أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


الحلقة المفقودة

بقلم : د. رحيّل غرايبة
01-04-2014 12:39 AM
المسافة التي تفصل بين الإصلاح والفوضى شاسعة وممتدة ، ومع ذلك لا يكاد بعض الناس يدرك الفارق بينهما ، وتختلط الأمور عليه نتيجة عدم إدراك النهايات البعيدة في الأفق ، إلى تلك الدرجة من الضبابية والعشى الليلي ، حيث أصاب هذا المرض عدداً لابأس به ممن يتصدرون العمل السياسي في بلادنا العربية المنكوبة .
كلنا متفقون على أن الأوضاع العربية لا تسرّ ، وهي ليست على ما يرام . سواء
أكان ذلك على الصعيد السياسي ؛ من حيث القوة والوحدة والديمقراطية والحرية، أو على الصعيد الاقتصادي من حيث القدرة على استغلال القدرات وإدارة الموارد ، وسداد الدين وتخفيض العجز وتحقيق الاكتفاء الذاتي ، أو على الصعيد العلمي والبحثي والمنافسة في مجال الإبداع والابتكار وتطوير العقل العربي ، وكذلك لسنا بحاجة للبرهنة ومزيد من الاستدلال على وجود الشمس والتذكير بالبديهيات ، كمن يعمد إلى البحث عن أثر «الضبع « وإبداء المهاراة في القصص ، في الوقت الذي نرى فيه «الضبع « عياناً بوضوح.
المشكلة تكمن فينا جميعاً ، أننا لا نبصر طريق الإصلاح ، ولا نسلكها، ولم نعدّ العدَّة الحقيقية للمسير فيها ، ولا نمتلك الإرادة الجمعية بتطوير قدراتنا وملكاتنا نحو امتلاك مهارة السير وتحملّ كلفته ، ونعمد دائماً إلى البحث عن الأسهل ، والبحث عن الأشكال والمظاهر الخادعة التي تضلل الأجيال وتخدع الأبصار .
هناك حلقة مفقودة بين الواقع والأمنيات ، يتجنب كثيرون البحث عنها ، لذلك يتم اللجوء دائماً إلى الاستمتاع بجلد الذات الدائم والمستمر ، والاستغراق في الوصف ، والحديث عن مرارة الواقع، أو الحديث عن الأمنيات التي تعشش في الخيال النائم أو العقل المستريح ، والاكتفاء بلذة النقد والانفعال، وشفاء الصدور بالسباب والشتائم، ولذة الوهم والتمثيل في مسرح الدّمى وعلى مسرح الأحلام ، والإصرار على موصلة النوم وعدم اليقظة.
الأمر الأكثر خطورة أن تتحول اليقظة إلى كابوس ، وأن يتحول الشعور بالمرارة والعجز إلى حالة من الإحباط واليأس القاتل ، وشعور بالأفق المسدودة ، والجو القاتم ، والوصول إلى الجدار، عند ذلك تتحول المجتمعات المحبطة واليائسة إلى قطعان بشرية هائمة ، تستوي الحياة لديها مع الموت ، وينتقل الحوار نحو لغة عدميّة متخشبة ، ويفرض العنف وجودة بقوة .
الحلقة المفقودة تكمن لدى القوى السياسية التي تطالب بالإصلاح بالعجز عن امتلاك البديل ، والعجز عن إعداد نفسها أولاً، وإعداد الشعب ثانياً على تمثل قيم الإصلاح .
وامتلاك القدرة على ترجمة الأماني العذبة إلى واقع ملموس ، والقدرة على تحويل الإرادة الشعبية إلى إنجاز يدبّ على الأرض من خلال البناء والحماية والاستمرار.
لا طريق نحو الإمساك بحبل النهوض والإصلاح ، إلاّ من خلال إعادة بناء الإنسان الصالح، عقلاً وفكراً، والناهض همة ونفساً ، والقادر على بناء مجتمع صالح يفرض صلاحه من خلال قدرته الجمعية على فرز الأكثر قوة وأمانة ، والأكثر حفظاً وعلماً، وفقاً لمعايير سليمة تبتعد تماماً عن المحسوبية والمجاملة ، والظلم والمحاباة ، وكل أشكال الفساد المقنع .
إن عدم إدراك الحلقة المفقودة ، يؤدي حتماً إلى انقطاع الحبل وانفراط السلسلة ، وسيؤدي ذلك إلى الفوضى العارمة لامحالة ، هكذا تقول سنن الكون الغلابة ، وإن وظيفة القوى الإصلاحية هي حماية المجتمع من الفوضى ، وحماية الأجيال من الوقوع في شرك الإحباط واليأس على أقل تقدير ،عندما تكون عاجزة عن السير بالمجتمع نحو الإصلاح المطلوب ، بطريقة سلمية آمنة ومتدرجة وموثوقة ومدروسة ومحكمة التخطيط.
(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
01-04-2014 07:54 PM

نسوا الله فأنساهم أنفسهم" صدق الله العظيم .

هذه هي الحلقة المفقودة.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012