أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 15 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
آه، ما أشقى جيلنا!! د . حفظي حافظ اشتيه يكتب : ذكرى النكبة والنكسة ثم الصمود ليبرمان : حماس وزعيمها السنوار يديران الحرب من الأنفاق أفضل من نتنياهو بريطانيا : اجتياح رفح لن يوقف صادراتنا من الأسلحة إلى إسرائيل "حماس":تصريحات نتنياهو بمطالبتنا بالاستسلام سخيفة للاستهلاك المحلي وتعكس وضعه المأزوم القسام تكشف عن عملية مشتركة مع سرايا القدس حملة للحد من حرائق الصيف في طيبة إربد المغاوير/ 61 تنفذ تمرين "جبل 5" مع الجانب الفرنسي الصديق الحنيطي يودع وحدة الطائرات العامودية الأردنية الكونغو/1 الصفدي يلتقي وزراء خارجية في الاجتماع التحضيري للقمة العربية - صور الملك وولي العهد يعزيان بوفاة الوزير الأسبق السحيمات الخارجية: تسيير طائرة تابعة لسلاح الجو لنقل المواطنة الأردنية المصابة بغزة تشغيل مشروع الباص السريع بين عمان والزرقاء خلال يومين الملك من الزرقاء: الانتخابات النيابية محطة مهمة في عملية التحديث السياسي وتحتاج إلى جهود ومشاركة الجميع - صور وفاة طفل إثر سقوطه من باص ركوب صغير في لواء الطيبة بإربد العموش: دائرة الأحوال المدنية تعمل على تسهيل إجراءات تغيير مكان الإقامة للناخبين
بحث
الأربعاء , 15 أيار/مايو 2024


مرة أخرى : «حين تكلموا بالقضية» ...!!

بقلم : حسين الرواشدة
04-02-2015 02:38 AM
ما الذي يدفع بعض المجتمعات الى التوقف فجأة امام “قضية” ما، ثم الاستغراق فيها، وكأنها اخطر ما مر بها، وما الذي يمكن ان نفعله حين تتحول هذه القضية الى نقطة تحول في مواقف الناس، كيف نستطيع عندئذ استثمارها في مجال “وحدة” المجتمع والحفاظ على تماسكه بدل ان يأخذنا الكلام فيها الى الانقسام ؟
وجدت كاريكاتيرا مثيرا نشرته إحدى الصحف الفرنسية قبل عدة أعوام (استأذن ان اعيد ما كتبت عنه فيما مضى) كجزء من استحضار الذاكرة التاريخية للأزمة التي كانت محتدمة بين فرنسا وألمانيا قبل نحو مئة عام.
في الكاريكاتير ظهرت صورتان: الأولى لمطعم يرتاده مختلف أطياف المجتمع الفرنسي، وبدت الجلسة دافئة جدا، حيث يأكل الجالسون ويتسامرون بمنتهى الانسجام والألفة، أما الصورة الثانية فقد بدت للمطعم ذاته، لكن الانسجام تحوّل فيها الى صراع ومشاكسات، وظهر الوجوم والخوف والكراهية المتبادلة على كافة الوجوه.. وبين الصورتين كُتبت عبارة واحدة: “حين تكلموا بالقضية”.
الرسام الفرنسي - آنذاك - كان يستمد فكرته من حدث انشغل به الفرنسيون على اختلاف مذاهبهم السياسية والاجتماعية والعرقية، حيث اتهم أحد الضباط المشهورين بالخيانة لحساب ألمانيا (اسمه النقيب ألفريد دريفوس) وانقسم الفرنسيون - خلال اثني عشر عامًا من 1894 وحتى 1906- بين مؤيد للتهمة ومحرض على محاكمة الرجل ومحاسبته، وبين متعاطف معه ومقدر لبطولته ومطالب بعدم محاسبته.. والكل كان يدافع عن صورة ألمانيا وسمعتها مع اختلاف النوايا والزوايا طبعا.
عرفت هذه القضية آنذاك باسم الضابط المتهم (دريفوس) وفي التفاصيل، ان عاملة نظافة تعمل في السفارة الألمانية أرسلت محتويات سلة مهملات وجدتها في إحدى الغرف إلى نائب مدير المكتب الفرنسي لمكافحة التجسس واكتشف الأخير أنها احتوت على خمس وثائق كان رجل مجهول يرغب في بيعها للسفارة الألمانية، وعند مقارنة الخطوط وجد أن خط أحد المتهمين وهو الكابتن الفرنسي من أصول يهودية ألفريد دريفوس يماثل خط المذكرة وتم القبض عليه ومحاكمته.
ومع أن دريفوس ظل يصرُّ على براءته دائما إلا أن المحكمة أصدرت عليه حكما بتجريده من رتبته العسكرية ومغادرة فرنسا نهائيا وسجنه مدى الحياة في سجن الشيطان.
وبعد أعوام وجَّه المثقفون الفرنسيون باسم اميل زولا خطابا بعنوان “اني اتهم” مطالبين بتبرئة الضابط،. فأعيدت محاكمته وبُرِّئ من التهمة لكن الجيش رفض الاعتراف بالحكم فأصدرت محكمة عسكرية ثانية حكماً عليه بالسجن لعشرة أعوام، ثم أفرج عنه بعدها بعفو من الرئيس الفرنسي آنذاك.
القضية- بالطبع- لم تكن تستحق ما حدث من انقسام في الشارع الفرنسي، والاختلاف حول براءة الضابط من عدمها لم تكن لتبرر مثل هذا الانقسام السياسي والاجتماعي، لكن المجتمع الفرنسي كان وقتها بحاجة الى قضية، أي قضية يعلق عليها ما تراكم داخله من انكسارات وهزائم، أو قناة مفتوحة ينفس من خلالها احتقاناته السياسية وإحساسه بالظلم والخوف .
في تعليقي على الموضوع قلت آنذاك في هذه الزاوية ان بوسع الذين يبحثون عن إجابة لما حدث في عالمنا العربي(ومجتمعنا ايضا) أو لما قد يحدث، أن يتأملوا في القصة ذاتها، وربما يكتشفون- مثلي تماما - ان المجتمعات حتى في أوج حراكاتها يمكن أن تتجاوز المحن الكبرى، او ان تبتلع اخفاقاتها وتبرر اخطاءها، وتتسامح مع المسؤولين عنها، لكن ما يميز تلك الحراكات الاجتماعية انها تحتفظ في ذاكرتها بكل ما ابتلعته، وحين تحاول أن تهضمه وتصاب بالعسر تبحث عن تلك القشة او تنتظرها، فتفرغ كل ما بداخلها، سواء على شكل انفجارات أو انهيارات، وبذكائها الفطري تمسك بأي طرف للخيط، وتختار فريستها بدقة ومهارة، فإذا ما جاءت اللحظة المناسبة وعثرت على الشخص المطلوب (لا تسأل- هنا - عما إذا كان بطلا او ضحية، متهما أو بريئا) أصبح هو القضية وعليه يكون الانقسام اجتماعيا وسياسيا أيضا، وتلك - بالطبع - واحدة من سمات سيكولوجية الجمهور التي لا تظهر إلا في الأزمات الخطيرة، حيث يأخذ قانون الاستبدال مجراه، ويصنع الناس رمزا خاصا بهم لافتعال نوع ما من الرفض أو المطالبة بالتغيير.
ما القضية التي يمكن لمجتمعاتنا العربية ان تتحدث عنها؟ بالطبع هناك قضايا كثيرة، لكن لا احد يستطيع ان يحدد هذه القضية التي ستشكل منعطفا للتغيير كما لا يمكن لأحد ان يتنبأ بموعد الكلام فيها، ولا بالمدة التي يستغرق فيها الناس بالحديث ..ولا ايضا بالاشخاص المعنيين بها او ما تفضي اليه حركة المجتمع بعدها من تحولات ومآلات.
لكن لا شك أن الثمن الذي تدفعه المجتمعات حين يتكلم الناس في القضية فادح على المستوى الاجتماعي، (لاحظ ما يحدث في معظم دول الربيع العربي الآن) وأسوأ مظاهره ما يترتب عليه من شروخات في بنية المجتمع وانقسام في مكوناته، والمشكلة هنا ليست-فقط- في القضية، اذا ما كانت كبيرة او حقيقية او مفتعلة، ولا في الشخص او الحدث او المناسبة، ولا في العنوان الذي يختاره المجتمع، بل في التربة التي خرجت منها القضية والظروف التي أنتجتها ، والتراكمات التي ولدتها، مع ذلك، فإن التضحية بأي شيء مقابل عدم الوصول الى اللحظة التي يجد المجتمع نفسه مضطرا للحديث مجددا عن “القضية، يبدو الحل الوحيد لتجنيب المجتمع دفع ذلك الثمن الباهظ..أما إذا بدأ الحديث وتطور وتراكم فإن الحل سيكون صعبا بامتياز.
السؤال الذي يجب ان نواجهه هو : كيف يمكن ان تتحول القضية - اية قضية - من صاعق متفجر الى “رمز” للوحدة والتضامن ومراجعة الذات وتصحيح المسارات...؟

(الدستور)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012