أضف إلى المفضلة
الأحد , 05 أيار/مايو 2024
الأحد , 05 أيار/مايو 2024


هل هو خلل في النظام العام..؟!

بقلم : حسين الرواشدة
11-03-2015 12:53 AM
نخطئ حين نتصور أن امتناع المجتمع عن الحركة و استسلامه للأمر الواقع، دليل على الصحة و السلامة و مصدر للاطمئنان و السعادة، ونخطئ ايضا حين نتدافع الى “تزيين” المزاج العام من خلال الاصرار على ان كل شيء على ما يرام، او التباهي بابتلاع المجتمع لكل ما يصدر اليه من مقررات، أو بتعطل لواقطه عن الاستقبال و الارسال، ذلك أن المجتمعات الحية هي التي تحمي نفسها بنفسها من الاخطار، وتحافظ على استقرارها وتدافع عن مكتسباتها وترد عنها( العاديات)،وأي عبث بوحدتها أو أي محاولة ( للتغطية) عليها أو ( القبض) على روحها أو تخويفها سيكون بمثابة اعلان وفاتها..
حين ندقق في حالة مجتمعنا نكتشف أن لدينا مشكلتين اساسيتين: احداهما تتعلق بالانقسام على أساس الهوية السياسيّة والاخرى على أساس الهوية “الاقتصاديّة”، أما الاولى فمفهومة ويكمن اعتبارها “الاقل خطراً” لأنها تعكس انشغالاً نخبوياً يجري توظيفه موسمياً، ولا تشكل بالنسبة للأردنين الذين انصهروا في الدم والنسب مصدر خوف، وبالتالي فان هذا الانقسام يخضع لعوامل “طارئة” وغير اصيلة، وينفخ فيه اشخاص لهم اجندات معروفة، ولا يحظون باهتمام كبير في الشارع، اما الثانيّة فهي اخطر، لأنها تعكس احساساً عميقاً ومشتركاً لدى اغلبية المواطنين، باختلاف اصولهم واطيافهم، بالظلم والتهميش، وبدونية “الطبقة” الاقتصاديّة التي ينتسبون اليها، لا لإنهم الاقل حظاً والافقر وانما لانهم “ضحايا” لعملية فرز طبقي، ثم انتاجها بقصد من خلال سياسيات استهدفت الطبقة الوسطى والفقيرة وحولت المجتمع الى قلة يملكون كل شيء واغلبية غير قادرة على تحقيق ابسط مستلزمات الحياة الكريمة.
يمكن ان نستعين “بحالة “ الاخوان المسلمين الراهنة (كصورة مصغرة للمجتمع ) باعتبارها تعبر بشكل او بآخر عن هذا الانقسام، لا اريد ان اناقش هنا ما حدث لكن لا بد ان نستلهم منها درسين اثنين: احدهما ان الانقسام في المجتمع لا يلد انتصارا لأي طرف وانما سيلد هزيمة للجميع وخسارة للبلد، والدرس الآخر ان الديمقراطية الحقة لا تخرج من الصناديق فقط وانما من “التوافقات” السياسية والاجتماعية والوطنية، كما ان انقراض الطبقة الوسطى يفرز في العادة تراجعا في التفكير والتدبير ويصيب الانسان بالاحباط ويدفعه الى الانكفاء او الانتقام، ولكي نتجاوز ذلك لا بد ان نحرر مجتمعنا من اجواء “الاحتقان” ومنطق الاقصاء ومحاولات التصنيف والتهميش، وان نخرج من معادلات “التفرج” والرهان على الوقت، ومن توظيف “المفزع” مما يجري حولنا لاقناع الناس بأنهم بخير... فهذا “الخير” الذي نريده يحتاج الى “ارادة” حقيقية للاصلاح، كما يحتاج الى فرض نموذج جديد يقنع الناس أن احتمالهم وصبرهم على الاوضاع الصعبة مقدر ومعتبر، وان رسائلهم وصلت وفهمت.
يمكن -ايضا- ان نستشهد “بحالة” التطرف التي يعاني منها مجتمعنا، خاصة في مناخات امتداد ظاهرة التوحش حولنا، وهنا يمكن ان يقال انه لا يوجد(منطق) لهذا التطرف، او ربما تختزل اسبابه في الانسدادات التي يعاني منها المجال الديني او الظروف الاقتصادية و السياسية احيانا، لكن هذا التشخيص المتسرع لا يعفينا من مسؤولية البحث عن مزيد من أسبابه، او التغلغل في داخل مجتمعنا لاكتشاف بؤره وفك (شيفرته) وتفحص تربته وتعهدها بما يلزم من عناية ورعاية، طبعا انجاز هذه المهمة يحتاج الى (ارادة) شجاعة تضع اصبعها على الجرح تماماً دون مجاملة او خوف، والجرح المقصود هنا هو (النظام العام) الذي يشكل منطقة (النفوذ) والحركة لاي مجتمع، وبقدر ما كان سليماً ومحصناً، بقدر ما زادت ثقتنا بصحة مجتمعنا وعافيته.. أما حين يطرأ عليه أي خلل فان بمقدورنا ان نتوقع ما هو أسوأ مما نراه اليوم يثير دهشتنا وحيرتنا وتساؤلاتنا ايضاً.
بوضوح اكثر، النظام العام لأي مجتمع هو حصيلة كل ما يتعلق بالمجتمع من قيم وقوانين واقتصاد وعلوم وتعليم وثقافة ومناخات ومشاعر.. الخ، وأي خلل يطرأ على دائرة من هذه الدوائر المترابطة والمتفاعلة يترتب عليه خلل آخر، وهكذا على شكل متتاليات حسابية.. ولو اردت ان اضرب مثلا هنا لقلت، إن الخلل الذي قد يطرأ على قيمة (العدالة) سينسحب فوراً على ما يحدث من تطرف وانقسام في مجتمعنا.. كما ان أي خلل يصيب (أذواق) الناس ومزاجهم يترتب عليه -ايضا- تطرف وعنف وانقسام باشكال متعددة.
باختصار، حتى الآن ما نزال نقف على مدرجات “المتفرجين”، بعضنا لا يصدق ما يجري من تحولات في مجتمعنا، وبعضنا لا يريد ان يصدقها، وكل ما نتمناه ان نخرج من دوائر “الانكسار” هذه مهما كانت اسبابها، وان نواجه مزاجنا العام وما طرأ من خلل على نظامنا العام ايضا بما يلزم من اسعافات وادوية “سياسية” ومن استبصار وحكمة، فما نراه حولنا من ازمات وتهديدات ليست “مزحة” ثقيلة الدم كما يتصورها البعض، وانما “جدّ” لا هزار فيه...!

(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
11-03-2015 06:21 PM

هو خلل في العقل العام ؟؟؟

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012