أضف إلى المفضلة
السبت , 04 أيار/مايو 2024
السبت , 04 أيار/مايو 2024


الثقافة في مواجهة الكراهية

بقلم : إبراهيم غرايبة
03-12-2016 12:57 AM
في تحول التطرف إلى كراهية، يصعد دور الأفراد والمجتمعات في المواجهة؛ بل تكاد المواجهة الاجتماعية والثقافية مع التطرف والكراهية تكون هي الخيار الوحيد لأجل الخروج من الأزمات والصراعات التي تعصف اليوم بكثير من الدول والمجتمعات، وتقضّ مضجع العالم. لقد أصبحت المواجهة مع التطرف والكراهية أقرب إلى الثقافة أو وعي الذات وتشكيلها، وفي ذلك، فإن المجال العلمي والموضوعي لفهم الكراهية والتطرف يتغير عما كان سائدا؛ فلم تعد علوم السياسة والاجتماع كافية إلا بمقدار ما تساعد في تشكيل الاتجاهات والمواقف الفردية والجماعية، وصار من فضول القول أن الفكر الديني في الرد على المتطرفين لا يفيد إلا غير المتطرفين لأجل فهم التطرف، أما المتطرفون فإنهم لم ينشِئوا مواقفهم بناء على فهم ديني خالص أو مستقل أو اجتهاد ومحاولة للبحث والتفكير في التوجيه الديني، ولكنهم اختاروا من النصوص والنماذج الدينية ما يشبههم ويلائم اتجاهاتهم وحالتهم التي وجدوا أنفسهم فيها.
وبالنظر إلى أن اتجاهات العنف والكراهية، والتسامح والخضوع، والاكتئاب والتمرد والاحتجاج والعزلة والمشاركة والانقياد، والمغامرة والنزعة إلى الانتحار، والقتل والإدمان والسادية (الاستمتاع بالإيذاء) والماسوشية (الاستمتاع بتلقي الإيذاء)، أو أمراض واضطرابات نفسية وعقلية وسلوكية، مثل الانفصام والنرجسية والعدوانية والقلق والتوهم... يمكن أن تتفاعل مع السلوك الديني والاجتماعي، أو تأخذ تمظهرات دينية واجتماعية، أو أن تكون الدافع إلى السلوك الديني أو السياسي نفسيا أو بيولوجيا؛ تتشكل رؤى واتجاهات علمية وسياسية في مواجهة التطرف والكراهية.
وأسوأ ما تقع فيه عمليات مواجهة التطرف الكراهية والعنف المنتسبة إلى الدين، الاعتقاد بأنها عمليات استجابة ميكانيكية أو تلقائية لنصوص دينية يُساء فهمها أو تُفهم فهما صحيحا أو خاطئا؛ ذلك أنها نصوص موجودة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، ويفترض أن تؤدي إلى حالات متشابهة لدى أفراد مؤمنين بهذه النصوص وفي مجتمعات وبلاد لا يحدث فيها تطرف وإرهاب، ولكن أهلها يؤمنون بالنصوص الدينية نفسها التي يؤمن بها المتطرفون والكارهون. وليس المقصود بالطبع هو إعفاء تأويل النصوص خصوصاً من المسؤولية عن الكراهية، ولكن التأكيد على أنه فهم جاء منسجما مع اتجاهات شخصية ونفسية. فالمعتقدات والأيديولوجيات ليست عمليات عقلية أو ناشئة عن مجهود علمي وفكري، وإن كانت تستند إلى تراث فكري وفلسفي أحيانا؛ ولكن معتقداتنا في الحقيقة تعكس شخصياتنا، أو هي جزء من هويتنا وميولنا... نحن ننحاز إلى المعتقدات والتأويلات التي تشبهنا.
تذكر الإحصاءات الرسمية في الأردن أن 114 شخصا انتحروا في العام 2015. وبالطبع، هناك حالات وفاة أخرى كثيرة لم تسجل على أنها انتحار، وهناك أيضا جرائم قتل كثيرة من النوع الذي ليس قائما على دوافع جرمية، ولكنها تعود إلى أزمات نفسية أو عائلية أو بغرض الانتقام والثأر أو في شجار يبدأ بسيطا ثم يتطور إلى جريمة قتل. وهناك حالات محاولات انتحار لا تتم، تزيد عن عشرة أضعاف عمليات الانتحار التي تمت بـ'نجاح'. أليس طبيعيا القول إن هؤلاء المئات الذين أقدموا على الانتحار أو القتل، مستعدون أو كانوا قابلين للمشاركة في عمليات انتحارية أو إرهابية ضد دولهم ومجتمعاتهم؟ مؤكد بطبيعة الحال أن الذين يعيشون حالات من الاكتئاب والنزعة إلى الانتحار والتهميش والعزلة والشعور بالظلم، مرشحون تلقائيا ليكونوا متطرفين قساة؛ فالذي يقسو على نفسه أو المقربين إليه، سيكون أكثر استعدادا للقسوة على الآخرين.
(الغد)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012