أضف إلى المفضلة
السبت , 18 أيار/مايو 2024
السبت , 18 أيار/مايو 2024


تركيا
28-02-2012 10:47 AM
كل الاردن -

alt
هيثم المومني

تركيا هذا البلد المسلم العريق الذي استطاع خلال فترة بسيطة بعد استلام حزب العدالة والتنمية الحكم -المحسوب على تيار الخدمة الإيمانية التركي بقيادة الشيخ فتح الله كولن- من أن يفرض نفسه على الخارطة الدولية كدولة قوية يُحسب لها  ألف حساب باقتصاد قوي, بعد أن خلع العباءة الأمريكية الإسرائيلية بعد نصف قرن من التحالفات بينهما، لذلك يعتبر اليوم الذي استلم فيه حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا, هو يوم استقلالها الفعلي, حيث أن تركيا اليوم لم تعد خاضعة لأوامر واشنطن وتل أبيب.
     قبل أسابيع قليلة شاء القدر أن أتعرف إلى أحد الأتراك الذين يسكنون في عمان, هذا التركي اسمه "علي أكنجي", وهو يدرس اللغة العربية في مركز اللغات التابع للجامعة الأردنية, بعد أن قامت شركته "أولكر" بإرساله إلى عمان ليتعلم العربية على حسابها. علي أتى من عاصمة تركيا الاقتصادية "اسطنبول", وأكثر ما لفت انتباهي إليه هو شدة تعلقه بشخص رجب طيب أردوغان –رئيس وزراء تركيا الحالي- وهذا ما أثار فضولي لأعرف السر وراء تعلقه الشديد بأردوغان.        
وعند سؤالي لـ "علي أكنجي" عن سبب تعلقه برئيس الوزراء التركي أردوغان قال علي: إلى وقت قريب قبل استلام حزب العدالة والتنمية الحكم, كانت تركيا بلداً علمانياً متخلفاً والحياة السياسية فيها غير مستقرة, وقد حدثت فيها انقلابات عسكرية متكررة من ضباط الجيش, وكانت تركيا تعاني من معدل تضخم عالٍ وفساد أسطوري, وديون خارجية كبيرة، ويضيف علي: إنه في الماضي (وحسبما روى له والده) كان الأتراك العلمانيون يكرهون ويحتقرون العرب كثيراً, ومن شدة احتقارهم العرب كانوا ينادون على الكلاب المتشردة ويقولون تعال يا عربي, وحتى انهم كانوا يحاولون إقناع الشعب التركي بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تركي وليس عربياً, وكان الأتراك يخافون قراءة القرآن بالعربية, وان أباه وأصدقاءه عندما كانوا يريدون أن يقرأوا القرآن يذهبون إلى حظيرة الحيوانات لقراءة القرآن مختبئين خوفاً من الجيش, لأن الدولة العلمانية التركية في ذلك الوقت كانت تحظر على الشعب التركي أن يقوم بأية شعائر إسلامية باللغة العربية, حتى الأذان كان باللغة التركية, ويكمل علي على لسان والده بأنه إذا حدث وأتى الجيش  إليهم وهم يقرأون القرآن يخبئون القرآن تحت الروث أو الحشيش, ليس استهتاراً بالقرآن, وإنما خوفاَ من الجيش التركي, وأخبره والده كذلك ان الأتراك في زمن العلمانيين كانوا يغرقون في جهل بتعاليم الإسلام, فمثلاً كانوا يصلّون بشكل مختلط, أي الذكر بجانب الأنثى.
ويضيف علي: إنه حتى وقت قريب في تركيا العلمانية أي قبل خمس عشرة سنة تقريباً, كانت الفتيات لا يستطعن دخول المدارس والجامعات بالحجاب, حتى ان هناك رواية متداولة عندهم في تركيا, ان ابنة رئيس الوزراء الحالي رجب طيب أردوغان, الذي لم يكن وقتها رئيساً للوزراء بعد, عندما تخرجت من المدرسة بمعدل عالٍ لم تستطع دخول الجامعة, لأنها  أصرَّت على ارتداء الحجاب مما دفع والدها (أردوغان) إلى إرسالها لتدرس في أمريكا.
واخبرني علي كذلك أن رجب طيب أردوغان نفسه لم يَسْلَم من أذى العلمانيين, فقد قاموا بسجنه عندما كان رئيس بلدية اسطنبول, وذلك لأنه قام بقراءة مقاطع من الشعر تمدح العرب والإسلام, وبقي في السجن أربعة أشهر ونصف, وكان العشرات من أبناء الشعب التركي غير الراضين عن الحكم العلماني يزورونه في سجنه يومياً.
يضيف علي: إنه قبل أن يصبح رجب طيب أردوغان رئيساً لبلدية اسطنبول كانت المياه تصل إلى سكان المدينة 4 ساعات فقط في الأسبوع, وحتى انها كانت مياهاً غير صالحة للشرب, بالرغم من ان اسطنبول مدينة ساحلية, وتقع على بحرين هما "مرمرة" و"البحر الأسود", هذا عدا عن المياه الجوفية المتوفرة بكثرة في اسطنبول, وكانت هناك مشكلة حادة في المواصلات في اسطنبول أيضاً, لكن عندما تسلم أردوغان رئاسة بلدية اسطنبول قلب حال المدينة رأساً على عقب للأفضل, فقام بحل مشكلة المياه بإحضار المياه من "نهر الملن" إلى اسطنبول, وكذلك حل مشكلة المواصلات بعمل محطات "المترو", وبناء الجسور والأنفاق, وإضافة جسر معلق ثالث في المدينة, وقام بعمل "المترو بص" وهو شارع وسطي لا يسلكه إلا الباص المخصص لنقل الركاب, كذلك جعل أردوغان من اسطنبول مدينة حضارية ونظيفة, وأصبحت عاصمة اقتصادية لتركيا.
يضيف علي: إن أردوغان لم يهتم باسطنبول فقط, بل اهتم بكل تركيا, ولكنه يعطي مثلاً على اسطنبول لأنه يعيش فيها, فحسب علي فإن الشعب التركي كله يحب أردوغان كثيراً, لأن حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان رسّخ المبادئ والأخلاق الإسلامية في تركيا, ونهضوا بالاقتصاد التركي, واستطاعوا في أقل من عشر سنوات من التخفيف من مشكلتي الفقر والبطالة في تركيا, وأصبحت تركيا في عهدهم من الدول المتقدمة في العالم, وكذلك هم يحبون أردوغان لأنه سمح لهم كمسلمين أن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية, فمثلاً يُسمح الآن للأتراك بتلاوة القرآن بالعربية, وأصبح الأذان باللغة العربية, وقام أردوغان أيضاً بتشجيع الطلاب والمدرسين وإيفادهم إلى الدول العربية ومنها الأردن, لكي يتعلموا اللغة والعادات العربية من منابعها.
وأخبرني علي كذلك بأنه منذ استلم حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان الحكم في تركيا, ارتفعت قيمة الليرة التركية بعد أن كانت في الحضيض, وضرب علي مثلاً على ذلك فقال: قبل حكم أردوغان كان سعر حبة الشوكولاته مليون ليرة تركي, والحذاء بخمسة مليون ليرة تركي, أما الآن فتستطيع شراء حبة الشوكولاته بأربعين قرشاً –الليرة التركية مائة قرش-, والحذاء بخمسٍ وثلاثين ليرة تركي. وبشكل عام, هناك نمو اقتصادي في تركيا منذ استلام حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحكم. وكذلك(حسب علي)  فقد منع أردوغان عمالة الأطفال التي كانت منتشرة أيام العلمانيين, وعاقب الآباء الذين يدفعون بأبنائهم إلى سوق العمل. أما القطاع الصحي فكانت المستشفيات أيام العلمانيين تحتاج إلى مبالغ كبيرة للعلاج فيها وكانت تعطي مواعيد بعيدة لعدة أشهر, مما قد يتسبب بوفاة المريض, أما في زمن أردوغان فقد أصبح العلاج مجاناً, والمواعيد قصيرة, وعملت وزارة الصحة التركية على تحديث الأجهزة الطبية الموجودة في المستشفيات الحكومية.
يضيف علي: إن أردوغان يملك شخصية متواضعة جداً, خاصة مع أبناء شعبه, ويقوم أردوغان في رمضان بتناول وجبة الإفطار بين أفراد الطبقة الفقيرة من أبناء شعبه, وهو كذلك يقوم بجولات متكررة على أفراد شعبه, كما كان يفعل الفاروق عمر رضي الله عنه لتفقد أحوالهم, وعندما يجد عائلة فقيرة يأمر بصرف المساعدات لهم, وهو بذلك يكون قد ساعدهم مادياً ومعنوياً بزيارته لهم, وكذلك أخبرني علي بأن أردوغان قام بتأسيس شركة تركية اسمها "تكي" تعمل على تسكين الفقراء بأسعار رمزية.
     لعلّ من أهم الأسباب التي جعلت السياسة التركية تُغيّر أسلوبها وتتجه نحو الدول العربية, هو مماطلة الاتحاد الأوروبي في منح تركيا العضوية الكاملة. بالإضافة إلى العداء التركي الأمريكي الحالي والذي دفع بتركيا للانجراف بعيداً عن الولايات المتحدة, وأهم أسباب العداء بين الأتراك والأمريكان, هو مهاجمة أسطول الحرية التركي على يد المرتزقة من الجنود الإسرائيليين, وهو ما أدى إلى شبه قطيعة بين أنقرة وتل أبيب وتوتر العلاقات التركية الأمريكية الداعمة لإسرائيل. وكذلك انهيار الاتحاد السوفيتي, جعل تركيا غير محتاجة إلى الحماية السياسية الأمريكية من التهديد السوفيتي.
إن العلمانية القومية في تركيا والمرتبطة ارتباطا وثيقا مع الجيش, والتي أنشئت في عام 1923 أثبتت انها غير قادرة على حل مشاكل المجتمع التركي في القرن الحادي والعشرين. ولكن لم يستبدلها الشعب التركي بالليبراليين الأشد ميلا إلى الغرب, والذين يعتمدون على أمريكا منذ ما يزيد عن ثمانية عقود، وإنما اختار الشعب التركي الإسلاميين, وهذا الاختيار جاء ثمرة لعمل تيار الخدمة الإيمانية بقيادة الشيخ فتح الله كولن على مدى عشرات السنوات على ترسيخ المبادئ والأخلاق الإسلامية بخطىً ثابتة بين أبناء الشعب التركي, عن طريق انتشار الطرق الصوفية المحظورة من العلمانيين ودورات القرآن شبه السرية في بداية الأمر, ومن ثم إنشاء الجامعات والمدارس والصحف والقنوات التلفزيونية.. الخ، وعمل تيار الخدمة الإيمانية كذلك على ترسيخ الحلم في أذهان الأتراك بإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية. ومن الأسباب الهامة للتوجه الإسلامي الجديد في تركيا هو زيادة عدد المواليد في الأسر الإسلامية عن الأسر العلمانية, وبالتالي النمو الطبيعي للناخبين الإسلاميين، الذين استطاعوا أن يوصلوا  حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002.
تركيا الإسلامية المستقلة الآن, غير تركيا العلمانية التابعة لأمريكا سابقاً, وخاصة في التعامل مع السياسة الخارجية، وهناك عدة دلائل على ذلك, فمثلاً تركيا وعلى الرغم من الضغوط الشديدة من الولايات المتحدة, رفضت المشاركة في احتلال العراق، وكذلك تقوم تركيا اليوم بانتقاد إسرائيل بشدة, والشعب التركي الآن من أكثر البلدان عداء لأمريكا نتيجة للتحيز المستمر من أمريكا لإسرائيل, وللتحيز الأمريكي المستمر لليونان في النزاع القبرصي بين تركيا واليونان. وتركيا اليوم تقف مع الشعب السوري في ثورته ضد بشار الأسد.
 ومن الأسباب الهامّة لكره تركيا لأمريكا هو القضية الأرمنية، والتي نوقشت في الكونغرس الأمريكي، وهو ما زاد التوتر في العلاقة بين أنقرة وواشنطن, وجعلت السياسيين التركيين ينتبهون إلى الابتزاز المستمر من مسألة الإبادة الجماعية المزعومة للأرمن من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ويرون أنها محاولة لإلقاء اللوم على الدولة التركية الحديثة في جرائم لا ذنب لها فيها من الماضي. ومن الأسباب الرئيسة التي عمقت الخلافات بين أمريكا وتركيا هو اختلاف رؤية الأتراك للنظام السياسي العالمي المعاصر, تركيا رفضت أن تكون رِجْلَ طاولة في الخطة التي تُحاك لإيجاد نظام سياسي عالمي معاصر, ورفضت كذلك النظام العالمي أحادي القطب بقيادة أمريكا وهو ما أزّم العلاقات التركية الأمريكية.
ختاماً نتمنى أن نحذو في الأردن حذو تركيا وان تستفيد حكومتنا من التجربة التركية للنهوض بالاقتصاد الأردني. ونحن هنا فرحنا كثيراً بعودة تركيا إلى جانب الدول العربية وتخليها عن أمريكا وإسرائيل, ونتمنى لتركيا المزيد من الازدهار والنمو, لأن تركيا القوية هي فائدة كبيرة لنا وللدول العربية والإسلامية.
Haytham.almomani@hotmail.com

 

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
28-02-2012 04:17 PM

جزاك الله خير يا هيثم فقد غيرت فكرتي عن تركيا وبينت لنا الكثير من الامور التي كانت مخفية علينا

2) تعليق بواسطة :
28-02-2012 09:08 PM

يا ريت استاذ هيثم كمان سألته عن الاكراد؟

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012