أضف إلى المفضلة
الخميس , 16 أيار/مايو 2024
الخميس , 16 أيار/مايو 2024


حرب سورية الطويلة

بقلم : د. رحيّل غرايبة
25-08-2012 11:32 PM
تشير مواقف الأطراف الخارجية المختلفة، والمتناقضة في مصالحها، إلى أن المعركة في سورية سوف تطول وتطول، وسوف تحصد مزيداً من الأرواح ومزيداً من الدمار، ومزيداً من التشريد، ومزيداً من الإمعان في إضعاف الدولة المستقبلية في سورية، ومزيداً من خلق الصعوبات الجمّة في إعادة بناء سورية القوية الموّحدة.
وفي هذا الصدد يجب المساواة بين فظاعة الجريمة التي يرتكبها الحلف الغربي الماكر الخبيث، وفظاعة الجريمة التي يرتكبها التحالف الروسي الإيراني مع النظام الذي لا يقل مكراً وخبثاً وإجراماً وحساً بليداً تجاه مصير الشعب السوري، وعدم الاكتراث بمصير أطفال سورية الذين يتعرضون لأبشع صنوف التنكيل والتعذيب وحرب الإبادة، الذي لم يعرف التاريخ الحديث لها مثيلاً.
لقد تواطأت الأطراف الكبرى على الاستمرار في المحرقة وزيادة أمدها، من أجل التخلص من أكبر عدد من رجال القاعدة الموجودين في السعودية وليبيا والدول العربية الأخرى عن طريق تسهيل مرورهم إلى سورية، الذين تضيق الدول العربية بهم ذرعاً، ويثيرون تخوف أمريكا والغرب، وقد كان للنظام السوري دورٌ تاريخيٌ سابقٌ في هذه اللعبة زمن الحملة الأمريكية الغربية على العراق، وكان النظام السوري يعتقد وقتها أنّه يمارس لعبة ذكية مع أمريكا عن طريق نصب الشرك السوري لأكبر عدد من أفراد الحركات الجهادية، ليشكل عربوناً سورياً لإرضاء أمريكا حتى لا تعمل على تصفية النظام، وهو لا يعلم أنّه سوف يكون ضحية اللعبة نفسها، وفي الوقت ذاته هناك تواطؤ على إضعاف الشعب السوري وتحطيم بنية الدولة؛ من أجل ضمان عدم وجود تهديد لأمن (إسرائيل).
يجب أن نعترف أنّ التدخل الخارجي في الشأن السوري كلّه شر، ولا يجوز استثناء التدخل الإيراني والتدخل الروسي واعتباره عملاً خيرياً، إنسانياً مبدئياً مجرداً من لعبة المصالح، فهذا نمط من البلاهة السياسية، ويحمل قدراً كبيراً من الاستغفال والاستهبال، فلا يجوز النظر بعين واحدة في هذا المجال، فنبصر دخول (100) رجل من جماعة أبي سياف، ونغمض العين عن دخول (1500) مقاتل مسلح وقناص من رجال حزب الله، بحسب اعتراف أحد الأسرى منهم، ولا يجوز التغافل عن خط الإمداد المتواصل من القتلة المأجورين الذي يدخلون سورية من إيران عبر العراق الذي لم ينقطع، والمعبئين بالحقد الطائفي ويتقربون إلى الله في إبادة من يخالفهم في المذهب.
ولو أرادت أمريكا، بالتعاون مع التحالف الغربي، أن تعجّل في نهاية الحرب لكان ذلك في استطاعتها كما فعلت في أماكن أخرى كثيرة، ومجرد إدخال صواريخ استنجر سوف يحسم موضوع الطيران في الجوّ، كما حصل في أفغانستان على سبيل المثال، ولكن ما نراه على أرض الواقع هو مجرد دعم قولي وإعلامي باهت، ممّا يؤشر إلى تواطؤ ماكر وخبيث، لأنّ القتلى باختصار ليسوا إسرائيليين وليسوا غربيين، ولا يشكل نهر الدم الجاري في سورية أي تهديد لمصالح الغرب أو الشرق على حدٍ سواء.
إنّ عدم استجابة النظام لمطالب الشعب السوري منذ البدء، واختياره مسار القمع والبطش الدموي، فتح الباب على مصراعيه للتدخل الدولي من كلّ الأطراف، وجعل عملية تدمير الدولة السورية نتيجة حتمية؛ وقد استسهل تدميره شعبه وقتل أطفاله أولاً، مقابل وهم الحفاظ على كرسي الزعامة الآيل للسقوط الحتمي.
الشعب السوري ونحن جميعاً ندفع الثمن، لأنّنا رضينا عبر نصف قرنٍ من الزمان السكوت على بقاء أنظمة التسلط والفساد التي ولدت من رحم الاستبداد، والتي تسلحت عبر مسيرتها بآلة القمع الدموي واتّبعت سياسة سحق المواطن العربي، وتحطيم إرادته ومصادرة حريته وإنسانيته، فأصبحنا جميعاً ضحية اللعبة الدولية الفاجرة التي لا تقيم وزناً لهذه الكتلة البشرية المهمشة.
لا أحد يتمتع بالحد الأدنى من الكرامة وقسط معقول من العقل والمنطق يثق بأنّ أمريكا هي المخلّص أو المنقذ، لا هي ولا كل من يتحالف معها من الغرب جميعاً، ولا أي نظام عميل عربي أو غير عربي، وفي الوقت نفسه فمن الغباء والبلاهة البحث عن الخلاص لدى جهة استعمارية أخرى، أو الارتماء بأحضان عدوّ آخر، لا يقل شراسة ولا شطارة في لعبة المصالح الخارجية.
والشيء الآخر البديهي أنّ أي نظام استبدادي تسلطي لا يستمد شرعيته من شعبه، ولم يأت للسلطة عن طريق الاختيار والإرادة الشعبية الحرة، لا يمكن أن يكون قادراً على مقاومة عدو أو تحرير أرض أو صناعة مجد، مهما رفع من شعارات الصمود والمقاومة والتصدي؛ فهذا محض وهم وأضغاث أحلام وضربٌ من ضروب العبث.
الحل أن تستمر الشعوب العربية في الثورة على الاستبداد ومواجهة آلة القمع الدموي، وأن تعيد بناء ذاتها وقوتها، وبناء علاقاتها مع المجتمع الدولي بناءً على مصالحها التي تقررها الجماهير، بعيداً عن التبعية لأيّ طرف خارجي شرقياً كان أو غربياً.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012