أضف إلى المفضلة
الأحد , 02 حزيران/يونيو 2024
الأحد , 02 حزيران/يونيو 2024


«عبد الصمد»

بقلم : احمد حسن الزعبي
02-07-2013 12:35 AM
رمي القلم من يده وأغلق درج مكتبه بعصبية مفرطة، ثم لفّ ورقة بيضاء طويلة بشكل اسطواني وجلس متأهبا..فلا قرب بيته من عمله، ولا سهولة تنقله في الذهاب والإياب من والى الوظيفة،و لا حتى دنو ترقيته كرئيس قسم، عادت أسبابا وجيهة لتحمّل طباع مديره الثقيلة في العمل..
لقد ازدادت حالته النفسية سوءاً، لدرجة انه صار على وشك الاستفراغ كلما سمع صوته أو اشتمّ رائحة عطره أو ذكر أسمه من قبل أحد الزملاء.
فضرب من المستحيل أن يستمرّ بوظيفته بنفس الحماس والرغبة والتصبر كما كان قبل عشرين عاماً..فكلما تذكّر ضحكات مديره «عبد الصمد» التي تشبه صوت «الدريلّ» و مزاحه «السمج» مع موظفيه و تسريحة شعره التقليدية، و»نسونجيته» الفجّة..ازداد ضيقاً وإصرارا على الخلاص من جو العمل المقيت.. حتى رائحة دخانه التي كانت عادية لسنوات طوال ،صارت منفرة وخانقة تشبه احتراق البلاستيك..لذا تجرأ صاحبنا وفرد الورقة الاسطوانية على طاولة المدير طالباً النقل إلى دائرة أخرى،رغبةً منه في التخلّص من كل هذا الإرث السيء الذي رزح تحته كل هذه المدّة..
الغريب أن الموافقة تمّت بأسرع مما كان يتخيّل، فتم نقله إلى دائرة ثانية تتبع نفس الوزارة في اليوم التالي، صحيح ان المكان بعيد جداً عن بيته ومواصلاته تبدو صعبة، لكن كل هذه العقبات لم تكن لتزعجه في اليوم الأول من العمل الجديد.....خرج من بيته متأنقاً، وانطلق مصفراً بزهو وارتياح ونفسيّة ياسمينية منتعشة..دخل المبنى الجديد، سأل عن مكتب المدير، طرق باب سكرتيرة المدير،عرّف عن نفسه بأنه الموظف الجديد وبيده كتاب النقل، فقط يريد السلام على مديره الجديد لا أكثر..وبدماثة منقطعة النظير سمحت له السكرتيرة في الدخول فوراً..وما ان وضع رجله اليمنى في المكتب حتى جحظت عيناه..يا الهي نفس نبرة الصوت، ونفس تسريحة الشعر التقليدية وطريقة الغزل الفجّة انه «عبد الصمد» من جديد...خرج من المكتب مفزوعاً راكضاَ، دون أن ينطق بكلمة واحدة..في اليوم الثاني توجه الى قسم شؤون الموظفين في مركز الوزارة قاصداً رئيس القسم لكي ينقله للمرة الثانية والأخيرة إلى دائرة حكومية أخرى..وما ان دخل الباب، ليبثّ رجاءه ويشرح ظروفه...حتى وجد «عبد الصمد» بصوته وتسريحة شعره ورائحة دخانه يجلس فوق كرسي رئيس قسم شؤون الموظفين..ودون ان يراه،خرج مهرولاً مستخدماً درج الطوارئ خوفاً من كابوس «عبد الصمد» الذي لا ينتهي.. أثناء نزوله السريع المرتبك شاهد لوحة تشير الى مكتب الأمين العام..توقف قليلاً التقط أنفاسه، ثم فكّر بالدخول الى مكتب الأمين..ليشكو له «عبد الصمد» المنتشر في كل مكان ودائرة ومؤسسة يهرب اليها من البيروقراطية والسماجة وقلة الانتاج..طرق الباب..لا أحد في غرفة السكرتيرة..دلف قليلاً نحو غرفة الأمين..دفع الباب برفق فوجد «عبد الصمد» يلقي غزلاً ثقيلا على مسامع السكرتيرة ً، يتبعها بضحكات منفرة تشبه صوته «الدريل»... في اليوم الرابع، شعر ان لا جدوى من التنقلات فجلّ البلد «عبد الصمد»...
في اليوم الخامس.. قرر التوجه الى عمله القديم باكراً، حمل بيمينه ورقة بيضاء طويلة قد لفها بشكل اسطواني.. وقف في مكتب المدير...فرد ورقة «مباشرة العمل»..وقعها عبد الصمد الأول..وهو يطلق «مزحة» سمجة..وضحكة جارحة...
(الراي)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012