أضف إلى المفضلة
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024
الإثنين , 29 نيسان/أبريل 2024


أحجار على رقعة الشطرنج!

بقلم : د.محمد ابو رمان
06-05-2015 02:16 AM
ما أزال أذكر بعض ما جاء في المحاضرة الثرية والرائعة التي استمعنا إليها في جامعة اليرموك (على الأغلب العام 1993)، من المؤرخ والأديب الأردني الراحل د. أحمد العناني (أبو جواد)، وبخاصة عندما تحدّث عن كتاب (لم أعد أذكر اسمه الآن) يتنبأ بتقسيم الدول العربية القائمة إلى كيانات أصغر فسيفسائية في العقدين المقبلين (أي الآن)!
ما كان حينها أشبه بالنبوءة المبكّرة، التي ينقلها إلينا ذلك المؤرخ، أصبح لاحقاً بمثابة خطابٍ متداول؛ نسمعه في كل حين، ونجد أنّه يهيمن على شريحة عريضة من النخبة المثقفة، بل والمسؤولين والسياسيين، بعضهم قريب من مواقع القرار والسلطة في العالم العربي والإسلامي. وقد سبق وأشرنا إلى اهتمام خاص بنبوءات برنارد لويس (عن تقسيم المنطقة العربية طائفياً وعرقياً)، باعتبارها 'إفصاحاً' عن مخطط أو مؤامرة يتم تصميمها في 'دوائر جهنّمية' في واشنطن، بمباركة إسرائيلية- صهيونية.
ثمّة ما يمكن أن يوصف بأنّه 'رصد معرفي' منطقي لهذه المخططات والأفكار التي تقدم لنا نموذجاً عن نمط في التفكير السياسي السائد، ربما يتبنّاه لاحقاً بعض السياسيين وينفذونه على الأرض. وهو ما حدث تماماً مع مجموعة 'المحافظين الجدد'، بعدما استثمرت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 لتنفيذ مشروعها السابق باحتلال العراق وإسقاط النظام القائم.
لكن نخبنا المثقفة والسياسيين يتخطّون هذا المستوى إلى ما هو أعمق بكثير من ذلك؛ إذ يرون كل ما يحدث في المنطقة العربية من إغراق في الحروب الداخلية والطائفية، وصعود الحركات المتطرفة والمتشددة، والانقسام المتدحرج، من منظور 'المؤامرة الغربية' أو الصهيونية، ويصفون ما يتم في العراق وسورية واليمن وليبيا وغيرها بأنّه بمثابة 'مسار حتمي' لمخطط غربي جاهز يجري تنفيذه.
في الواقع، تضعنا هذه 'المقاربة' أمام معضلة حقيقية. فما تحمله من توثيق وسرديات لما قيل سابقاً وجرى التنبؤ به، تؤكد بأنّ ما يحدث ليس إلاّ نتاج أفكار غربية وموجود في وثائق سابقة، بما يؤدي إلى استنتاجات أساسية: أنّ المخطط الغربي والأميركي غير المعلن، الذي لا نقرأه في تصريحات المسؤولين، يتمثل في تقسيم المنطقة العربية إلى بؤر مذهبية وطائفية وعرقية متوترة؛ وأنّ هناك 'فاعلين' محليين متورطين في هذا المخطط، مثل بعض الحركات؛ من قبيل 'داعش' وغيره، أو حتى بعض الأنظمة. والبعض يضيف إلى هؤلاء قائمة طويلة عريضة من خصومه الأيديولوجيين والسياسيين.
وعلى هذا المنوال، رأينا كيف أنّ تياراً فكرياً وسياسياً عربياً عريضاً تناقل، مع بدايات الثورات الشعبية العربية، أفكاراً تتحدث عن دور برنار ليفي في تلك الثورات، وغيرها من قصص تجعلك في نهاية اليوم ترى كل ما يدور حولك بمثابة 'أحجار على رقعة الشطرنج'، وهو بالمناسبة من أكثر الكتب العربية تداولاً، ومعشوق ملايين المثقفين العرب، مع الكتاب الآخر 'لعبة الأمم'.
لست، هنا، في صدد نفي 'نظريات المؤامرة' بالمطلق. لكن ما يجعلني أعود إلى هذا الموضوع، الذي سبق وأن طرقناه مرّات عديدة، هو أنّنا نواجه هذا الجدال والسجال والنقاش يومياً في المفاهيم السائدة في الشارع العربي، أو حتى لدى النخب الأكاديمية والسياسيين. ما يجعل من الضروري أن نرسّم خطوطاً واضحة مقنعة بين حيّز المخططات والأفكار المصنّعة في مراكز التفكير والقرار من زاوية، والنبوءات الأكاديمية والعلمية لمستقبل المنطقة من زاوية ثانية، والمبالغات والتهويل والقراءات الخاطئة من زاوية ثالثة، ومسؤوليتنا نحن عن المآسي والكوارث التي نرتكبها بأيدينا من زاوية رابعة!
(الغد)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012