أضف إلى المفضلة
الأحد , 05 أيار/مايو 2024
الأحد , 05 أيار/مايو 2024


«تصفير» الحضارة

بقلم : احمد حسن الزعبي
12-03-2015 12:32 AM
من المألوف عندما تذهب إلى محطة غسيل السيارات، أن يقوم العمال بمراحل التنظيف المختلفة بالماء والصابون في الخارج، ثم يقومون بغيار الزيت ونفض المحرك بخرطوم الهواء، وبعد ذلك يسجّلون قراءة عدّاد السيارة و»يصفّرون» الكيلو مترات المقطوعة لتعدّ من جديد إلى ان يحين موعد غيار الزيت القادم...
ويحدث أحيانا عندما يصبح جهاز الكمبيوتر بطيئاً وثقيلاً، و»يعلّق» عن الخدمة، ولا يستجيب للأوامر أن تأخذه للفني .فيقوم بعملية «الفرمتة» وهي شطب كل الملفات من غير تعيين، وتنظيف الجهاز من الفيروسات واعادة تحميل البرامج المهمة بغض النظر عما تم شطبه ...فهذه العملية تشبه الى حدّ بعيد «التصفير»..
ومررنا بتجارب، يحدث فيها خطأ ما في الهاتف النقال فلا تستطيع ان تتصل او تردّ على المتصل فتضطر مكرهاً في محل «الموبايلات» ان تعمل «سوفت وير» للجهاز وشطب كل ما سبق من صور ورسائل ومقاطع فيديو حتى لو كانت لا تقدر بثمن..
**
وأنا أشاهد عناصر من «داعش» وهم يقومون بتكسير تحف فنية وحضارية أعمارها الآف السنين، وتحطيم المنحوتات والمجسمات في متحف الموصل، وتشويه المداخل الحجرية بكل ادوات التخريب، وتجريف منطقة أثرية كاملة مثل منطقة النمرود.. دون ادنى اعتبار للسنوات الطويلة التي مرت عليها، عن تاريخ وحضارة من سبقونا، دون ادنى اعتبار لكم شتاء وصيف وحرب وسلم، وزعيم وطفل عاصروها وهي شاهدة على نهضتنا وتخلّفنا، وحدتنا وانقسامنا، ارتقائنا وسقوطنا.. فجأة تمحى هكذا بالفأس على مرأى العالم ومؤسساته الثقافية والتراثية كما يمحى الحرف من الصفحة.. ببساطة انهم يقومون بــ»تصفير» الحضارة لتعدّ من جديد سنوات طويلة في السواد والظلمة والتخلف والجهل والقتل..
هذه التماثيل لم تقتل 3000 طفل في غزة، هذه التماثيل لم ترم المدن الفلسطينية بالقنابل الفسفورية، هذه التماثيل لم تحاصر العراق 13 سنة، لم تقتل مليون عراقي عربي ومسلم، هذه التماثيل لم تصوّت بالفيتو على مشروع ادانة الكيان الصيهوني،ولم تقسم السودان ولم «تخربط» مصر، ولم تشعل سوريا، ولم تفتت ليبيا..هذه التماثيل تماماً مثل الشعوب العربية.. تمر السنين على جسدها دون ان تاتي بحركة، لم تختر وضعيتها، صامدة، شاهدة على العصر، وشاهدة على «الخُسر» ايضاَ، تدمع عرقاً في صيف الأحزان ورطوبة في شتاء الفرقة، نحن وتماثيل الموصل تتوارثنا الإمبراطوريات وأيدي السرّاق... نحن ومنحوتات الموصل...تقاسيم مجفّفة في متحف النسيان.
(الراي)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012