06-03-2012 08:55 AM
كل الاردن -
رندة العُمري
عادةً ما تتخذ زيارات الملوك الميدانية بروتوكولات وترتيبات وتشريفات تُشرف عليها الجهات المسؤولة والمعنية بهذه الزيارة، ومما لا شكَّ فيه أنَّ هذه البروتوكولات والطقوس هي أمور تتعلق بشخص الملك، وهيبته المحفوظة، والحفاظ على الأمور الأمنية! ولكن إذا ما قام الملك الأجلّ بزيارات مفاجئة إلى مناطق مكتظة بالمواطنين وشرائح مختلفة ونفسيات مختلفة دون سابق تخطيط مع أي جهة مسؤولة عن إعداد المراسيم لهذه الزيارة، فليس هُناك سوى تفسير واحد لا يُمكن أن يختلف فيه اثنان، وهو الثقة المتبادلة والصادقة بين الملك وشعبه! وهذه الثقة لم تتولَّد نتيجة موقف وليد اللحظة، بل بدأت تنمو مع نمو البذرة تحت التراب الطاهر، وتدرَّجت بالنمو من نُواة إلى بُرعم إلى زهرة، حتَّى أصبحت ثمرة ناضجة قطفها الأردنيون وأطلقوا عليها اسم الثقة الصادقة بالقيادة الهاشمية! فهذه الثقة المُتبادلة هي التي أوحت للملك الهاشميّ بالزِّيارات المُفاجئة بين الحين والآخر، متجوِّلاً بين المؤسسات الخدماتية والمدارس والمستشفيات والأسواق، مُتلمِّسًا مشاكل المواطنين، مُطَّلعًا على همومهم دون حواجز أو قيود أو بروتوكولات.
فكيف لطفل يجلس على رصيف المدرسة امتدت له يد هاشميّة لمصافحته، أن ينسى هذه اللمسة الحنونة من قائد وقف أمامهُ دون بروتوكول! وكيف لمريض يحتاج لكلمة طيّبة ترفع معنوياته، أن ينسى نظرة حنونة كانت كالبلسم على جُرحه! وكيف لمواطن يُزاحم على شُباك دائرة خدماتية يُحسُّ بيدٍ تربتُ على كتفه، تمتدُّ سكناتها إلى قلبه، ألّا يثق بهذه اليد! كما كيف لمواطن يتجوَّل بين رفوف السوق، يُحاول تأمين احتياجات عائلته، ويُفاجأ بجلالة الملك جاء ليطمئن على لُقمة عيشه وأسرته، ألّا يشعُر بدفء الطمأنينة!
لا يُمكن لشخص أن يُشكِّك بأنَّ ثورة الشعوب التي بدأت وانتشرت بين جنبات الوطن العربيّ، هي ثورة الشعوب على مُلوكها ورؤسائها، والسبب في ذلك كما تقول هذه الشعوب هو الحقد المدفون في قلوب الأجداد والذي انتقلت جيناته بالوراثة إلى الأحفاد مما ولّد الانفجار لهذه البذرة التي لم تكُن ثمرتها سليمة! وبدلاً من أن تكون ثمرة ناضجة تقطفها شعوبهم، تحوَّلت إلى قُنبلة موقوتة انفجرت بوجه أسيادهم!
لم يكُن عُمري يتجاوز العشر سنوات حين حظيتُ بفرصة مصافحة المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في محافظة إربد، أُقسمُ لكم بأنَّ هذه اللحظة لا تُغادر مُخيِّلتي! وأستشعر تلك اللحظة والابتسامة واليد كُلَّما مررتُ من أمام مبنى المحافظة! فكما هو حالي، هو حال كل مواطن حظي بفرصة الاقتراب من الهاشميين، أو روى لهُ أحد أجداده أو أقاربه قصة هاشمية، ممّا يجعل الجينات الوراثية لمحبة الهاشميين تسري بانسياب من دم الأجداد إلى الأحفاد.
البذرة الناضجة التي جاء بها الملك المؤسس، ملفوفةً براية الثورة العربية الكبرى، من شجرةٍ مصطفويةٍ، وزرعها تحت تُراب هذا الوطن الطاهر، ستستمر بالعطاء، وستستمر بالتكاثر، لأنها رُويت مُنذ البداية بدماء شريفة، فلا يُمكن لها إلّا أن تكون ثمرة ثقة مُتبادلة بين الملك وشعبه.
لم ينزل هذا القائد الشاب بين جُموع المواطنين دون بروتوكولات إلّا بعد أن استشعر محبة شعبه المفطورين عليها، وهتافهم العشوائي بحياته، وخروجهم بعفويَّة لتكحيل أعيُنهم برؤيته، والمُزاحمة من أجل مُلامسة يده!
أنت سيدي كما هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، حكمت، فعدلت، فخرجت إلى شعبك دون رسميات وبروتوكولات!
omariranda@hotmail.com