أضف إلى المفضلة
الجمعة , 17 أيار/مايو 2024
شريط الاخبار
بحث
الجمعة , 17 أيار/مايو 2024


الخراب المسكوت عنه

بقلم : جميل النمري
09-03-2015 12:23 AM
ستقدم الحكومة قوانين البلديات واللامركزية والانتخابات، وهي الرزمة التشريعية الكبرى لتحقيق الإصلاح السياسي والإداري. ومن بين أهداف أخرى، فإنه يفترض بالنظام الانتخابي الجديد، إلى جانب اللامركزية، أن يضعا أخيرا وراء ظهرنا نيابة الخدمات (نائب الواسطة)؛ وذلك لأن توسيع الدوائر والخروج من الصوت الواحد سيوسع القاعدة الانتخابية ويجعلها أكثر تنويعا، ويقلل الاعتماد الفردي على نائب بعينه، هذا إلى جانب وجود نواب مجالس المحافظات الذين سيتولون المسؤولية عن الخدمات والقضايا المحلية والشخصية.
لكن صدقوني بأن هذا لن يكون كافيا لإنهاء نيابة الواسطة والمحسوبية والخدمات. فالثقافة الاجتماعية 'الفاسدة' تجذرت كثيرا، بحيث لا يبدو ممكنا تحويل الناس عنها بالوعظ. إذ حتى في مجالات تطبق فيها الأنظمة والتعليمات بصرامة، يتم البحث عن أي وسيلة للتوسط، والحجة دائما أن الالتزام بالأنظمة والتعليمات كاذب وشكلي؛ وأنه 'إن تركتُ أنا الأمر، فسيفعلها غيري ويأخذ مكاني'. وخذ مثلا الآن تحويل وظائف الفئة الثالثة إلى ديوان الخدمة المدنية؛ إذ لم تقلّ أبدا ضغوط الواسطة، ولا أحد يقتنع أن الأمور تمشي باستقامة وحيادية، أو أنه يريد تحوطا تسخير واسطة ممكنة، عسى أن يفوز بالوظيفة. وعلى كل حال، فإن نقل السلطات والصلاحيات إلى مجالس المحافظات لن يبدأ فورا، أو سيبدأ بحذر وبالتدرج. وقد يتعثر في البداية، ويأخذ سنوات طويلة ليتقدم. وفي الأثناء، ستبقى قناعة الناس أن النائب والوزير، أو المسؤول الأول في أي مؤسسة، هم مفتاح القرار. ثم إننا في النهاية نريد القضاء على الواسطة من حيث المبدأ، وليس نقلها من مستوى لآخر.
الواسطة تزيد وتترسخ، بدل أن تتقلص وتتراجع. وهي تُفسد جهود الإصلاح، وتُفسد علاقة الجمهور مع النواب وعلاقة النواب مع الحكومة. ويمكن أن تسمع الآن نواباً يجأرون بالشكوى من أن الحكومة ضيقت عليهم، وسدت كل المنافذ والسبل، وأهلكتهم أمام قواعدهم الانتخابية؛ أي بمعنى أن المطلوب هو فتح الباب على مصراعيه للتوظيف والنقل، وكل مصلحة أخرى بوساطة النواب. وقد يضعف الوزراء أمام هذه الضغوط؛ إن لم يكن هذا الوزير فزميله، أو الآخر الذي يأتي محله.
لدي قناعة ترسخت على مدار الوقت، بأننا لن نتمكن من مواجهة هذه الظاهرة الفاسدة التي يشتهر بها الآن المجتمع الأردني، إلا بتشريع واضح يؤدي إلى تجريم الواسطة؛ تشريع يفصّل الأفعال التي تدخل في نطاقها، والعقوبات المترتبة عليها. وقد ينبري البعض فورا بالقول إن الواسطة مجرمة أصلا في قانون مكافحة الفساد، بالنص الذي يقول إن كل واسطة تحق باطلا أو تبطل حقا هي فساد. لكن هذا نص فضفاض لا قيمة له، بدليل أنه لم يؤثر إطلاقا على أرض الواقع. واستمرار التذرع به، أو الادعاء أن هذه ثقافة سائدة لا يوضع لها حد بقانون، بل تحتاج إلى عملية تثقيف طويلة للمجتمع، هو في الواقع تهرب من مواجهة الأمر، وقبول ضمني باستمراره. ولن يحمي النائب أو المسؤول من ضغوط الواسطة إلا قانون يجرم، بصورة محددة، أفعالا محددة وأشخاص محددين. هذا ما سيحمي النائب والمسؤول، ويردع طالب الواسطة، ويجبر الدولة على أن تضع التعليمات الضرورية في كل مجال، حتى لا يبقى القرار مزاجيا. ويفترض أن تنص التعليمات على تلبية كل طلب إذا كانت فيه مصلحة أو حاجة أو تسهيل لا يتعارض مع النظام ولا يضر بالمصلحة العامة، ويأتي دور النائب لاحقا ليدقق على القرار ويضع الحق في نصابه.
نحن أمام خراب مسكوت. وقد آن الأوان لمواجهته مباشرة، وبالطريقة الصحيحة؛ أي بقانون تجريم الواسطة الذي يترافق مع ويكمل رزمة القوانين آنفة الذكر للإصلاح.
(الغد)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
09-03-2015 09:00 AM

ما تحدث فيه سعادة النائب كلام جميل ورائع و(صادق) ...
لم تعد ظاهرة الواسطة والمحسوبية والتنفيع بالامر الهيّن والسهل او مجرد نزوة ، بل اصبحت (مدخل) كبير وعظيم ويدعو للدخول الى ابواب تجذير ثقافة (الشلليّة) او (تبادل) المنافع والمصالح ، ويخضع لقوانين (التجارة) بحيث اصبح يوجد فيها ايرادات وصادرات وربح وخسارة و(مقايضة) ، فالامر لا يتعدى ان يكون (تسهيل) مصالح الناس او مساعدتهم او من باب الشقفة وليدخل (منحنى) آخر وخطير جدا وهو من اكبر ابواب (الفساد) ...

2) تعليق بواسطة :
09-03-2015 09:01 AM

الواسطة هي تبادل للمنافع والمصالح وتوسيد الامر الى غير اهله - بغير وجه حق - وضياع للحقوق وطمس للعقول والكفاءات (الكفؤة) بالظلم والقهر والاضطهاد ...
الواسطة بيع وشراء للذمم في اسواق (سوداء) وبأرخص الاسعار ومن اجل ماذا ....؟؟؟ تحقيق زهو اوثناء ومديح ...؟؟؟ ام من اجل تحقيق مكسب مادي او معنوي في مكان آخر او بالمقابل ...؟؟؟ ام هو رغبة فقط في تشتيت وإضاعة الحقوق وتعميقا ل(الكره) بين افراد الوطن والمجتمع الواحد ....؟؟؟ ام هو (عمالة) مقبوضة الثمن لإفساد البلاد والعباد وتخريب الديار ...؟؟؟

3) تعليق بواسطة :
09-03-2015 09:03 AM

نعم ، كما قال الكاتب - النائب - الفاضل الامر بحاجة الى وقفة (جادة) وصادقة وصريحة وبحاجة الى وضع الامور - جميعا - في انصبتها وامكنتها الصحيحة والصريحة والواضحة ، نحن بحاجة الى (إعادة) تعريف الاشياء (مرة اخرى) واعطائها مسمياتها (الصحيحة والحقيقيّة ) ...
حمى الله الاردن الوطن ، حصنا منيعا شامخا قويا منيعا ...

4) تعليق بواسطة :
09-03-2015 11:03 PM

مجالس المحافظات لن تقدم ولن تؤخر وستكون عبارة عن مزيد من البيروقراطية وتعدد المرجعبات وترهل الادارة وهي عبارة عن التفاف على موضوع مجالس الاقاليم الذي وجد صد ورفض من كافة الاردنيين ، ثم بعد ايجاد مجالس (مشايخ) المحافظات، والمجالس البلدية ماذا يبقى للنائب وحاجة الناس له اذا كانت تلك المجالس ستجلب للمواطن السمن والعسل لحد بيته، ثم ان هذه المجالس ستصعب من رقابة النواب على الحكومة وتعود الضبابية وتفقد الشفافية في المسألة والمحاسبة ، وماذا يبقى من حاجة لمديريات الوزارات المختلفة في المحافظات ومن يتبع

5) تعليق بواسطة :
09-03-2015 11:07 PM

يتبع ماقبل/ من ومن مسؤول عن من ومن يحاسب من وكيف ستكون آليات الرقابة ، وهل لمجالس المحافظات ان تتخذ قرارات ومامدى الزاميتها،،، وأسئلة وأسئلة كثيرة ؟؟؟

6) تعليق بواسطة :
11-03-2015 04:46 PM

كلام سليم سعادة النائب المحترم المجالس المحليه ستخفف العبء على النواب من قبل قواعدهم الانتخابيه وهذا قد يجعل النائب اكثر التفاف للمسائل الوطنيه على مستوى الوطن

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012