أضف إلى المفضلة
السبت , 04 أيار/مايو 2024
السبت , 04 أيار/مايو 2024


سم بطيء

بقلم : ماهر ابو طير
21-07-2014 02:05 AM
علينا أن نلاحظ أنه في كل حرب على غزة والضفة أو على أي مكان عربي، من جانب إسرائيل، نقع في أخطاء إعلامية، فيما الاسرائيلييون خبراء، ولا يقعون بذات الأخطاء.
كل مرة نقوم بإشهار صور الضحايا، الشهداء، الاطفال المحروقين، ومقاطع الفيديو، وبث مباشر من المستشفيات، والضحية مذهولة، لا تملك رد الكاميرا ولا المايك.
هذا أمر جيد جدا، لأنه يوضح حقيقة العدوان، ويفضح إسرائيل، ويؤجج مشاعر الكراهية والغضب ضدها، غير أن عياراته مثل الذهب، الزائد فيها مثل الناقص.
في المقابل هم يخفون دائما عبر الرقابة العسكرية، أي صور لضحاياهم، لاعتبارات كثيرة، من بينها عدم خفض الروح المعنوية للاسرائيليين، ومن اجل عدم تلذذ العرب بصور ضحاياهم، ومن اجل اشعار الجميع، ان كل صواريخ المقاومة صواريخ كرتونية لا تؤثر، وصونا لدم ضحاياهم التي لايجوز جعلها مشاعا للإعلام، أكان شامتا، أم مراقبا.
علينا أن نلاحظ أن إسرائيل تؤجج غضب جمهورها بطريقة تختلف عن التأجيج عبر الصورة، ولا تبحث عن تضامن دولي، عبر الصورة او الفيديو، عبر نشر مقاطع مثلا لأطفال يهود وقد قتلوا أو تم تقطيعهم جراء الصواريخ.
تكمن المشكلة في الصورة والفيديو، في أسرار الإعلام، المتعلقة باللحظة والاستثمار الاستراتيجي، فمن حيث اللحظة تثير الغضب حقا، وتكشف حجم الجريمة، لكنها أيضا، مع وجود ملايين الصور والفيديوهات السابقة واللاحقة ربما تتحول الى أمر عادي، لأن القتل يصبح مألوفا عند المتلقي، بل ان بعض الجمهور من شدة التأثر، لا ينقلب الى غاضب، بل الى شخص غير قادر على رؤية أي صور جديدة، لعدم قدرته كإنسان على احتمال المزيد.
الأمر الثاني يتعلق بالتأسيس الضمني، للخوف والذعر في العقل الجمعي للعرب والفلسطينيين، من قدرات إسرائيل وقهرها، وهذا أمر يتحقق بشكل غير مباشر، وكأن الرسالة تقول إن هذا هو مصيركم، إذا عبثتم مع إسرائيل، وهذا هو مصير اطفالكم، والارتداد النهائي، جراء التوظيفات المفرطة للصور والفيديوهات، موجات ردة أخلاقية ودينية تحدث عند كثيرين بعد هذه الأزمات، وبعد وقف الحروب والضربات، لفرط شعورهم باليأس، خاصة حين تغيب الحصانة الدينية، التي بدونها قد ينقلب كثيرون على اعقابهم.
يخفف من النتائج السلبية للصور والفيديوهات، أي انتصارات للمقاومة، فتصير لحظتها فكرة استحاق الثمن مقابل النتيجة، فكرة وازنة، فيحتمل الإنسان، كل هذه الصور والفيديوهات، ما دامت هناك نتائج، وهنا أهم سر في كل القصة.
هذا يفسر إصرار إسرائيل على عدم نشر أي صور لضحاياها، حتى لايحدث التوازن عند الانسان العربي، وحتى يبقى يشعر أنه يتعرض للحرق وحيداً، ولايرد الصاع صاعين، والمقصد النهائي، إشعارك بكلفة كل ما تفعله المقاومة باعتباره مجرد عبث يؤذي عامة الناس، دون أي نتيجة نهائية.
هناك تعقيدات كثيرة في لعبة الإعلام، وبالذات في مشهد غزة، ونحن هنا لا نطلب حجب الصورة، او الفيديو، لكنك في لحظة تسأل: هل البث المباشر من مستشفى حيث الأطفال يصرخون والامهات يلطمن، يؤدي فعليا الى تأجيج الغضب، أم الى شعورك بالضعف والقهر والمهانة، وان العدو لايرحم، ويؤسس عند البسطاء وغير المتدينين والعقائديين، أرضية لقبول الواقع، وعدم مناطحة المخرز بكف؟!.
الأسئلة كثيرة، غير أن تعاملنا مع هذه الوحشية القذرة، يجب أن يخضع لخبرات اضافية، وهنا نطالب برحمة صغارنا أيضا من هذه المشاهد، إذ قد تؤسس فيهم ثأرا وغضبا، وقد تؤسس فيهم خنوعا وخوفا.
مربط الفرس هنا، يتعلق بحاجتنا الى ثقافة متكاملة لا تترك الذهن للصورة فقط، وتأثيراتها العميقة، وبحاجة لحزمة معالجات، حتى نضمن ألا تتحول الصورة من وسيلة تأجيج لما هو مفترض اي الغضب، الى وسيلة تحطيم للروح المعنوية، والأمر يعتمد ايضا، على التوازن في الميدان، وضرورة إثبات حجم خسائر العدو، عبر تقنيات تصوير العمليات وأضرار العدو، حتى لايبقى سالما في صورته، منكرا لتفاصيل كثيرة، محاولا تسفيه كل ما نفعله، في ظل مجتمع لا تتسرب منه معلومة أو شائعة.
الإعلام في حالات الحرب والسلم، يعتمد على فنون أخرى كثيرة، يعرفها خبراء النفس والشائعة والتأثير الباطني، وتأثير اللحظة، والتأثير الاستراتيجي، واشياء اخرى، وكل هذا يفرض علينا توظيفا منطقيا للصورة والفيديو، دون أن يتحول الإفراط في النشر والبث، الى سبب لليأس وتحطيم البنية الوجدانية وصمود الافراد في تكويناتهم.
اسوأ تأثير لكل هذه الصور والفيديوهات، ينبعث في الانسان بعد لحظة الهزيمة لا سمح الله، فتتحول من وسيلة لتأجيج الغضب كما في ظاهرها، الى وسيلة للشعور بالمرارة والهزيمة والضعف والمحق، وهذا اخطر مافي كل القصة.
نريد توظيفا ذكياً للصور، مع حزمة متكاملة تعالج آثارها، ولا تجعلها بمثابة سم بطئ في دمائنا.
(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
21-07-2014 03:22 AM

ناذا يفعل 400الف غزاوي ﻻجئ باﻻردت
هل يلتحقو باهل غزه!!؟؟

2) تعليق بواسطة :
21-07-2014 03:24 AM

والله تستحق كل الشكر والامتنان لما نقرأة في مقالاتك ياسيد ماهر ابوطير.. كل ما كتبته صحيح اسرار صناعة الاعلام يحب ان تأخذ اهتماما اكبر واشمل واوسع وتتعدى ما يكتب في المقالات ، يجب تخصيص ندوات تلفزيونيه واعداد دورات باشراف خبراء اعلاميين واطباء نفسيين والتكثيف منها لتوعية المواطن صاحب الاسرة وكيفية تعاملهم مع مشاهدة الاطفال لمثل هذه المشاهد ، يجب وضع مناهج مدروسة تدرس في المدارس لكافة المراحل ، بديلا لبعض الكتب السخيفة .
يا رجل الاعلام الموجه في بعض المحطات التي تتابع بكثرة وتلاقي استحسانا ومدحا في الحقيقة هي مدروسة وليست لصالح المواطن العربي ، لاحظ حتى ردود فعل اطفالنا باتت عادية لمتابعة الدماء وصور الجثث والقتلى للاطفال والنساء ، لاحظ اسلوب اعدادها و اخراجها مثلا عند عرض شهداء غزه حاليا ، ومقارنتها مع جرائم داعش مثلا فلكل منها رسالة مختلفة موجة ..!!! الاعلام صناعة وحرفية وخبرة وقدرات ودراسة مستفيضة من محترفين ومختصين .
و لا حظ كيف تكمل وجبة طعامك او متابعة نقاشك مع ضيوفك ان مرت مشاهد لقتل ودمار عبر شاشة التلفزيون او تشعر بالنعاس وتطفىء الجهاز وتذهب لفراشك كي تنام . وانت لا تدري ماذا زرع الاعلام الخبيث في عقلك الباطن . وكيف سيؤثر على سلوكك وتعاملك و تفكيرك و قراراتك وشخصيتك بشكل عام بمسار حياتك .

3) تعليق بواسطة :
21-07-2014 05:03 AM

يقول الكاتب أن تأثير الصوره من غزه (يؤسس عند البسطاء وغير المتدينين والعقائديين، أرضية لقبول الواقع، وعدم مناطحة المخرز بكف؟!.)
ولماذا لم يستنتج الكاتب أن تأثير الصوره يؤسس لأسئله مثل( سبب الحصار على غزه من مصر !!) وسبب ( العمى البصري الذي اصاب النظام العربي الرسمي وتحديده كل سياساته فقط من زاويه العداء للرئيس المنتخب مرسي دون اعتبار لدماء الضحايا في غزه ودون اعتبار للأمن القومي العربي!! ) وسبب (وهم السلام الكاذب مع الصهاينه وانتهاء صلاحيه السلطه الفلسطينيه!! ) و ( لماذا اجتمعت الجامعه العربيه على عجل لفصل سوريا تنفيذا للرغبه الامريكيه ولم تجتمع لغزه !!) وكثير من الأسئله التي جعلت المشوشون يشوشون على القنوات التي تنقل الصوره , وبالتأكيد فان هدف المشوشون اخفاء هذه الأسئله وليس خوفهم على الأنسان العربي من الأحباط .
وهل يقيس الكاتب المصلحه الأسرائيايه في استغلال الظرف التاريخي المواتي في (موقف السيسي وانقطاع الأمداد عن حماس ) لتنفيذ جريمه دون شهود وتحطيم المقاومه الفلسطينيه بشكل نهائي , هل يقارن هذا في موقف المحاصرين في غزه الذين يجب أن يوصلوا ماساتهم لأخوتهم العرب ؟؟

4) تعليق بواسطة :
21-07-2014 11:00 AM

اصبر شويه .. احتراما لشهداء غزه او احتراما لحرمة رمضان هذه الايام . ولك الوقت الكافي بعدها من الايام والسنين لبث غلك اتجاه اهل فلسطين في الاردن . ارجو ان ينشر التعليق .

5) تعليق بواسطة :
21-07-2014 01:51 PM

أؤيد المقال هدفاً ومضموناً
روح المقال يقول بأنّ الكاتب قد تلمس الآثار الإعلامية بكل " حِرفية إعلامية " فشكراً له
والى رقم 4 أقول :-
كم من الوقت سيصبر الأردن من بعد 1967 ؟؟ إنها يا أخي 47 سنة من الصبر !!!
والأدهى والأمرُّ من ذلك تنوع جنسيات اللاجئين والنازحين والهاربين من بلدانهم وكل ذلك على حساب البنية الاقتصادية والبيئة الاجتماعية ومستقبل الأجبال ,,,
سؤالك في محله أخ طهراوي
ودعوتك للصبر يا صاحب " تعليق رقم 4 " في غير محله
فمن تعداد سكان 1.5 مليون قبل سنوات الى نحوٍ من 7 ملايين وقد تزيد مع أية هزة قادمة لا سمح الله أو مع نصر إلهي من طراز 2006 أو مع شعارات على نحو ليخسأ الخاسؤون موديل 2003 والتي سبقتها شعارات تجوع يا سمك موديل 67

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012