أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 أيار/مايو 2024
الإثنين , 20 أيار/مايو 2024


أمهات الشهداء قلوب من نار وثلج

بقلم : نوال الفاعوري
16-03-2015 11:15 AM
ربما من الصعب على المرء أحياناً أن يصدق أن ربيعاً ما، قد ينتج كل هذا اليباس والإصفرار والموت،
ولكن حين يكون هذا الربيع مخاضاً لحقبة سياسية مختلفة، ترسم فيها الشعوب طريقها ومستقبلها، سيبدو الأمر شبه طبيعي خصوصاً إذا ما عرفنا أن أبطال هذا الربيع هم دول العالم العربي المنغمسة في أنظمة ديكتاتورية هدفها الأول هو المحافظة على كراسيها وامتيازاتها وأرباحها.
الربيع العربي الذي يمر على هذه البقعة من العالم خلّف الكثير من الثكالى ، من الأمهات الفاقدات اللائي ما برحن ينتظرن عودة أبنائهن بمزيد من الحنين وشيء من اليأس، وكثير من الفخر الممزوج بمشاعر متناقضة تحمل الفرح والحزن في آن.
أمهات ما زلن يبحثن عن رائحة أبنائهن في كل من يمر على أبوابهن وكل من يبتسم لهن إجلالا.
وفي كل مناسبة يفتشن في وجوه من حولهن عن ملامح أبنائهن الذين جرفهم الربيع في برك الدم وهم ينتظرون ينابيع الكرامة.
هنا أم نسيت ثوب ابنها معلقاً على مشجب العيد، لم يدنسه غبار أو بقعة لون من قطعة كعكة سقطت عليه صباح العيد على غفلة من فرحه ، في حين عاد لها هذا الابن بعد أن فرغ من صلاته مضرجا بدمه بفك متحطم ورقبة مهشمة.
هناك أم أعياها انتظار طفلها الذي ذهب للعب كرة القدم بالقرب من منزله مع أقرانه وحذاؤه يبحث عمن يربط خيوطه، فيربط معها قيودا على أيدي القتلة
أمهات دفن أجنتهن قبل أن يهدينهن هديتهن الأولى في عيد الأم، وقبل أن يخطن لهم ثوب المدرسة الأول، ويطهين كعكة عيد ميلادهم الأول.
في عيد الأم ، يختار الربيع أزهاره الأكثر شذى، والأنصع بياضا، ليهديها لتلك الأمهات اللاتي مازلن يتحسسن أحضان أمومتهن بحثاً عن أبنائهن الذين تركوا لعبهم، وتركوا أطفالهم وزوجاتهم، وتركوا أحلامهم معلّقةً على سياج الجنائن، وآمالهم تنتظر من يبذرها لتزهر في الربيع القادم.
في عيد الأم ، يخطئ معلم بذكر اسم طفل اقتسم مصروفه الشخصي ليفاجئ أمه بهديتها كباقي التلاميذ، كما يفعل كل عام، قبل أن يختطفه الموت ، فيتلعثم المعلم عند قراءة اسمه قبل أن يضع الهدية جانباً، وهو يتنهد: صبرك الله يا أمه.
في عيد الأم، كل أمهات الشهداء، هن في الواقع أمهات الربيع، أمهات الشعوب، أمهات النصر، يخطن من صبرهن ملحمات لا تكتب إلا بحبر الفخر، ومن جَلدهن يوزعن سكاكر الفرح.
في عيد الأم وفي كل يوم، نقول لأمهاتنا : كل عام وأنتن مدرسة من كفاح، وشموع لا تحترق إلا لتنير الأوطان ، كل عام وأبناؤكن منارات تهدينا لطريق السلام.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012