أضف إلى المفضلة
السبت , 18 أيار/مايو 2024
السبت , 18 أيار/مايو 2024


اوكازيون دولي
06-03-2012 08:52 AM
كل الاردن -

alt


حسن بلال التل

مع نهاية كل عام وبداية عام جديد تدخل البلد في أوكازيون دولي يستمر أحيانا لأشهر، هذا الأوكازيون تُقسّم فيه سمعة الوطن وأهله بين المنظمات الدولية، والمراكز الممولة أجنبيا التي يتحفنا كل منها بتقرير مفصل على المقاس.

فمع نهاية كل عام وبدء العام الجديد تبدأ المنظمات الدولية بدءا من الأمم المتحدة وتفرعاتها، وليس انتهاء بمنظمة الحفاظ على الطحالب العالمية بنشر تقاريرها، التي تأخذ موقع الخصم والحكم على العالم أجمع، وعلى العالم الثالث ودول ''المستضعفين في الأرض'' بشكل خاص.

فمن تقرير يشرّح واقع الحريات، الى تقرير يشرشح حالة السجون، الى ثالث لا يبقي ولا يذر عن التشريعات والقوانين، وبعد أن كانت هذه التقارير رصد حالة، وذات صفة استرشادية بسبب انقطاع معظمها عن التماس مع الواقع وتحضيرها من وراء جدران وأبواب مغلقة، في مكاتب تقع وراء البحار والمحيطات، أصبحت بفضل التمويل الأجنبي ومكاتبه ووكلائه، وحشا كاسرا قادرا على تجنيد آلات إعلامية، وتجييش الرأي العام الذي إذا ثاب إلى رشده يدرك أن الحقيقة مخالفة لذلك.

وللتمثيل نقول: قبل أسابيع صدر تقرير حول حالة الحريات الصحفية في الأردن تسبب في تراجع موقع الأردن على المستوى العالمي 8 درجات، حدث هذا فيما الواقع العملي يؤكد العكس تماما، الى درجة أن حتى دعاة الحرية التي لا تعرف السقوف في الوسط ضجوا مطالبين بشيء من الضبط.

الأسوأ من هذا أن حارتنا ضيقة، فالهيئة العامة لنقابة الصحفيين عددها أقل من ألف صحفي، نسبة محترمة جدا منهم إما منقطعون عن ممارسة المهنة تماما أو موظفون في دوائر اعلام وعلاقات عامة في القطاعين العام والخاص، وبالتالي هم غير ممارسين للمهنة بشكل حقيقي، عدا عن أن عدد المؤسسات الصحفية والإعلامية الفعلية -وهنا أقصد المؤسسات ذات الطواقم والهياكل المعروفة والتي تمارس العمل الصحفي، وليس الصحف والمواقع والمحطات التي تصدر في الأعياد والمناسبات ومن البيوت، معتمدة على النقل والتأليف وخيال ملاكها الخصب- هذه المؤسسات أظنها بالكاد تصل الى 20 أو 30 بالحد الأقصى، وقد سألت عددا لا بأس به من الزملاء إن كان أي منهم تلقى استبيانا أو اتصالا من أية جهة دولية حول الحريات الصحفية، أو إن كانوا يعرفون أحدا تلقى مثل ذلك فكان الجواب بالنفي. إذن فمن أين جاء هذا التقرير بنتائجه، وعلى ماذا بنيت؟.

مسألة أخرى، هي: بأي حق يطالبنا الآخر أن نعيش ونسير وفق منظوره هو للحقيقة أو القانون؟ فهل كل ما يجوز لدى غيرنا يُقبل عندنا؟ البغاء مثلا مشرعن في بلجيكا، فهل نتوقع قريبا تقريرا دوليا يطالب بتشريعه في الأردن أيضا؟ وزواج المحارم جائز في بعض مناطق من الولايات المتحدة، فما الذي يضمن أن لا تخرج علينا منظمة ما مطالبة بإجازته في بلدنا، ففكرة أن الغرب هو الأفضل والأكثر حكمة وعقلا وحرية، أصبحت مسيطرة بصورة ممجوجة في بلداننا.

أعلم أن هذه الأمثلة سلبية جدا، لكن كما أن بنود اتفاقية سيداو التي كان من المستحيل تخيل تطبيق نسبة كبيرة منها قبل عقد من الزمان، -وما زلت أذكر جيدا الحملة الشعبية التي قابلت الطروحات التي عاد بها الوفد النسوي الأردني من مؤتمر بكين- أصبحت مطبقة بالكامل، فليس هناك ما يضمن ألا يقع ما هو مماثل لذلك من أمور تخالف الدين والعرف والتقاليد وحتى القوانين تحت ضغط التقارير والمنظمات الدولية.

قلت سابقا وأقول دائما، أن لا شيء كامل، وبالتأكيد في وطننا أخطاء ونواقص، لكن الاستقواء على الوطن بالأجنبي بأي صورة هو جريمة لا تغتفر، وكذلك رفض الانصياع للقانون بذريعة (عدم الاقتناع به) جريمة أكبر، فمن يخالف قانونا عليه تحمل تبعات فعلته. وإن كان غير مقتنع به فليعمل لتغييره عبر الوسائل المتاحة بعيدا عن خرقه واقحام نفسه والبلد في دوامات لا داعيَ لها ولا عاقبة خيّرة، فالأصل أن نصلح أخطاءنا بأيدينا وأدواتنا بعيدا عن الاستعانة بأدوات خارجية لن تخلو من مطمح ومطمع، ويكفينا العام الماضي دليلا على قدرة شعبنا على التغيير بذراعه ووسائله، فلِمَ الاستقواء بالأجنبي؟

وأمر أخير أرجوه من كل بني وطني، أن أدركوا أن الأصل بالقوانين ألا تأتي تفصيلا على مقاس فلان وعلان، أو هذه الفئة أو تلك، وما أراه أنا أو انت خطأ قد يراه كثيرون غيرنا صوابا، وكذلك فالتقارير الدولية والمنظمات التي تقف خلفها ليست كتبا سماوية ولا حقا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهي تحكم وتحاكم بمفهومها ومنظورها وأدواتها، بعيدة كل البعد عن الواقع العملي وحقائق وخصوصيات الدول والمجتمعات، فبالله عليكم دعونا ننتشل أنفسنا من العرض على رف أوكازيون المنظمات الدولية التي لم تأتنا يوما بخير يذكر

 hsntall@yahoo.com

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012