أضف إلى المفضلة
السبت , 25 أيار/مايو 2024
السبت , 25 أيار/مايو 2024


"كما تكونوا يولَََّ عليكم"!

بقلم : د.محمد ابو رمان
19-02-2016 09:29 AM
ثمّة من يتمسك، من المفكرين والسياسيين، بأولوية التغيير السياسي على الاجتماعي والثقافي، ويرى أنّ الإصلاح يبدأ بالسلطة، على القاعدة المنسوبة لعثمان بن عفان 'إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن'. فيما يتمسّك فريق من المثقفين بقاعدة معاكسة تماماً للأولى من حيث الأولويات والاهتمامات، تتمثل في الحديث الضعيف المنسوب إلى الرسول، وهو 'كما تكونوا يولّ عليكم'؛ أي أولوية الإصلاح الثقافي والمجتمعي على السياسي.
خلال نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، صعدت مدرسة إصلاحية تركّز على ما نسميه في الأدبيات الفكرية بـ'المسألة الثقافية'. وتقوم رؤية هذه المدرسة على أنّ الأولوية لا بد أن تكون للإصلاح الديني لمواجهة الجمود الفقهي وتحريك المياه الراكدة لتعزيز آلة الاجتهاد والتجديد، وضرورة التركيز على تغيير المجتمع وثقافته لتطوير الحياة الاجتماعية والتعليمية والأكاديمية.
من هنا تمّ التركيز في أفكار هذه المدرسة -التي تولّى التنظير لها والترويج لأفكارها كل من محمد عبده ورشيد رضا (في نسخته السلفية العقلانية) عبر تفسير المنار ومجلة المنار- على مفتاحين رئيسين؛ الأول هو الإصلاح الديني، والثاني هو التربية والتعليم. وكان الهاجس الرئيس لروّادها الولوج إلى عصر العقلانية والتنوير والثورة الصناعية في العالم العربي.
وفي الوقت الذي كان ينظر فيه كثيرون إلى الاحتلال بوصفه السبب في كوارث العالم العربي (أي العامل الخارجي)، رأى -على النقيض من ذلك- رواد هذه المدرسة بأنّ الاحتلال-الاستعمار هو 'مخرجات' أو نتيجة لآفة أكبر، تتمثل في الجهل والتخلف والجمود والفجوة الحضارية بيننا وبين الغربيين، وهي القاعدة التي اختصرها لاحقاً المفكر الجزائري المعروف مالك بن نبي بمصطلح 'القابلية للاستعمار'، وقريب منها شعار جمعية العلماء المسلمين في الجزائر 'إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم'.
على الطرف الآخر من هذا التصوّر للعلاقة السببية، يقف ابن خلدون الذي يقول 'الناس على دين ملوكهم'. وهو بذلك يعكس الآية؛ فيجعل من واقع الأمة تبعاً وتعبيراً عن حال السلطة السياسية.
عندما انبلجت ثورات 'الربيع العربي'، اهتزت كثيراً مقولات المدرسة الثقافية. إذ بالرغم من أنّ المهمة التاريخية المطلوبة لم تنجز بعد؛ على صعيد التجديد والاجتهاد الديني وإزالة الجمود الفقهي، وردم الفجوة التعليمية والرقمية والحضارية، أي التغيير الثقافي المجتمعي؛ فإنّ الشعوب العربية انتفضت على الحكام المستبدين واندفعت نحو الحرية والتحرر، وتفوقت على نفسها وأسقطت للمرة الأولى في تاريخها الطغاة عبر الثورة السلمية!
لكن، مع مرور الوقت، عادت المقاربة الثقافية لتتماسك، مع التدهور الذي اعترى المسار الديمقراطي، وعودة السلطوية وصعود 'داعش'، وانفجار الاستقطابات الطائفية والدينية والأيديولوجية، ما دفع بأبناء التيار الثقافي إلى إعادة صوغ السؤال من جديد: فيما إذا كانت الشعوب العربية وصلت إلى مرحلة الاستعداد الديمقراطي أم لا؟!
في ظنّي أنّ الجواب: لا هذا ولا ذاك؛ فلا يمكن الفصل بين الاجتماعي-الثقافي والسياسي، ولا يوجد هناك شرط لأولوية أحدهما على الآخر. إذ يمكن أن يكون هناك إصلاح اجتماعي-ثقافي أولاً، يؤدي إلى اقتصادي ثانياً، فيتطور إلى صراع سياسي داخلي ينتهي إلى الصيرورة الديمقراطية، كما حدث في القرون الأخيرة في أوروبا. وقد يأتي الإصلاح الديمقراطي محفّزاً ومشجّعاً على التغيير الثقافي والمجتمعي ومطوّراً له، فهناك ديناميكيات مرتبطة بكل مجتمع وحيثياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وما ينطبق على تونس، قد لا ينطبق على مصر مثلاً.
ثم إننا بحاجة إلى إعادة قراءة الثورات العربية بصورة معمّقة أكثر، كي نفهم ما حدث فيها وما بعدها. مع ضرورة التمييز بين نتائج الثورات ومخرجات الثورة المضادة التي قادتها دول عربية وإقليمية وتواطأ معها الغرب.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
19-02-2016 01:00 PM

المشكلة هي اننا مراقبين في كل شئ ولا نستطيع اطلاقا او حتى نسبيا ان نتخلص ممن يراقبنا ويرصد تحركاتنا واولوياتنا. لم تعش البشرية مثل هذه المرحلة من قبل فقد كانت كل امة تعيش لوحدها واقصى شئ يستطيع العدو ان يؤثر فيك هو بعض العيون او ان يغزوك ولكن اليوم ونتيجة هذه التكنولوجيا اللعينة يتجسسون عليك في كل شئ ولديهم سفارات يرقبون ما يجري في هذا البلد واكثر من ذلك حكام تابعين لهم يوجهونهم لتصليح مسار معين او وقف ذاك المسار. كل ذلك ولا يوجد الان اي صراع عسكري في كل العالم الا في منطقتنا وعلى شعوبنا. معضلة

2) تعليق بواسطة :
19-02-2016 05:29 PM

لن تنتصر ألأمة الا بالعودة الى كتاب االله وسنة نبيه الكريم ولن تنصرنا لا شيوعية ولا شيعة ولاقومجية ولا يسارية

3) تعليق بواسطة :
19-02-2016 06:43 PM

القاعدة الاولى قاعدة عثمان ابن عفان رضي الله عنه هي الصحيحة، اما القاعدة الثانية عقيمة وقصيرة نظر، ونضرب المثال التالي من عصرنا الحالي، لو وضع شخص على بداية شارع ما ويقوم بتحذير كل من يود سلوك الشارع انه ممنوع دون وضع أشارة من السلطة تشير انه ممنوع هل يذعن له أحد؟ أما لو وضع أشارة تقول ممنوع المرور من هذا الشارع مايعني ام من يسلكه سيتعرض لمخالفة جسيمة هل يجرؤ أحد على سلوكة سوى من يغامر، لهذا ان الله ليزع بالسلطان مالايزع بالقرآن؟؟؟

4) تعليق بواسطة :
19-02-2016 07:07 PM

ومفاد القاعدة الاولى انه اذا صلح الحاكم صلح المجتمع وهذه القاعدة يتبناها حزب التحرير الاسلامي المحذور، اما القاعدة الثانية وهي ماتعرف بالقاعدة السلمية ومفادها ان صلح الفرد صلح المجتمع وبالتالي صلح الحاكم وهذه القاعدة يتبناها حزب جماعة الاخوان المسلمين ؟؟؟

5) تعليق بواسطة :
19-02-2016 07:55 PM

أرجو من الاردنيين مقاطعة هذا الكاتب .....

6) تعليق بواسطة :
19-02-2016 09:01 PM

أؤيد مطلب السيد الزيداني /5.

القول الصحيح ” كما يولى عليكم تكونوا ”

و ” الناس على دين ملوكهم “

7) تعليق بواسطة :
19-02-2016 10:54 PM

علمنا التاريخ ان تقدم الشعوب والامم كان نتيجة بروز شخصيات منحها الله من الذكاء الفطري والمعرفة والدراية والعزم والقدرة والرغبة والحماس لإجراء تغيرات في جميع مناحي الحياة للصعود في مجتمعاتها الى حياة أفضل. وجاء من جاء من رسل وأنبياء ومن مصلحين اجتماعيين وعلماء وقادة عظماء وهم من قاد الشعوب الى الصلاح والفلاح وعلى القادة تقع المسؤوليات الجسام في جميع نواحي الحياة لتطوير الشعوب للوصول الى حياة أفضل.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012