بقلم : د.أيوب أبودية
26-09-2016 03:10 PM
لم اتفق مع الأستاذ ناهض حتر في كثير من القضايا السياسية وان كنت أشاركه المنهج الواقعي في الفكر...ولكنني استهجنت الأسلوب الذي تعاملت به الحكومة مع تهمته المزعومة ولا استطيع السكوت عن الطريقة البشعة التي قتل بها. وفي الوقت نفسه كلي ثقة بانه عندما تفشل الحكومة في واجبها تقوم العشائر بسد الثغرة وحماية أفرادها . فقتل ناهض حتر امام قصر العدل يعني كل البلقاء وليس الفحيص وحسب بل يعني الأردنيين المعتدلين جميعا لان الدولة والعشيرة في الاردن متكاملان مترابطان. ولا اقصد بالعشائر الأردنية منها فقط بل التجمعات الفلسطينية بصيغة جمعيات وخلافه والتي أصبحت موازية في الثقل وباتت تدافع عن حقوق أبنائها كذلك عند الأزمات..وهذا دليل على التناغم الأردني الفلسطيني أيضاً والذي نعتز به.
ولم يقتل ناهض لانه مسيحي، فلم يكن كذلك الا في شهادة المولد... بل قتل لانه تجرا على المعتقدات السائدة، ليس عند المسلمين وحسب بل عند المسيحيين أيضاً. فلماذا لم يكفره مسيحي مثلا؟
وهل هناك حالات مماثلة في تاريخنا العربي الاسلامي؟
طبعا كانت هناك حالات مماثلة في عصور الانحطاط ولكن في عصور الصعود الحضاري كان الانفتاح على الآخر منهجا إسلاميا. فمثلا عندما دخل ملحد على الإمام الشافعي وسأله :
كيف يحاسبني الله على أعمالي وقد كتبها علي مسبقا؟ فماذا فعل الإمام ؟
لم يقتله الشافعي أو يضعه في التنور بل حاوره.
وعندما تحاور إلامام ابو حنيفة مع الملحدين على ضفاف دجلة حول اعتقادهم بان الله لم يخلق العالم فماذا فعل ابو حنيفة؟
اتظنون انه رجمهم أو قطع رؤوسهم؟
لا ... بل ضرب مثل عبارة صنعت نفسها بنفسها وعبرت النهر من دون قبطان... فلم يصدقوه فقال: الا تصدقون روايتي وتريدون أن اصدقكم ان هذا الكون لا صانع له؟
هذان السؤالان:
هل هناك خالق للعالم؟
ولماذا يحاسبني الله على أعمال كتبها لي مسبقا؟
هما أكثر إلحادا مما تجرا عليه ناهض حتر الذي شارك بكاريكاتير تعبيري عن الجنة نجده كل يوم على وسائط الاتصال الإلكترونية وتراجع عن مشاركته،
فاي إسلام هذا الذي يعتنقه هؤلاء القتلة؟ اهو من مخرجات وزارة الأوقاف التي ربما كان يعمل فيها أم من مخرجات وزارة التربية والتعليم؟
لدينا مشكلة حقيقية في الاردن تتمثل في خلافاتنا الشديدة حول كل شيء؛ خلافات عقائدية وسياسية واقتصادية وثقافية .... لماذا لا نتحاور حولها بعقلانية ولماذا لا تفتح وسائل الإعلام صفحاتها لنا للتحاور بدلا من التضييق على المتحاورين؟
ناهض لا يحتاج الى دعواتنا له بالرحمة، فالرحمة من عند الله. وهو لا يحتاج الى اعتذار من رئيس الوزراء لان الضرر الاعظم قد وقع. ولكنني ما زلت واثقا بان الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة مؤخراً، بما في ذلك انتخابات البادية الوسطى، وتوقيع اتفاقية الغاز الاسرائيلي في خضم هذه المعمعة، ينبغي الا تمر دون مسائلة لانه إذا لم تتخذ الحكومة الإجراءات الكافية لمعاقبة كل من حرض على القتل وسهل أمره فان العشائر المترابطة تاريخيا في البلقاء لن تسكت.
الحكومات تهوي وتتجدد ولكن العشائر قائمة وتشكل بنيان الدولة فيما يحافظ الهاشميون على التوازن بينها كي يظل الاردن عصيا على الفتن.
محا التاريخ من ذاكرته أسماء المجرمين القتلة الذين اغتالوا المفكرين ولكن أسماء مفكرين مثل فرج فودة وشكري بلعيد وناهض حتر باقية ذكراهم أبد الدهر.