أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


بكائيات و"تحميل جمايل"!

بقلم : د.محمد ابو رمان
04-02-2014 11:30 PM
النخب السياسية الأردنية منقسمة في قراءة المشهد الداخلي الراهن، بين اتجاهات متباينة، وربما متضاربة. اتجاه المعارضة، يرى الأمور من منظور أيديولوجي. لكنّ الملمح الأساسي له خطابي؛ فالانتقاد دائم ومستمر لكل شيء سياسي، ولإلغاء الدعم عن السلع وزيادة الضرائب، ولانتشار الفساد، وربما حتى لمنع الأرجيلة. ووصل الأمر ببعضهم حد انتقاد خطوات وزارة التربية والتعليم الجادة لضبط قاعات امتحان الثانوية العامة 'التوجيهي' منعاً للتسيّب؛ ويطالب بإلغاء معاهدة وادي عربة، وبالديمقراطية والملكية الدستورية، وبحماية الطبقة الوسطى، وباستخراج النفط، وبوضع الفاسدين جميعاً في السجون، وبالإصلاحات العامة.
لا يوجد أحد يجرؤ على أن يعلن اختلافه مع هذه المطالب. لكنّ المعارضة لا تجيب عن السؤال الوحيد المطالبة بالإجابة عنه، وهو: كيف؟ ففي الوقت الذي نطالب فيه، سياسياً، بملكية دستورية وديمقراطية ناجزة، نختلف إلى حدّ الاقتتال على الموقف من قانون الانتخاب، ومفهوم المواطنة وحدودها؛ وعلى القيم الأساسية للديمقراطية، من احترام التعددية، والالتزام بمبدأ سيادة القانون وتكافؤ الفرص، والعدالة القانونية والاجتماعية، والاحتكام للدستور والقانون.. إلخ.
اقتصادياً، لا نرى أيضا أيّ خطاب معارضة جدّي واضح، يضع لنا المسار البديل في السياسات المالية والتنمية والاقتصاد، وفي التعامل مع المنحة الخليجية، وإعادة هيكلة سوق العمل، والتعامل مع مشكلتي البطالة والفقر. كما لا نجد أي رؤية اقتصادية- ثقافية للنمط الاستهلاكي المشوّه لدى الأردنيين!
لا تقف الأمور عند حدود 'عجز المعارضة' عن اجتراح البدائل والمسارات الموازية الواقعية في السياسات الداخلية، بل انهارت تحالفاتها، ووصلت إلى تخوم التخوين و'التكفير الوطني'، نتيجة تضارب المواقف بشأن ما يحدث في سورية ومصر!
على الطرف الآخر، نجد أن خطاب النخبة السياسية النافذة في دوائر القرار، وإن كان أكثر واقعية بمنطق المسؤولية المفروضة، إلا أنه يقفز عن الأزمات البنيوية والكبيرة التي بدأت تظهر بوضوح شديد خلال السنوات الأخيرة؛ مثل العنف المجتمعي والجامعي، وانهيار منظومة القيم الوطنية، وتراجع السلطة الأخلاقية للدولة، وانتشار ظاهرة التنمّر على الدولة والتطاول عليها، وضحالة النخب السياسية والبرلمانية، وانتشار المخدّرات من جهة، والتطرف الديني من جهةٍ أخرى.
الأسوأ من هذا وذاك، هو المزاج الشعبي السلبي والمحتقن والغاضب، الممزوج بحالة الحرمان الاجتماعي، والضغوط المالية والاقتصادية التي تعاني منها الشريحة الاجتماعية الواسعة، فيما لا نجد أفقاً حقيقياً للخروج من هذه الأوضاع، بقدر ما ينتظر الناس مزيداً من الضغوط وارتفاع الأسعار.
الخطاب الرسمي يتكئ على ما يحدث في المنطقة، ليقول للناس: 'أنتم تعيشون في نعمةٍ كبيرة'، و'الدنيا قمرة وربيع' مقارنةً بما ترونه من دماء وأشلاء، إذا فتحتم نوافذ منازلكم لتروا ما يحدث لجيرانكم!
ما يكاد يكون محدوداً في المشهد، هو الخطاب المتوازن الواقعي من قبل الأطراف المختلفة؛ الذي يخرج من حالة 'الخندقة' الزائفة، ومن تقمّص أدوار الموالاة والمعارضة. وهو الخطاب الذي يلامس، بالفعل، أولويات المواطنين ومشكلاتهم الواقعية، فلا يتاجر بها، وفي الوقت نفسه لا يتنكّرها ويتجاهلها. ذلك الخطاب الوطني الجامع الذي يعلي المصالح العامة ويواجه المشكلات، ويتطلّع إلى المستقبل والغد، ويفكّر في الأجيال القادمة، ويحمل في ثناياه الروح الوطنية الوثّابة التي تتوق لها الشرائح والنخب المتّزنة المعتدلة.
السؤال المطروح علينا جميعاً: هل سنبقى خاضعين للنظارة السوداء؟ وهل سنظل ندور في 'حلقة اليأس'، أو متمسكين بخطاب 'تحميل الجمايل'؟ أم علينا الخروج من ذلك المحيط الراكد، لنفكّر في بناء فلسفة وطنية مغايرة تماماً، تحكم الدولة والمجتمع والأفراد، وتضع مسطرة الدولة والمجتمع والاقتصاد والثقافة؟ أليست هذه الفلسفة، وما ينجم عنها من رسالة سياسية وأخلاقية واضحة للدولة والمجتمع، هي ما نفتقده فعلاً، وبما يشكل أحد مصادر حالة الضبابية والفوضى وانعدام اليقين الخطيرة الراهنة؟.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012