أضف إلى المفضلة
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024


التطبيع مع القتل والجريمة

بقلم : د.باسم الطويسي
21-01-2017 12:55 AM
سلسلة الجرائم البشعة التي شهدها المجتمع الأردني خلال الأسابيع الأخيرة، تضاف إلى مواسم الجرائم غير المألوفة التي بات مجتمعنا يشهدها بين وقت وآخر خلال السنوات الخمس الأخيرة، والتي تؤكد من دون شك أننا أمام ظاهرة جديدة تمتد من أشكال الانتحار الغريبة والفاجعة، مرورا بقتل الأبناء والبنات والزوجات والأمهات من دون مبررات مفهومة، أو تقليدية على أقل تقدير، وصولاً إلى قتل زملاء وأصدقاء أو آخرين بأشكال بشعة. والمهم أن انخراط المجتمع الأردني بالجريمة الفردية غير المنظمة، يشهد زيادة كمية واضحة، وتغيرا نوعيا صادما وغير مألوف.
مشاهد القتل والإجرام بشعة وفاجعة بمجرد الإخبار عنها أو سردها. فمن مشهد الأخ الذي صوب رصاصة إلى رأس أخيه وقتله قبل يومين، مرورا بالأب الذي قتل زوجته ثم قتل ابنتيه وأصاب الثالثة بجروح، وأعمارهن لا تتجاوز أربع سنوات، إلى الأب الذي قتل طفلته ثم انتحر، وليس انتهاء بالشاب الذي قتل أمه ببشاعة غير مسبوقة قبل عدة أشهر. فيما تذهب المعلومات المتوافرة بشأن عدد من هذه الجرائم إلى أنها لم تحدث على خلفيات مرتبطة بالشرف، ولا يعاني مرتكبوها من مشاكل نفسية وهم لا مدمنون، وبعضها مرتبط بخلافات لحظية دفعت إلى ارتكاب جرائم في منتهى البشاعة؛ ما يعني طرح سؤال صادم عن نوعية التغيرات التي يمر فيها المجتمع، وإلى أي طريق يسير، وهل بات المجتمع يفقد توازنه.
ما يزال مؤشر جرائم القتل، وتحديدا النساء والأطفال، في ارتفاع مستمر. وما يزال مؤشر الانتحار في ارتفاع أيضا. لقد اتخذت إجراءات كثيرة حيال ظاهرتي العنف الاجتماعي والجريمة خلال السنوات الأخيرة، لكن يبدو أننا ندور في حلقة مفرغة، ولا يوجد ردع مجتمعي واضح أو إدراك لخطورة ما يحدث، خصوصا بعد الصدمات القاسية التي واجهها المجتمع الأردني خلال السنوات الأخيرة، نتيجة أحداث العنف الاجتماعي وأشكال جديدة من الجريمة.
ثمة وجهة نظر ترى أن وسائل الإعلام تمارس حالة من الإغراق الإعلامي في تناولها لهذه الجرائم، وتستثمر جاذبيتها للمتلقي، وبالتالي تضعها في دائرة التعرض السلبي؛ أي الاعتياد وعدم المبالاة والاستسهال. علاوة على أن العرض التاريخي الذي قامت به وسائل إعلام، بتقديم مشاهد القتل والذبح التي مارستها الجماعات المتطرفة، قد ساهم في التطبيع مع مشهد الموت والقتل. وعلى قدر ما قد يكون هذا التفسير صحيحا، إلا أن ظاهرة نمو الجرائم على خلفيات متعددة، تدق ناقوس خطر اجتماعي وقانوني جديد، بحيث تحتاج إلى قراءة من أكثر من زاوية.
ما حجم القصور في التشريعات الأردنية فيما يتعلق بالجرائم ذات الخلفيات المتعددة؟ وهل يوجد لدينا تقييم جاد لدور الآليات الاجتماعية التقليدية في فض النزاعات الاجتماعية؟ هل تدخّل واستجابة المؤسسات المعنية بالحماية الاجتماعية يتمان بكفاءة حقيقية، وهل يثق الناس بهذه المؤسسات وبهذه الآليات؟ ولماذا يتردد الناس في التبليغ عن مصادر التهديد الاجتماعية تحديدا؟ ما حجم تأثير الأزمات الاقتصادية والبطالة في اتخاذ قرار ممارسة العنف وارتكاب الجريمة؟
إن هذه التحولات تحتاج إلى مراجعة من نوع آخر؛ مراجعة أكثر جرأة وأكثر مسؤولية، تطرح أسئلة واضحة، ولا سيما: إلى أين يذهب المجتمع الأردني؟ التناقض يبدو في أن المجتمع يزداد محافظة بقوة، فيما يزداد بشكل متواتر العنف والجريمة؛ ما يعني أن هذه التحولات لا تسير على مسطرة واحدة. وعلينا هنا ملاحظة مجموعة من الاستنتاجات الأولية، أهمها: أولا، معظم تلك الجرائم ترتبط بالشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، ما يشير بجدية إلى حجم حالة التشوه التي تشهدها هذه الشريحة، في الوقت الذي نمت هذه الشريحة وأصبحت قاعدة الهرم السكاني. ثانيا، إن ازدياد حالة الارتداد الاجتماعي مع نمو الجريمة، يذهب إلى تصاعد وتيرة الصراع داخل الثقافة المجتمعية، وارتدادها نحو الأصول الأبوية والمرجعيات الأولية، ما يجعل احتمالات الانفجار واردة من كل الاتجاهات. ثالثا، لا يمكن قراءة هذه التحولات بعيدا عن حجم تأثير المتغيرات الإقليمية وحالة الفوضى وحركة اللجوء والزيادة القسرية في عدد السكان.

(الغد)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012