أضف إلى المفضلة
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024
شريط الاخبار
بحث
السبت , 27 نيسان/أبريل 2024


هستيريا وبائية!

بقلم : د.محمد ابو رمان
31-07-2015 01:11 AM
لعلّ إحدى أروع اللقطات وأجملها في المسلسل الكوميدي الذي قدّمه لنا الممثل السعودي ناصر القصبي 'سيلفي'، تلك التي يتشاجر فيها اثنان؛ سُنّي وشيعي، على الطائرة، ما يستدعي حجزهما في مطار أجنبي والتحقيق معهما. وعندما يأمر المحقق باستدعاء الحسين بن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، يوضّحان له بأنّ الحسين ومعاوية توفيا منذ أكثر من 1400 عام. فيأمر عندئذ بتحويل الاثنين (السُنّي والشيعي) إلى مستشفى الأمراض العقلية!
بالنتيجة، فإنّ منطقة الشرق الأوسط بأسرها دخلت في معمعة 'هستيريا جماعية'، تقوم على الصراع الطائفي والديني والعرقي، وأصبحت بمثابة مسرح الفوضى الذي يغصّ بالأمراض العقلية والنفسية الموروثة والطارئة!
والنتيجة الوحيدة لهذه الفوضى تتمثل في شيء واحد: تدمير الذات؛ ليس على صعيد الدماء والقتل وملايين المهجّرين والتفجيرات التي طاولت المساجد والمدارس والأسواق والسياحة ورجال الدين، بل ما هو أخطر وأكثر سوءاً بكثير؛ تدمير الأخلاق والثقافة والروح والسلم الأهلي والشعور الإنساني تجاه الآخرين من أبناء الوطن، تدمير قيم المواطنة والقانون، وتحطيم الدول والمجتمعات وتمزيقها!
اليوم، هناك مئات الآلاف من الأطفال الصغار المنخرطين بالتنظيمات الطائفية المتبادلة، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. فالحوثيون، والقاعدة، والحشد الشعبي، وحزب الله، والأكثر من هؤلاء تنظيم 'داعش'؛ جميعهم لم يكتفوا بالواقع المحطّم، بل يريدون تحطيم المستقبل، عبر إدماج الأجيال الجديدة ليس في مشروعات مستقبلية خاصة بالتعليم وبناء القدرات وتطوير الذات والثقافة، بل في الحروب الأهلية والصراعات، وتعلّم العمليات الانتحارية والتكفير المتبادل!
تصوّروا معي المستقبل والأجيال الجديدة الحالية التي تربت ونشأت على وقع الحروب الأهلية الراهنة؛ فكّروا بملايين الأطفال السوريين المهجّرين، ممن فقدوا آباءهم، وعشرات الآلاف من الأطفال المهجّرين من الأنبار وترفض بغداد إدخالهم، والأطفال الشيعة والأكراد الذين يواجهون تنظيم 'داعش' بوصفه يمثّل لديهم السُنّة... ماذا نتوقع أن يحمل هؤلاء الأطفال مستقبلاً من مشاعر وأيديولوجيات وأفكار؟! هل سنجدهم، مثلاً، مبدعين في الموسيقي أو العلوم والرياضيات أو في الفن والفلسفة والأدب، أو حتى في العلوم الدينية والتنوير؟! سنجد أنفسنا أمام جيل أخطر بكثير من الأجيال الحالية المتصارعة؛ جيل مُسح دماغه مبكّراً، معبأ طائفياً ونفسياً من الصغر. هو جيل يحمل دماراً أكبر للمنطقة وللمستقبل، إن لم يكن هناك مسار بديل سريع!
هل ثمّة بديل؟! بالطبع هناك بديل، وهو واضح أمام الجميع. فالحوار الإقليمي اليوم بين العرب والأتراك والإيرانيين هو السبيل الوحيد للتفاهم، والخروج من النفق الخطير الراهن، في تلبّس المصالح السياسية والاقتصادية بغطاء طائفي ديني يقضي على الأخضر واليابس، لأنّ البديل لن ينتصر فيه أحد؛ إذ لا يوجد هناك رجال جيّدون في هذا الصراع، بل الكل سيكون سيئاً وخاسراً، قاتلاً أو مقتولاً!
ما يحدث محرقة للمنطقة والأجيال والمستقبل والموارد والإنسان والقيم والمجتمعات؛ ما يحدث جريمة نرتكبها بحق أنفسنا. ومن يسعّرون في نار هذه الحرب بذريعة شيطنة الآخر، أيّا كان، ويجهدون أنفسهم في تقسيم الناس بين مسلم وكافر، عميل أميركي أو تابع صفوي، أو ممانعة واعتدال، عليهم التوقف عن خداع الذات. فالاتفاق الإيراني-الأميركي كشف أنّ البند الوحيد الثابت هو الحرب الداخلية، أما الموقف من القوى الخارجية فيتغير ويتبدل تبعاً للمصالح المتغيرة. فأمس أنا عدو للشيطان الأكبر، واليوم في حضنه؛ واليوم حرب 'داعش' والأتراك، فيما بالأمس كانت المصالح المتبادلة أكبر!
كنت أقرأ قبل أيام بعض المعلومات عن مرض الهستيريا. قارنوا ما يحدث في المنطقة بأعراض هذا المرض وسماته وتعريفه، ستجدون أنّه بمثابة الوباء الذي يغزو مجتمعاتنا اليوم، تحت جنح الطائفية!

(الغد)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
31-07-2015 08:58 AM

"البند الوحيد الثابت هو الحرب الداخليه" وتبعاتها على مدى سنوات وسنوات حيث جميع الأطراف خاسره وما غيرها قابل للتغيير

2) تعليق بواسطة :
31-07-2015 09:00 AM

لو كنت محقا في قولك لوجهت هذا الكلام للنظام الإيراني
الذي اجج لهذه الحروب وكان أول من خطط لها ومازال يخطط
نحن في دفاع عن النفس والوطن في سوريا والعراق واليمن والبحرين ......

3) تعليق بواسطة :
31-07-2015 02:20 PM

هذه فاتوره التهرب من استحقاق الديمقراطيه ألتي تعني في أهم قيمها صهر الجمهور في "الافكار الحزبيه التي تقوم على الاولويات الاقتصاديه والاجتماعيه " وبغير ذلك تبقى تبايانات المجتمع كما هي في المجتمع القرون اوسطي طائفيه وجهويه ودينيه,,,اصطفاف الجمهور حول التبايانات المذهبيه والطائفيه والجهويه يقوم اساسا على فكره اقصاء الاخر ورفضه وهذا لا يؤثر فقط في السلم الداخلي للدول وأنما خلق عقليه الاقصاء داخل المذاهب نفسها والكيانات نفسها ورفض الوحدات والتجمعات.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012