أضف إلى المفضلة
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024
الجمعة , 03 أيار/مايو 2024


من يزرع الريح!

بقلم : د.محمد ابو رمان
04-04-2014 12:27 AM
تفجيرات جامعة القاهرة أول من أمس، مع الإدانة الشديدة لها، ما هي إلاّ نتيجة طبيعية، وأوّلية، لأحكام الإعدام التي أصدرها سفّاح بثوب قاضٍ في مصر بحق 528 عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، فقط بعد جلستين؛ وكذلك لوجود عشرات الآلاف من المعتقلين من طلبة الجامعات والسياسيين، من الإخوان وغيرهم، في السجون والمعتقلات المصرية، فمن يزرع الريح يحصد العاصفة!
شاهدت، مؤخّراً، تسجيلاً مصوّراً لمحاكمة البروفسور صلاح سلطان، وهو من قيادات الإخوان المسلمين في مصر، ومن أبرز الفقهاء المعروفين، حيث صرخ القاضي في وجهه، قائلاً له: اخرس، ما أثار غضب المحامين من هذه الرعونة المفرطة لدى قضاة مصريين، واستهتارهم هم بحرمة مكانة القاضي وهيبة الموقع الذي ابتُذل إلى أقصى درجة على يدّ هؤلاء القضاة أنفسهم خلال فترة حكم العسكر في مصر!
منذ بداية الأحداث، كان الإعلام المصري المدعوم من جهاز أمن الدولة سيئ الصيت والسمعة، يصرّ على إقحام 'الإخوان' في أجندة الإرهاب، ونسبة العمليات إلى الجماعة، والزجّ بها في الحزمة نفسها مع جماعة أنصار بيت المقدس وغيرها من مجموعات محسوبة على السلفية الجهادية، وتتناقض أيديولوجياً وسياسياً مع خطاب الإخوان المسلمين، بل وبين التيارين الإسلاميين ما صنع الحدّاد من خلافات، وصلت حدّ الاقتتال في غزّة تحت حكم 'حماس'!
لم ينجح الإعلام المصري في ذلك بالبداية. لكن مع مرور الوقت وتلاشي الأفق الشرعي في العمل المدني والسلمي والديمقراطي، ومع المضي قدماً في عسكرة الحياة اليومية المصرية، فإنّ تسرّب أعضاء وشباب من الإخوان نحو السلفية الجهادية، مع وجود عشرات الآلاف في السجون، هو أمر طبيعي ومتوقّع.
لن تأتي ساعةٌ تعلن فيها جماعة الإخوان، رسمياً، تبنّيها للعنف والعمل المسلّح. لكن الساعة التي نجد فيها نسبة كبيرة من الشباب تتسرّب نحو العمل المسلّح والتطرف والعنف، هي قريبة، جرّاء هذه الأجندة الأمنية، مصرياً وعربياً.
من يسير مع الانقلاب مراهناً على تثبيت أقدامه، بدعوى التخلص من الإخوان المسلمين، هو مخطئ تماماً؛ فالقضية ليست مرتبطة بالإخوان، وإنما بالديمقراطية والتغيير، والخروج من كهف الأنظمة الأمنية الأوتوقراطية الفاسدة التي أوصلت الشعوب والمجتمعات العربية إلى هذا المسار الكارثي، وما تزال مصرّة على الاستمرار حتى تأخذ الشعوب إلى ما هو أخطر وأسوأ، كما يفعل نظام الأسد اليوم، حينما يفضّل تقسيم سورية وذبحها من الوريد إلى الوريد على القبول بمرحلة انتقالية سلمية يتنازل فيها عن كرسيه!
الرهان على نجاح عبدالفتاح السيسي، عبر المساعدات الاقتصادية الخارجية، ومن خلال اليدّ الحديدية، هو رهان خاسر، لا يتعظ بدروس التاريخ، ولا يريد أن يرى حجم التغييرات والتحولات التي جرت في المنطقة العربية، وتقف وراءه قناعة النظام الرسمي العربي بأنّ المطلوب في المرحلة المقبلة إغلاق الأبواب على التغيير، والزجّ بقوى الإسلام السياسي جميعها في خندق العنف والإرهاب، على قاعدة أنّه لا يوجد معتدل ومتطرف، بل جميعهم متطرفون!
مثل هذا الرهان الكارثي لا يحمل في طيّاته إلاّ وعود الشؤم للمنطقة وشعوبها. إذ إن التيار الإسلامي الموجود في المشهد لا يمكن استئصاله بالإعدامات والاعتقالات والقتل والإقصاء؛ فمثل هذه السياسات جُرّبت مراراً وتكراراً، ونحن أمام مسارين: أولاً، فشل هذا الرهان وانتكاسته، ثم البحث عن طريق أخرى. والثاني، نجاحه في الزجّ بعشرات الآلاف من الشباب الإسلامي الصاعد، في ظل أنظمة دكتاتورية فاسدة، نحو العمل الراديكالي والمسلّح، وحينها ستكون النتيجة بحوراً من الفوضى والعنف والدماء والراديكالية. فأيّ نجاحٍ مبهر لمن يتبنّون هذا الرهان العبقري؟!
(الغد)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012