِّم الأردني المشروعة.
لعلَّ الطائفة الأكثر ظهوراً وانتشاراً في ميادين الإعلام كافة وفي مواقع التواصل الاجتماعي كانت تلك التي تبنَّت موقفاً واحداً يصدر عن عقلية مغلقة سعت إلى شيطنة النقابة وإيهام المجتمع الأردني أن لنقابة المعلمين أهدافاً وأجندات سياسية بعيدة عن الهدف الأساسي الذي قامت من أجله. يعرف الجميع أن تأسيس النقابة جاء استجابة إلى حاجة مهنية ماسة تستند إلى النهوض بالتعليم في الأردن ورفع مكانته، بعد أن تزعزعت في السنوات الأخيرة، ومثل هذا المقصد لا يتحقق دون تمكين المعلم واستعادة هيبته ومنحه حقوقه المشروعة. هذا ما سعت إليه النقابة منذ تأسيسها دون كلل أو ملل ودون الاكتراث بكلام فئة سمحت لحبر أقلامها أن يتمادى في جرح الحقيقة وفي توجيه سيل من الانتقادات القاسية المتحاملة التي لا هدف لها غير تقزيم أيّ عمل تقوم به النقابة وإفراغه من أيّ قيمة أو معنى.
من هنا ارتأينا نحن في نقابة المعلمين أن نأتي إليكم حاملين رسالة توضيحية نود فيها إزاحة اللبس الذي تخلل كثيراً مما قيل عن المعلم الأردني وإزالة الشوائب التي علقت بكثير مما كتب عن نقابته في الفترة الماضية. وللقيام بذلك يستحسن بنا العودة إلى بداية الحكاية: 'إعادة إحياء نقابة المعلمين'. يعلم الجميع أنَّه لم تكن هناك أية مؤسسة أو إطار تنظيمي خاص بالمعلمين، يرعى شؤونهم، ويتبنى قضاياهم، ويدافع عن حقوقهم. كما يعلم الجميع أن السنوات التي سبقت إحياء النقابة شهدت تهميشاً متعمّداً للملعلّم الأردني وتآكلا مستمراً لحقوقه من صانعي القرار في وزارة التربية والتعليم. لقد ساءت أحوال المعلِّم الأردني سوءاً شديداً حتى بات يشعر بتراجع مكانته وقيمته معلِّماً ومربياً. وليس من شك أيضاً أنَّ التغيرات العميقة التي أصابت البنية الاجتماعية ومنظومة القيم في مجتمعنا الأردني في الآونة الأخيرة أدّت بدورها إلى تغيير نظرة الناس إلى المعلِّم. إنَّ هذا المشهد المؤلم احتلَّ وعي المعلِّم ودفعه إلى التفكير في اجتراح الحلول للخروج من الأزمة. ولمّا كان المعلِّم أكثر الناس معرفة بظروف المدارس والأكثر التصاقاً بواقع التعليم المتراجع دوماً، فقد كان من اللازم أن يصبح شريكاً حقيقياً في عملية تطوير التعليم بدلاً من مواصلة إسقاط النظريات عليه والاستمرار في إقصائه .
في ظل هذه الظروف، انتفض المعلمون رفضاً للواقع وسعياً إلى إيجاد إطار مؤسسي تنظيمي يرعى شؤونهم ويُعنى بحقوقهم المشروعة من أجل تحسين واقع التعليم في الأردن. ومن هنا بدأ حراك المعلمين للمطالبة بإحياء نقابتهم وبإعادة النظر في العائق الدستوري الذي حال دون وجود هذا الإطار التنظيمي المهم لعقود طويلة من الزمن. ويحسن التذكير هنا بأن القاصي والداني قد أشاد بأنَّ حراك المعلمين في الأردن كان سلمياً ومهنياً ومنظماً وخالياً من التخريب والعنف وحريصاً على سلامة مؤسسات الدولة. وبعد ما يقرب من سنة كاملة من المطالبة الحثيثة والعمل الدؤوب، تحقَّق المُراد وأُزيل العائق الدستوري وتمَّت الموافقة على إعادة إحياء نقابة المعلمين الأردنيين.
وفي عام 2012، جرت انتخابات نقابة المعلمين في دورتها الأولى، وبدأ مشوار التأسيس والبناء. البداية كانت أصعب مما يمكن تخيُّله. كانت بدايتنا من الصفر ولم نجد أنفسنا في سباق غير متكافئ مع الزمن فحسب، بل مع طائفة من حولنا عملت آناء الليل وأطراف النهار على إفشال النقابة وتقزيم دورها. وعلى الرَّغم من عسر البدايات، وبسبب إيماننا الذي لا يتزعزع بأهمية النقابة وبدورها في تحسين ظروف المعلِّم الذي يعدُّ جزءاً حيوياً من بنية مجتمعنا الأردني الذي نفخر به، مضينا في بناء المرحلة التأسيسية الأولى التي يمكن تلخيص ملامحها فيما يأتي:
• لقد حمل قانون النقابة كثيراً من التشوهات، ربما عن قصد، ليحرمها من المشاركة الفعلية في تطوير التعليم في الأردن، عبر منحها فرصة المساهمة في وضع المناهج .

• لقد وجدت النقابة نفسها مسؤولة عن ملف هموم المعلمين ومشاكلهم التي ظلت تتراكم لسنوات طويلة دون وجود حلول ناجعة، وذلك لغياب الإطار التنظيمي الذي يفترض أن يعالج مثل هذه المشاكل. كما انشغلت النقابة في موضوع بناء المقرات وتجهيزها حتى يتسنى تقديم الخدمات إلى المنتسبين بصورة فعالة ومريحة.

• يحسن التذكير هنا أن النقابيين المُنتخبين في هذه المرحلة كانوا يفتقدون الخبرة الكافية في ميدان العمل النقابي على عكس أعضاء النقابات الأخرى الذين يستندون إلى أسس وأشكال مؤسسة وموجودة أصلاً وذات عمر مديد تسهل لهم القيام بمسؤولياتهم. وعلى الرغم من هذا، فقد واصل النقابيون العمل لتقديم الخدمات إلى المنتسبين وفي الوقت نفسه اكتساب الخبرة وتعميق فوائد التجربة.

• لا بد من الإشارة إلى أن وزارة التربية والتعليم واصلت هي ومن يؤيد نهجها سياسة الإشغال، وذلك بوضع العقبة تلو الأخرى أمام النقابة حتى تبقى مشغولة بصراع دائم مع الوزارة هدفه صرف النقابة عن مواصلة عملية التأسيس والبناء وعن توفير الوقت الكافي لتقديم الخدمات إلى المنتسبين. لقد كان واضحاً أن الوزارة، للأسف الشديد، قد عاملت النقابة معاملة الند المنافس وليس معاملة الشريك الفعلي في تطوير واقع التعليم في الأردن.
عندما شرعنا في العمل في نقابة المعلمين، كنا على وعي تام بأنَّ المهمة صعبة، وخاصة أننا وجدنا أنفسنا مسؤولين عن متابعة قضايا مؤرقة تهم كل المعلمين، يعود تاريخ بعضها إلى عقود خلت من الزمن. لقد تبنَّت النقابة مهمة تحسين المستويين المهني والمادي للمعلم، فضلا عن المطالبة بحقوق قديمة تآكلت، وبتعديل تشريعات تربوية عتيقة لا تناسب إيقاع زمننا المتسارع ولا تتناغم مع الواقع الذي نعيش. لقد كشفت النقابة أيضاً عن قضايا فساد ضخمة تسببت بنهب ملايين الدنانير من أموال المعلمين التي تُغذي صندوق ضمان التربية. كما اضطلعت النقابة بمسؤولية ملف التعليم الخاص وما يقع فيه من تجاوزات واستغلال لحاجة الشباب إلى العمل من جماعات منتفعة من بعض أصحاب المدارس الخاصة.
لقد سعت نقابة المعلمين إلى التعاون مع الجهات المعنية بتعديل بعض التشريعات التي تخص المعلم والتعليم في الأردن حسب الأصول والأعراف المتبعة، غير أن هذه الجهات لم تظهر أي تعاون وخاصة فيما يتعلَّق بملف تعديلات نظام الخدمة المدنية غير العادل. إنّ اللامبالاة التي قوبلت بها النقابة بخصوص هذا الملف وغيره من الملفات التشريعية الأخرى كانت من الأسباب التي دفعت النقابة إلى اتخاذ قرار بالبدء بإضراب المعلمين في منتصف شهر آب الماضي. يعلم كثيرون أن النقابة استنفدت كل السبل والوسائل المتاحة والمشروعة عبر الحوار والنقاش لإيضاح كثير من قضايا المعلمين وأزماتهم. ولما كانت النقابة دوماً تُواجَه بعدم الاكتراث والمماطلة، وجدت نفسها مجبرة على اللجوء إلى الخيار الأخير وهو البدء بالإضراب.
ومنذ بدء حراك المعلمين عام 2010 وحتى الآن، ليس هناك من ينكر دور الإعلام الكبير بوسائله كافة في مناقشة قضايا النقابة وواقع التعليم وحال المعلِّم في الأردن. فهناك من الكتاب والصحفيين ممن أدركوا تمام الإدراك أهمية وجود نقابة للمعلمين لإنصاف المعلِّم والنهوض بالتعليم في الأردن. وفي الوقت نفسه، كانت هناك مجموعة من كتاب الأعمدة والصحفيين ممن اختاروا شن هجوم شرس غير مبرر على نقابة المعلمين وأصبحوا جزءاً أساسياً من حملة التجييش التي قادها مؤخراً، للأسف الشديد، دولة رئيس الوزراء عبد الله النسور المحترم. ومما ضاعف أسفنا هو تلك الممارسات التي قامت بها هذه الجهات التي تبنَّت وجهة نظر واحدة متعصِّبة منغلقة سعت إلى تشويه النقابة جملةً وتفصيلاً، دون أن تمنحها حق الرد أو التوضيح. وزد على ذلك أنَّ بعض الصحف نشرت تقارير صحفية قديمة بتاريخ حديث بهدف تضليل الرأي العام حول حراك المعلمين ونقابتهم، كما واصلت بعض الأقلام شتم المعلمين واصفة نقابتهم بأنها نقمة على المجتمع الأردني، مطالبين بحلِّها.
إنَّنا نستغرب دور الإعلام غير المحايد في ترسيخ فكرة سيطرة لون سياسي معين على نقابة المعلمين (نقصد جماعة الإخوان المسلمين) وفي تكريس وسائله كافة لدعم موقف الحكومة الذي ركز على شيطنة النقابة ومحاولة إقناع المعلِّم والمجتمع بسائر أطيافه بأنَّ النقابة أسيرة أجندة جماعة سياسية واحدة. لا شكَ أن تركيز دوائر الإعلام المتعدِّدة على تعبيرات معينة، مثل (أخونة النقابة) و(نقابة الإخوان) و (تسييس النقابة)، وهي أوصاف تعوزها الصحة والدقة، ساهمت في خلق حالة نزاع ذاتي عند المعلِّم الذي وجد نفسه مدافعاً عن حق النقابة بالمطالبة بحقوقه والحفاظ عليها من جهة، ومن جهة أخرى، خائفاً من الوزارة، الجهة صاحبة السلطة والقرار. لقد مارست الوزارة ضغوطاً نفسية شديدة على المعلم لدفعه إلى التوقف عن مساندة نقابته، بدلاً من أن تكرس جهودها في بناء شخصية المعلِّم وتطويرها مهنياً وتربوياً.
لقد وضع إضراب المعلمين الأخير، بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حول دوافعه، واقع التعليم وأحوال المعلِّم في مقدمة اهتمامات المجتمع الأردني بأطيافه كافة، وليس وزارة التربية والتعليم وحسب. إن ما نخشاه حقيقة هو أن يكون هذا الاهتمام اهتماماً مرحلياً أو ردَّ فعل عابر على إضراب المعلمين.
وهنا يتوجَّب التذكير أنَّه قد مضى أكثر من أسبوع على إنهاء إضراب المعلمين وعودتهم إلى مدارسهم. وعليه، قد يتساءل أحدهم: ماذا وجد المعلمون في مدارسهم؟ لقد أثبت الأسبوع الأول، دون أدنى شك، عدم جاهزية مئات المدارس. فهناك مدارس مازالت تعاني اكتظاظاً كبيراً في الغرف الصفية يصل إلى 60 طالباً في الغرفة الصفية الواحدة ونقصاً حاداً بالمعلمين في تخصصات مختلفة. إنَّنا نتساءل أين ذهبت الأصوات التي صرخت في كل قناة وصحيفة وموقع إلكتروني وعلا صراخها حرصاً على مصلحة الطالب؟ أين خبت تلك الحناجر وكيف جف حبر الأقلام التي سالت منتقدة إضراب المعلمين وبرعت في كيل الاتهامات لنقابتهم بالوقوف ضد مصلحة الطالب والوطن؟ هذا هو واقع التعليم أمامكم ونحن الآن في مطلع العام الدراسي. إنَّ كل ما نطمح إليه هو أن يكون للإعلام دور محايد في الإشارة إلى مواطن الخلل ومحاولة إصلاحها بدلاً من الانخراط في حملة تشويه لا تستند إلى الحقائق والأرقام على أرض الواقع.
إذا أردنا مدارس حقيقية تُخرِّج جيلاً مسؤولاً واعياً في مرحلة حساسة من تاريخنا، فعلينا جميعاً أن نضع أيدينا على العيوب الظاهرة في مدى جاهزية المدارس وأن نعالج النقص فيها، أم إنَّ مدارسنا فقط أمكنة يقضي فيها الطالب بضع ساعات يومه بدلاً من أن يمضيها في الشارع، بصرف النظر إذا كان هذا الطالب يتعلَّم شيئاً أم لا؟ سؤال نتوجه به إلى حكومتنا الرشيدة: هل هذا هو التعليم الذي تنشدون وهل هذه هي الجاهزية لاستقبال الطلاب؟ وغيرها أسئلة عديدة تدور في البال.
إننا في أمس الحاجة إلى الدخول في حوار مفتوح تُسمع فيه كلُّ الأطراف بهدوء وتعقُّل، بعيداً عن حملات التشويه والتجييش وكيل الاتهامات التي لا ترتكر على حقائق الواقع التعليمي في الأردن. إن الوزارة والنقابة والإعلام والمجتمع المحلي أطراف أساسية في الحوار المثمر الذي نرجوه من أجل السير في المسار السليم للنهوض بالعملية التعليمية. إننا في النقابة نسعى، بكل صدق وإخلاص، إلى أن نكون شركاء في البناء، ولذا نطمح إلى تعاونكم معنا.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012