أضف إلى المفضلة
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024


دهاء العسكر وخيبة النخب!

بقلم : حسين الرواشدة
16-06-2012 12:48 AM
أوشكت الصورة ان تكتمل في مصر إلى حد بعيد، لكن فجأة اخرج المجلس العسكري “عصاه” فانقلب المشهد تماماً.

الحكمان اللذان صدرا عن المحكمة الدستورية عكسا - في مضمونهما وتوقيتهما - الخطة التي رتبها البعض هناك لإسدال الستارة على “الثورة” فقد تقرر حل مجلس الشعب بعد ان أبطل القرار القضائي عضوية النواب المرشحين على النظام الفردي، كما أعاد القرار الآخر المرشح الرئاسي المتهم بالانحياز للنظام المخلوع الى السباق بعد أن أفتى بأن قانون “العزل” ليس دستورياً.

إذن كل ما بناه “المصريون” على أرضية “الثورة” تم هدمه والغاؤه، ولم يكن ذلك بفعل دهاء العسكر فقط، هؤلاء الذين حافظوا على مقولة مبارك بعد آخر انتخابات برلمانية في عهده حين نهضت المعارضة آنذاك لتشكيل مجلس “شعب” مواز، قال: “سيبوهم يتسلوا”.. وانما بفعل “النخب” التي انشغلت بصراعاتها وبتقسيم حصصها “السياسية” على حساب الثوار والشعب الذي ما زال غارقاً في “بؤسه” ومفزوعاً من خيبة الذين اعتقد أنهم سيأخذون بيده الى “التغيير”.

مرَّ عام ونصف على “ثورة” المصريين، وكان يمكن ان “يتوافق” الجميع على خطوات عاقلة ومدروسة “للانتقال” الى الديمقراطية، لكن ما حدث كان عكس الاتجاه، فقط خلط البعض “أولويات” العمل وبدلاً من ان يذهبوا الى كتابة دستور جديد واقامة مجلس رئاسي وازاحة النظام القديم، ذهبوا الى انتخابات برلمانية تبين ان “قانونها” كان غير دستوري، ودخلوا في “معارك” سياسية انتصرت فيها “الخصومة” المتجردة من اخلاقياتها على “التنافس” والتوافق وتوحيد جبهة الثورة.. وفيما كان الاسلاميون واليساريون مشغولين “بالصراع” كان “الفلول” وأعمدة النظام السابق يستردون قوتهم ليباغتوا المصريين بما حدث قبل يومين فقط على “الجولة” الأخيرة من انتخابات الرئاسة، حيث خرج المرشح شفيق بخطاب “رئاسي” أشهر فيه عودة النظام السابق رغم أنف الجميع.

الى أين تتجه مصر الآن؟ لا أحد بالطبع يستطيع ان يحسم الاجابة، فقد تبددت مكتسبات الثورة واحدة تلو الاخرى، وأصبحت “النخب” السياسية متهمة أمام الناس بالتفريط بدماء الشهداء وتضحيات المصريين، وبقيت فرصة أخيرة للإسلاميين لكي يحصدوا بعض “المكاسب” اذا ما وصل “مرسي” الى الرئاسة، لكنها مكاسب مجروحة ومقيدة بعد ان خسروا أغلبيتهم في البرلمان.. وحملتهم الجماهير مسؤولية التقصير في مواجهة “الانقلاب” الناعم الذي قام به العسكر.

لكن هذا لا يعني أبداً ان “الثورة” انتهت، صحيح ان المصريين خسروا الجولة الاولى وربما الثانية، لكن أمامهم جولات اخرى وأعتقد انهم مصرون على الانتصار فيها، فما حدث هو ان الحسابات السياسية التي رتبتها القوى المختلفة طغت على حسابات الثورة التي خرج من أجلها المصريون، وهذا متوقع أحياناً وطبيعي في بلدان عانت مجتمعاتها من سطوة الانظمة واستبدادها، لكن هذا الوضع يبقى مؤقتاً ولن يستمر، وربما سنرى خلال الأيام القادمة مخاضات اخرى في ذات الميادين التي خرجت منها الثورة، وعندئذ ستنقلب المعادلات مرة اخرى، وستعود الجماعات الوطنية الى منطق الثورة لا منطق السياسة فقط، وستكون الولادات مختلفة تماماً.

غالباً ما تتعرض مسيرة الثورات الى اخطاء، وما حدث في مصر، هو جزء من هذه “السيرورة”، واذا كان البعض سيراهن على “فشل” هذه النسخة العربية من الثورة لتصميم مقولات “المؤامرة” أو “الثورات المصنوعة”، فإن الوقت ما زال مبكراً جداً على الاحتفاء بذلك، لأن الشعوب التي ازاحت انظمتها السياسية قادرة في أي وقت على ازاحة الآخرين الذين خرجوا من “أصلابهم”.. ولأنها لا يمكن ان تقبل بأن تضيع دماء شهدائها وتضحياتها هدراً، وهي دروس - بالطبع - يفترض ان يتعلم منها الجميع.

(الدستور)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012