01-03-2012 10:45 AM
كل الاردن -
م. يوسف ردايده
تعريف: الأسطورة هي عبارة عن حكاية مقدسة يؤمن أهل الثقافة التي أنتجتها بصحة وصدق أحداثها ويحاولون نشرها واقناع الاخرين بها . والاسطورة عبارة عن احداث ومجريات موجودة في اذهان من صاغوها ولكنها ليست موجودة في الاعيان .
ومصدر الخطر في الاسطورة هو عندما يحاول معتنقيها مطابقة ما هو في الاذهان لما هو في الاعيان . منذ بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم سيطرت على اذهاننا كنقابيين اسطورة ان النقابات المهنية هي طليعة العمل السياسي والوطني في الاردن وكان السبب الرئيسي لسيطرة هذه الاسطورة على اذهاننا وانتشارها هو ( الالحاح المستمر والترويج الحثيث لهذه المقولة من قبل التيار المسيطر على النقابات وخصوصاً نقابة المهندسين ) معتمدين على مقولة اخرى تدعي ضعف الاحزاب السياسية في الاردن بسبب عزوف الناس عن المشاركة بالعمل السياسي من خلال الاحزاب , لذلك وجدت النقابات نفسها تملأ الفراغ السياسي وتقوم بما رأت انه دورها الوطني في العمل السياسي .
سنزعم اننا في السطور القادمة سنقوم بتفكيك هذه الاسطورة ودحضها عائدين بالامور الى نصابها الصحيح , محتملين ما سيجره علينا ذلك من عاصفة هوجاء تثير غبار الاتهامات العشوائية من العمالة للحكومة والمخابرات وصولاً الى التخوين والطعن في الوطنية وربما ما هو اكثر من ذلك لأننا فقط تجرأنا على الكلام .
في نهاية عام 1994 وقعت الحكومة الاردنية على معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية وكان لا بد من عرضها على مجلس النواب الاردني لانها طرحت على شكل قانون حيث حظيت المعاهدة بموافقة (55) عضوا من اصل (79) وهو ما يشكل نسبة 70% من المجلس وبعد ذلك صدرت الارادة الملكية السامية بالموافقة على اقرارها لم يشأ الاخوان المسلمين تعطيل المعاهدة ومقاومة توقيعها فهم لم يستقيلوا من مجلس النواب مع ان ذلك كان سيعطل التوقيع على المعاهدة بسبب الحاجة لاجراء انتخابات تكميلية اولاً , وثانياً لان ذلك كان سينتج مجلساً فاقداً للشرعية بسبب عدم تمثيل اكبر حزب في الشارع في مجلس النواب وبذلك فان المعاهدة ستبقى ناقصة الشرعية حتى لو اكتملت مراحلها الدستورية , فقط كل ما فعله الاخوان المسلمين اصحاب اكبر حزب سياسي في الشارع الاردني هو مقاطعة جلسة التصويت على المعاهدة مصبغين عليها شرعيتها الدستورية حتى بغيابهم عن الجلسة العتيدة .
لم يشأ الاخوان المسلمون مقاومة المعاهدة ذاتها _ من خلال الشارع وحضورهم القوي والفاعل فيه ولا من خلال مجلس النواب _ بل اختاروا ان يقاوموا اثار المعاهدة من خلال الانسحاب الى ساحة خلفية اقل حدة هي النقابات المهنية يمارسوا من خلالها معركة مقاومة التطبيع التي يريدها الطرفان - الاخوان والحكومة - كل لضروراته, الاخوان لضرورات الشارع والحكومة لضروراتها التفاوضية التي لم تنته بالتوقيع على المعاهدة .
في النقابات المهنية كانت ممارسة السياسة تظهر باقصى تجلياتها العبثية وذلك لان التأثير السياسي للنقابات على الشارع كان محدوداً ولأن النشطاء السياسيين في النقابات كان عددهم محدوداً ايضاً والسبب في ذلك هوغياب المرجعيات الفكرية والنظرية للنقابات لانها ببساطة نقابات مهنية ليس من مهماتها الحشد السياسي والتنظير له وهي غير قادرة على ذلك حتى لو ارادته لانها لا تمتلك ادواته.
هذه العبثية في العمل السياسي من خلال النقابات ادركها نقيب المهندسين الاسبق ليث شبيلات مبكراً لذلك كان يدعو الاحزاب السياسية وبالذات حزب جبهة العمل الاسلامي لأخذ دورها في توجيه الشارع مباشرة وليس من خلال النقابات المهنية وعندما وجد ان دعوته _ بكل ما استعمل فيها من تحريض واستفزاز _ لم تجدي نفعاً اعتزل العمل السياسي . وهنا نتساءل اليس من المفارقات العجيبة المريبة ان يُسَجن امين عام نقابة المهندسين بصفته النقابية وليس بصفته الحزبية ؟ ثم يصل بعدها للبرلمان – هو ونقيبه - بصفتهم الحزبية . فاذا كانت النقابات هي طليعة العمل الوطني والسياسي فلماذا لم يشكل اصحاب العطوفة قائمة نقابية للانتخابات البرلمانية بدل القائمة الحزبية التي اوصلتهم للبرلمان ؟.
الا يشكل هذا دليلاً بازغاً على ما اسلفناه ؟ لكل ذلك كانت المعركة الهامشية التي اختارها الاخوان المسلمون ونفخوا في حبتها حتى اصبحت قبة وهي معركة مقاومة التطبيع معركة فاشلة لم ينجح الاسلاميون بادارتها وكل ما فعلوه هو الصدام المباشر المقصود مع الحكومات للظهور امام الشارع المحلي وامام حركات المقاومة العربية بمظهر المقاوم للكيان الصهيوني .
فهل مقاومة التطبيع تكمن فقط في نشر قوائم المطبعين او في الطباعة على المساطر ولواصق السيارات وعقد مؤتمرات لا يعرف ما يجري فيها الا من حضرها ومؤتمرات اخرى خارج البلد يسافر اليها النقباء على حساب الميزانيات النقابية لممارسة العمل السياحي – عفواً - اقصد العمل السياسي في شرق الوطن العربي وغربه.
وهل العمل الوطني والقومي يكون بتقديم الاضاحي للشعب العراقي العظيم ؟ وهو فعل تقدر عليه جمعية خيرية في احدى قرى الاردن النائية. وهل العمل الوطني والقومي يكون بزيارة لبنان الشقيق احتفالاً بتحرير جنوب لبنان وشتم جنود العدو من خلف الاسلاك الشائكة؟ ونعود للاردن وكأننا نحن من حرر الجنوب .
لذلك كانت الازمات التي وقعت بين النقابات والحكومات المتعاقبة لا تصل حد الصدام كون كل من الطرفين قد وضع لنفسه سقفاً لا يريد ان تتجاوزه الازمة لتصبح صراعاً لا يخدم أي منهما. فكثيراً ما كانت الازمة تصل بينهما الى حافة الهاوية وفجأة وعلى طريقة المسلسلات الدرامية تنتهي برضى الطرفين . بعيداً عن معركة مقاومة التطبيع الهامشية قد يبقى البعض مدافعاً عن النقابات ودورها السياسي وهنا نتساءل اين كانت النقابات عند المفاصل التاريخية التي مرت بها الدولة الاردنية وماذا فعلت ازاءها ؟ اين وقفت النقابات من برنامج التصحيح الاقتصادي الذي افقر العباد في منتصف التسعينيات واين كانت عندما رفعت اسعار الخبز عام 1996 كأحد شروط ذلك البرنامج واستحقاقاته ؟ اين كانت النقابات من برنامج خصخصة القطاع العام وبيع مقدرات البلد وانهاء دور دولة الرعاية الاجتماعية ؟ اين كانت النقابات من برنامج تفكيك الدولة الاردنية الذي قاده الليبراليون الجدد من خلال برنامج التحول الاقتصادي ومنظمات التمويل الاجنبية ؟ اين كانت النقابات من الحراك الشبابي الاردني المطالب بالاصلاح ؟ هل انطلق ذلك الحراك من مجمع النقابات في الشميساني ام انطلق من فقراء ذيبان في محافظة مأدبا جنوب عمان ؟ الم يحقق هذا الحراك على المستوى السياسي في عام واحد فقط ما عجزت النقابات المهنية عن تحقيقه طوال تاريخها الممتد لاكثر من خمسين عام ؟ وحتى لو ارادت النقابات القيام بالفعل السياسي امام كل تلك التحديات المطروحة بتساؤلاتنا تلك فهل كانت قادرة عليه؟ هل كانت تمتلك الادوات اللازمة لذلك ؟ هل كانت تمتلك المرجعية الفكرية والنظرية القادرة على الحشد الجماهيري اللازمة للفعل السياسي ؟ كما تساءلنا سابقاً .
اننا في هذا المقال لم نهدف الى افراغ النقابات من دورها الوطني فهذا الدور منصوص عليه في قانونها ولكن كان هدفنا هو الدور السياسي الذي تمارسه النقابات لا دورها الوطني ,ذلك الدور الذي نسيه اليسار القومي مثلما تناساه اليمين الاسلامي في سعيهم الحثيث للسيطرة على النقابة بحيث تم افراغ العمل الوطني وبالتالي النقابي من محتواه.
ان المرء ليشعر بالشفقة والرثاء على ذلك اليسار النقابي العريق – الذي خسر مواقعه في النقابات منذ اكثر من خمسة عشر عاماً - ووجد نفسه مضطراً للاصطفاف – بسبب غياب الرؤية وتحت تأثير ضعفه البين - بجانب الاسلاميين واعتنق معهم ذات الاسطورة السياسية التي فرضوها على جموع النقابيين فوجد نفسه في نهاية المطاف لاهثاً منقسماً لفئتين يمينياً بلبوس يساري أو يسارياً بلبوس يميني.
وان المرء ليشعر مرة اخرى بالشفقة والرثاء على حالنا نحن النقابيين وخصوصاً المهندسين منا لاننا تركنا نقابتنا لفئة محدودة تفرض تصوراتها واجنداتها علينا من خلال ديمقراطية عرجاء وبصناديق انتخابية لا تمثل اكثر من خمسة بالمائة من جموع المهندسين , وعادت بالمهنة الى عصورها البدائية .
الم يحن الوقت ليعمل النقابيون والمهندسون بالذات على استعادة مكانتهم الاجتماعية الرفيعة التي منحها لهم المجتمع واهدرتها نقابتهم طوال خمسة عشر عاماً ؟ الم يحن الوقت بالنسبة لهم للعمل على استعادة نقابتهم المختطفة ومهنتهم المهملة الى احضانهم ؟ فاذا لم يكن من اجل وطنهم فمن اجلهم هم وعائلاتهم على الاقل .
فهل هم فاعلون ؟؟؟؟