أضف إلى المفضلة
الأحد , 05 أيار/مايو 2024
الأحد , 05 أيار/مايو 2024


مشكلة يصعب علاجها

بقلم : د. رحيّل غرايبة
13-03-2015 12:19 AM
من أكثر المشاكل استعصاء على العلاج، عدم قدرة كثير من المتحاورين الارتقاء إلى مستوى مناقشة الأفكار، والإصرار على جذب الحوار نحو دركات سفلى، والانخفاض به نحو سقوف متدنية لا تخرج عن الإطار الشخصي والعلاقات العصبوية، بحيث أصبح ذلك سمة عامة للسجالات القائمة والجدال المحتدم، الذي يشغل مواقع التواصل الاجتماعي ويملأ ساحات الحوار الواسعة التي تتيحها وسائل الإعلام.
ولذلك تجد الشخص أحياناً يهاجم فكرة مطروحة هجوماً عنيفاً ويلمزها بكل أوصاف القبح لأنها جاءت من شخص معين، وفي الوقت نفسه يثني عليها ثناءً عاطراً ويرفعها إلى أعلى مستويات التبجيل عندما تجيء من شخص آخر يقترب منه مكاناً أو نسباً أو صحبة أو مصلحة.
من أهم مقاصد العلم والتعلم هو الارتقاء بالشخص نحو أفق العقل ومدارات التفكير وأن يساعد الشخص نحو الترقي بنفسه لاكتساب المنهجية العلمية في التفكير، والطريقة المضوعية في البحث، وأن يمتلك أدوات البحث الرصينة التي توصله إلى الحقيقة أو الاقتراب منها رويداً رويداً، ومن هنا فإن القرآن خاطب أصحاب العقول، وطلب منهم التحاكم إلى قواعد المنطق وأصول الخطاب المتفق عليها، وهذا ما تلخصه الآية الكريمة «تعالوا إلى كلمة سواء» ونهى القرآن طالب العلم من اللجوء إلى التخرصات والأوهام والظنون، عندما قال متهكماً على أصحاب المنهج غير السليم: « وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» وأثار في الوقت نفسه إلى امتلاك أدوات الحقيقة والوسائل الصحيحة في البحث عندما قال «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»، لا فائدة من كثرة الأعداد البشرية في التجمع والحشد إذا لم يستطيعوا التعلق بالحق والحقيقة وامتلكوا القدرة الذاتية على التمييز، وقد تهكم القرآن على الأتباع المقلدين الذين قالوا (إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) ولذلك فإن من أعظم الجرائم التي يرتكبها بعضهم عندما يصدرون الأوامر لأتباعهم بعدم السماع، وعدم الاستماع، وعدم التعاطي مع الأفكار بحجة حمايتهم، وهم في هذا يمارسون أبشع أشكال العبودية، بمنعهم من استعمال عقولهم، وممارسة الوصاية على مستقبلهم ومصيرهم، والاكتفاء بمنهج التشويه واغتيال صاحب الفكرة، وهذا ما ذكره القرآن في وصف كفار قريش في بدايات عهد التنزيل عندما تواصوا بعد السماع للقرآن « لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ».
المنهج الصحيح الذي يجب اتباعه من كل صاحب مسؤولية ولكل من استرعاه الله رعيّة، أن يملكهم المنهج السليم في التفكير، وأن يعلمهم أدوات البحث، وأن يسير بهم نحو الاستقلال الفكري من خلال امتلاك المعايير الصحيحة، والقيم الثابتة، والقواعد العقلية في النظر والموازنة والوصول بكل واحد لامتلاك القدرة على اتخاذ القرار الصائب، والاقتراب من القدرة على وضع الأمور في موضعها الصحيح، وهذا ما يعبر عنه بالحكمة، « وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً» والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها.
لن تقوم لنا قائمة ولن نستطيع النهوض، إذا لم نستطع بناء الجيل القادر على التفكير، والقادر على مناقشة الأفكار، وهذه مسؤولية المدارس والجامعات والمعاهد العلمية، والأحزاب والجامعات بكل أنواعها وتصنيفاتها، فإذا بقيت مقتصرة على تجميع الأتباع والمصفقين في منهجها ووسائلها وفلسفتها سوف تبقى الأمة تسير من حفرة إلى حفرة، ومن أزمة إلى أزمة.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012