أضف إلى المفضلة
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024
الجمعة , 26 نيسان/أبريل 2024


جرحوا بيروت..فسال دمنا!

بقلم : رشاد ابو داود
11-08-2020 05:51 AM

لكل منا بيروته . ولبيروت بحرها وأرزها و..فيروزها . عندما «فجروها» في ذاك الثلاثاء الأسود سال دمها في شوارعنا وشراييننا و في مقاهي ذكرياتنا . سمعنا دوي الانفجارات بقلوبنا فتحسسنا جروحها فينا يوم اجتاحوها، ويوم احتلوها، ويوم استباحوها .

بيروت ليست مجرد مدينة، وليست مجرد عاصمة . بيروت حديقة حطت فيها الطيور العربية المهاجرة من مدنها المخنوقة الخانقة . ميناء رست فيه سفن الهاربين من قحط الحرية ومن عسس الأنظمة الدكتاتورية المخيفة الخائفة من بيت شعر ومن مجاز وتورية يخبئها شاعر بين سطور قصيدة .

لو كان نزار حياً لكرر اليوم ما قاله لبيروت ذات جرح :

يا ستَّ الدنيا يا بيروتْ

مَنْ باعَ أساوركِ المشغولةَ بالياقوتْ؟

من صادَر خاتمكِ السّحريَّ،

وقصَّ ضفائركِ الذهبيّهْ؟

من ذبحَ الفرحَ النائمَ في عينيكِ الخضراوينْ؟

من شطبَ وجهكِ بالسّكّين،

وألقى ماءَ النارِ على شفتيكِ الرائعتينْ؟

من سمّمَ ماءَ البحرِ، ورشَّ الحقدَ على الشطآنِ الورديّهْ؟

ها نحنُ أتينا.. معتذرينَ.. ومعترفينْ

أنّا أطلقنا النارَ عليكِ بروحٍ قبليّهْ

فقتلنا امرأة.. كانت تُدعى «الحريّهْ».

لي في بيروت أصدقاء وصديقات .اطمأننت على اثنين منهم، واحد عثر على نفسه وضاع من أمله و أمنه، وواحدة ليست بيروتية لكنها تعشق بيروت وتعيش فيها منذ سنين، علمت أنها أصيبت بشظايا زجاج تحطم مثل فرح هش . الآخرون لا أدري أين هم، هل في مشفى يئنون أم تحت الركام يموتون.

صدقت يا درويش حين قلت :

تُفَّاحةٌ للبحر , نرجسةٌ الرخام ,

فراشةٌ حجريّةٌ بيروتُ . شكلُ الروح في المرآة ,

وَصْفُ المرأة الأولى ’ ورائحة الغمام

بيروتُ من تَعَبٍ ومن ذَهَبٍ , وأندلس وشام

فضَّةٌ , زَبَدٌ ’ وصايا الأرض في ريش الحمام

وفاةُ سنبلة . تشرُّدُ نجمةٍ بيني وبين حبيبتي بيروتُ

لَم أسمع دمي من قبلُ ينطقُ باسم عاشقةٍ تنام على دمي .....وتنامُ...

مِنْ مَطَرٍ على البحر اكتشفنا الاسم , من طعم الخريف وبرتقال القادمين من الجنوب , كأنَّنا أسلافُنا نأتي إلى بيروتَ كي نأتي إلى بيروتَ...

من مَطَرٍ بَنَيْنا كوخنا , والرِيحُ لا تجري فلا نجري ’ كأنَّ الريح مسمارٌ على

الصلصال ’ تحفر قبونا فننام مثل النمل في القبو الصغير

كأننا كنا نُغَنِّي خلسةً :

بيروتُ خيمتُنا

بيروتُ نَجْمتُنا ........

لا تسألوا من الفاعل المجرم الذي فجرها . لن تجدوه . دائماً الفاعل معلوم مجهول . الكل يعرفه ولا يعرفه أحد . هل هو من اعتاد ان يذبح لبنان من الشمال الى الجنوب، أم من يريد لبيروت أن لا ترتدي فستان عرسها وتبقى حزينة حتى تموت.

دعوها تلملم أبناءها وأشلاءها ففي كل مقبرة اعتادت بيروت أن تنشىء حديقة. وفي كل قبر يحيا شهيد.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012