أضف إلى المفضلة
الخميس , 16 أيار/مايو 2024
الخميس , 16 أيار/مايو 2024


هـنــا مكمـن الخـطــر..!!

بقلم : حسين الرواشدة
17-11-2015 12:34 AM
بدخول الدين على خط الصراع ، أصبح المشهد الانساني العام (موحشا) و خطيرا، ووجد -للأسف- من يوظفه في اتجاهات مختلفة، واختفى صوت العقل تماما، وبدل أن نجد في (الدِّين) حلولا لمشكلاتنا ودليلا يرشدنا الى الصواب وجدنا أن بعض من يتحدث باسمه ويستخدمه حوّله الى (مشكلة) أضرت بالدِّين أولا و بالمجتمعات العربية و الاسلامية ثانيا و بالانسانية والعالم أيضا.
كان المطلوب في هذه الحالة هو (الانتصار) لصوت الاعتدال على جبهة الدِّين و على جبهة السياسة، وهذا (الانتصار) يحتاج لرؤية و اضحة تساعدنا على تحديد مصادر الخطر دون تمويه، وعلى البحث عن مشتركات انسانية تجعلنا أقرب إلى التوافق ، وعلى الإيمان بأن الخروج من «معمعان» الصراع لا يمكن أن يتم إلا بوصفة المصالحة بين اتباع الملة الوطنية الواحدة واتباع الدين الواحد واتباع الاديان والحضارات المختلفة، بحيث نعيد ترسيم حدود العلاقة بينهم على اساس التفاهم والاحترام المتبادل والتعايش وادارة الاختلاف بعيدا عن الكراهية والعنف والحرب.
لكن من سوء حظ الشعوب العربية التي راودتها احلام التحرر من الظلم والاستبداد و القهر ان تخرج من اطار ( الحكومة) الفاسدة فتقع في فخ (الخلافة) القاهرة، ومن دائرة (السياسات) الظالمة الى دائرة ( الجماعات) القاتلة، ومن زواج البزنس السياسي الى زواج امراء الحرب والخلفاء الجدد بالمغانم والاقطاعيات والتمويلات المسمومة.
لقد اكتشف هؤلاء للاسف ان اقصر طريق لمواجهة خيارات الشعوب في الديمقراطية والحرية والاستقلال هو اطلاق «مارد» التطرف، وتمكين جماعاته وحركاته من فرض ارادتها على المجتمع، وذلك لدفعه الى الاختيار بين الاستبداد أو القتل أو بين الارهاب المسلح المغطى بالفساد واحتكار السلطة.
كان يمكن بالطبع ان نساعد انفسنا وان يساعدنا العالم للخروج من محنة الاستبداد السياسي ، ولكننا معا (نحن وهم) ضيعنا هذه الفرصة حين اخفقنا في انتاج «ربيع» عربي يليق بأوطاننا او حين تدخل الاخرون واجهضوا هذا الحلم ، والنتيجة اننا (وهم) ندفع ثمن هذا الفشل والافشال ، ونتطلع في وجهنا المذعورة مما فعلته داعش ، ومما يمكن ان تفعله في الايام القادمة.
الان ثمة دعوات تنطلق من هنا وهناك لتحميل المسلمين وربما الاسلام مسؤولية ما حدث، بعضها يتبنى نظرية اصلاح الاسلام وبعضها يدعو الى عزله وربما محاصرته واقصاء ابنائه ، صحيح ان صورة الاسلام كانت حاضرة في المشهد» الكارثي» الذي رأيناه في شوارع بيروت وباريس وغيرهما ، لكن الصحيح ان هذه الصورة جرى العبث بها «انتاجا واخراجا» وبدت وكأنها تبرز مخلوقا اخر مشوها لا علاقة له بالاسلام الذي نعرفه ونفهمه، وقد استخدمت كغطاء ومبرر، ولو افترضنا جدلا ان «اصلاح الاسلام « هو الحل، واننا قمنا بالمهمة، فان من المؤكد ان الحالة لن تتغير لان بوسع هذه التنظيمات ان تتمسك «بدينها» الذي صنعته، او تجد لها ( كما فعلت تاريخيا تنظيمات مسلحة اخرى باسم القومية والفاشية او المظلومية ) غطاء آخر لتبرير افعالها ما دام انها تستمد شرعيتها من الدم والقتل الذي تباركه اطراف اقليمية ودولية فاعلة تدّعي انها تحاربها.
ان الحقيقة التي يقفز عنها اصحاب دعوات «اصلاح الاسلام « او حتى عزله واستئصاله هي ان «الايدولوجيا» الاسلامية (ان صحت التسمية ) ليست مسؤولة عن العنف الذي تشهره التنظيمات التي تتبنى فكرة «الاسلام المسلح» وانما المسؤول هو الظروف الموضوعية الداخلية والخارجية التي افرزت هذا الفكر الشاذ وسمحت له بالتمدد، وهي ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تراكمت لعقود طويلة تتحمل «وزرها» الانظمة العربية والغرب الذي تواطأ معها، وقد تسببت في نشوء بيئة حاضنة لهذه التنظيمات ، كما تسببت في انفجار «التاريخ « على هذا الشكل المفزع الذي اسقط افكارا وانظمة ودولا وضحايا ايضا.
ثمة من يسأل : كم عدد المتطرفين في عالمنا الاسلامي تحديدا؟ عشرة آلاف.. عشرون ألفا .. مليون؟؟
لا اتوقع انهم يزيدون عن ذلك ، وهم بالطبع لا يشكلون اي نسبة تذكر مقارنة بمليار ونصف المليار مسلم في العالم.. لكنهم على ما يبدو الأكثر قدرة واثرا في رسم صورة الاسلام ، والتعبير باسمه.. وفي تحديد مصير علاقته مع محيطه أو مع الآخر ، وهم ان شئت من يمسك الآن بزمام صناعة الحدث.. أو يحدد مساراته أو يضع النقاط على حروف كثيرة ما تزال (عاثرة) تبحث عن مدلولاتها في عالم تتصارع في الجهالات.. لا مجرد الحضارات او اللغات او الثقافات.
طبعا قد يكون من التبسيط مثلا التدقيق في امتدادات (داعش) - فكرة كانت ام تنظيما - ، الى كثير من اقطارنا الاسلامية والى اوروبا والغرب عموما (خذ مثلا ما حدث اخيرا في فرنسا ولبنان أو مصر وتركيا وغيرها) باعتبارها عنوانا لفيوضات العنف (الاسلامي) ، او تجسيدا لحالة الغضب التي يشعر بها الشباب المسلم تجاه الظلم الدولي والمحلي.. فيما الحقيقة ان هذه الامتدادات تتجاوز (داعش) كما تتجاوز التيار الجهادي الذي يتبنى هذه الفكرة.. لتصل الى ما يشبه (الظاهرة) الاسلامية ، وإن كانت ما تزال في مرحلة (التشكل) والظهور والاستعداد ، وبهذا المعنى(وهنا مكمن الخطر) فإن الانسدادات السياسية الناشئة عن سطوة الآخر وقابلية الداخل ومطواعيته ، ناهيك عن عجز قوى (الاعتدال) في اقناع المتشددين بمفاسد خياراتهم أو ضلالة أفكارهم هي السبب (من بين اسباب أخرى كثيرة)الذي يدفع بهذا الاتجاه لتعميق الظاهرة وربما تعميمها ايضا.

(الدستور )

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012