أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


سيف الدولة يقاتل في حلب

بقلم : ناهض حتر
31-07-2012 11:37 PM
'كلما رحبتْ بنا الروضُ قلنا
حلبٌ قصدنا وأنتَ السبيلُ
وسوى الروم، خلف ظهركَ رومٌ
فعلى أيّ جانبيكَ تميلُ؟ '
المتنبي مخاطبا سيف الدولة الحمداني
في معركة حلب ' الحاسمة' الدائرة الآن، نسأل أين هي 'الثورة السورية'؟ الثورة هي الناس أولا وآخرا. والناس في حلب يفرّون، تارةً من ' المحاكم الشرعية' الميدانية لمسلحي الإخوان والسلفية والقاعدة، وطورا من احتدام القتال بين الجيش العربي السوري وجيش 'المجاهدين' الدوليين. إنها الحرب .. لا الحرب الأهلية ؛ فالأهالي ـ من الموالاة والمعارضة معا ـ ينجون بأنفسهم، ويتطلعون إلى جيشهم الوطني، ويرجون انتصاره في مواجهة الغزاة، لكي يعودوا إلى منازلهم وأعمالهم ومدارسهم وحياتهم اليومية، كما إلى اصطفافاتهم السياسية المتحضرة في إطار الدولة الوطنية والقانون والسلم والأمان.
وربّ ضارةٍ نافعة؛ فأمام الغزو الدولي لسورية، يتوحّد الشعب السوري وراء جيشه الوطني. فالمعركة الآن ليست بين نظام ومعارضة، ولكن بين سورية الموحدة والمستقلة ونمط حياتها المتمدن من جهة، و الغزو البربري الأجنبي في تكوينه الرئيسي، رجالا وعدة ومالا وسلاحا واتصالات وسيطرة.
هناك، بالطبع، 'مجاهدون' سوريون، ولكن تركيبة جبهة 'المجاهدين' لم تعد سوريّة، بل سلفية جهادية مكونة من سعوديين وخليجيين وليبيين وعراقيين وفلسطينيين وأردنيين وأفغانيين وباكستانيين وشيشان الى آخره من الجنسيات، وكلهم جاءوا وتجمعوا ودخلوا إلى الأراضي السورية تحت إشراف وقيادة المخابرات التركية والأمريكية والبريطانية والفرنسية والخليجية. وهذه الأجهزة هي التي تدير المعارك من غرفة عمليات مركزية في أضنة.
المجاهدون في سورية اليوم فرقة دولية. تمويلهم وسلاحهم مصدرهما الرياض والدوحة. التقنيات والمعلومات أمريكية. الدعم العسكري واللوجستي من الجيش التركي والبريطاني. التحكم والسيطرة والاتصالات تحت إدارة تجمع الأجهزة المخابراتية الدولية والإقليمية. القرار.. دولي، والخطة.. دولية. لم يعد حتى مجرد تمرد داخلي مسلح، بل تحوّل غزوا صريحا يشنه حلف الناتو، لا بعسكره وإنما بعسكر السلفية الجهادية. حتى ' الإخوان' الذين يشكلون القوة السياسية الرئيسية المسلحة، تحولوا إلى بيدق في خطة دولية.
نحن، إذاً، أمام غزو... وأمام غزاة. وهي حقيقة أدركها القسم الأعظم من الشعب السوري بالمعاناة وبالعين المجردة، مما حرّك لدى السوريين، غريزتين عميقتي الجذور في وجدانهم: الوطنية والتمدن. فجأة، خسر المشروع الغربي التركي الخليجي في سورية، غطاءه السياسي المنسوج من الشعارات الليبرالية للربيع العربي؛ تحركت مفاعيل الوطنية السورية لتمنح الجيش الوطني حاضنة اجتماعية وطنية هي التي ستمكنه من حسم المعركة مع الغزاة، ولهول التجربة التي قاستها الأحياء المتمدنة على أيدي الجهاديين، تحركت مفاعيل المدنية لتحاصر الجهاديين في خندق الغرباء، الغرباء فعلا والغرباء ثقافة عن فضاء المجتمع السوري.
مَن يصدّق من المواطنين السوريين المعارضين اليوم أنها ثورة تلك التي يستخدمها الجيش التركي طليعة لغزو عثماني جديد؟ مَن يصدّق أنها معارضة ديمقراطية التي تنفّذ الاعدامات الفورية بمواطنين مسالمين يخالفونها الرأي؟ مَن يصدق أنها حركة اسلامية تلك التي تقودها السي آي إيه؟ ومَن يصدّق أنها حركة قومية تلك التي يزوّدها حمد بن جاسم بالسلاح؟
أخطاء النظام السوري وخطاياه هي مسألة أخرى تماما. صحيح أنها هي التي فتحت الثغرات أمام الغزاة، ولكنها لا تسوّغ الغزو في وجدان السوريين الوطني. هذا الوجدان هو الذي يشحن مقاتلي الجيش العربي السوري، بالعزيمة والقدرة والتصميم على رد الغزاة والحفاظ على سورية الموحدة المستقلة. وفي سورية هذه، ستبدأ، بعد النصر، معركة سياسية، وطنية وسلمية ومتحضرة، للتغيير الديمقراطي الاجتماعي.

التعليقات
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012